تسارعت التطورات في روسيا بعد إعلان قائد مجموعة فاغنر العسكرية يفغيني بريغوجين أمس الأول، تمرده ضد وزارة الدفاع الروسية وقائد أركان الجيش، ودخول قواته من أوكرانيا باتجاه الأراضي الروسية حيث سيطرت على منطقتين في جنوب البلاد وواصلت تقدمها شمالاً باتجاه العاصمة موسكو، في أكبر تحدّ أمني وسياسي داخلي يواجه روسيا الحديثة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن المنصرم.
ويبدو أن الأمور دخلت أمس، في نفق لا رجعة فيه بعد خطاب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعهد فيه بسحق مجموعة فاغنر التي كانت يوماً إحدى الأدوات الأكثر فاعلية ونجاحاً في مد نفوذه خارج روسيا، واصفاً بريغوجين بأنه خائن طعن الدولة الروسية بالظهر، وهو ما رد عليه قائد فاغنر الذي كان حتى شهور قليلة يلقب بطباخ بوتين بسبب قربه من سيد الكرملين بالإعلان أنه قريباً سيكون هناك رئيس جديد للبلاد.
عبور الحدود
وفي تحرك يستهدف الإطاحة بالقيادة العسكرية، أعلن بريغوجين عبور قواته، البالغ عددها نحو 25 ألفاً حسب تقديراته، الحدود من أوكرانيا إلى الأراضي الروسية وأنها ستدمر كل ما يعترض طريقها، مؤكداً أنه دخل مقر وزارة الدفاع في روستوف وسيطر على الأهداف العسكرية بالمدينة والمطار.
وظهر بريغوجين في فيديو يتحدث مع نائب وزير الدفاع يونوس-بك يفكوروف والقيادي بهيئة الأركان فلاديمير ألكسييف، بنبرة شديدة حول طريقة معاملة الجنود، مشدداً على أن قواته «مستعدة للموت» وستحاصر روستوف وهي مستعدة للتقدم نحو العاصمة موسكو إذا لم يأتي وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف للقائه في روستوف للتباحث في حرب أوكرانيا.
وحذر بريغوجين من أي مقاومة يمكن أن تبديها أي هيئة أمنية أو عسكرية روسية، مشيراً إلى أن قواته ستعود للجبهة في أوكرانيا بعد تحقيق ما سماها العدالة وإنهاء الفوضى التي تشهدها البلاد كما هدد بتعليق وزير الدفاع في الساحة الحمراء ودفنه في ضريح لينين.
ونفى بريغوجين أن يكون بصدد القيام بانقلاب عسكري، وكرر تصريحات سابقة بأن الجيش الروسي يتراجع على الجبهات في مواجهة الهجوم الأوكراني المضاد، متحدثاً عن سقوط نحو ألف قتيل وجريح من الجنود يومياً.
وبعد ساعات، أفاد موقع «ريبار العسكري» بأن 4 أرتال عسكرية لقوات «فاغنر» تضم ما بين 150 و 400 آلية عسكرية تتجه نحو موسكو، وتتقدم بأقصى سرعة على طول طريق روستوف السريع.
وبعد روستوف قال مصدر أمني روسي، إن مقاتلي مجموعة فاغنر سيطروا على جميع المنشآت العسكرية في مدينة فورونيغ على بعد نحو 500 كيلومتر إلى الجنوب من موسكو.
وأكد حاكم فورونيغ ألكسندر غوسيف أنه في إطار عملية مكافحة الإرهاب تتخذ القوات الروسية الاستعدادات العملياتية والقتالية الضرورية للتصدي لمحاولة مجموعة فاغنر إطاحة القيادة العسكرية في روسيا.
ومع تحرك «فاغنر» نحوها، دعت حكومة منطقة ليبيتسك الروسية السكان إلى ملازمة منازلهم والامتناع عن السفر بوسائل النقل الخاصة أو العامة لضمان سلامتهم وإنفاذ القانون والنظام.
وبعد توغلها في جنوبي روسيا، أعلنت «فاغنر» أنها أسقطت مروحية وطائرة حربية من طراز سوخوي، وبثت صوراً لإسقاط الطائرتين.
طوارئ بموسكو
وعاشت موسكو ليلة حافلة، إذ سجل انتشار أمني كثيف منذ ليل الجمعة ـ السبت حول المنشآت الحيوية قبل أن يعلن عمدة العاصمة سيرغي سوبيانين أمس، تفعيل إجراءات مكافحة الإرهاب في العاصمة وإلغاء الفعاليات العامة المقررة في المدينة.
وأظهرت أشرطة مصورة قيام جنود روس باقامة نقاط تفتيش وعوائق عند مداخل موسكو الجنوبية، كما شهدت كل الطرقات السريعة من الجنوب باتجاه موسكو ازدحامات وأقفلت بعضها ساعات بشاحنات مدنية معبأة بالرمال في خطوة يبدو أن الجيش الروسي لجأ إليها لوقف تقدم فاغنر.
وحذرت السلطات الروسية أي أحزاب أو أفراد يحاولون تشويه قانون مكافحة الارهاب الذي فرض على موسكو والذي يشبه الاحكام العرفية، فيما وقع بوتين قانونا يسمح بتجنيد المحكوم عليهم والمساجين في الخدمة العسكرية، في خطوة وصفها مراقبون بأنها بمثابة اعلان تعبئة عامة.
خطاب بوتين
وفي خطابه الاستثنائي، اعتبر بوتين، الذي واجه أكبر أزمة داخلية على الإطلاق، أن من نظموا التمرد المسلح وصوبوا سلاحهم على رفاقهم في القتال خانوا روسيا وطعنوها بالظهر، ولن يفلتوا من العقاب.
وقال بوتين: «تخوض روسيا اليوم معركة شرسة من أجل مستقبلها ومن أجل حقها في أن تبقى دولة بتاريخها الممتد إلى ألف عام».
وأضاف: «هذه المعركة تتطلب حشد جميع القوى والتحلي بالمسؤولية ونبذ كل ما يضعفنا، لأن أعداءنا الخارجيين سيستغلون أي خلاف في صفوفنا لزعزعتنا من الداخل»، لافتاً إلى أن «كل ما من شأنه أن يمسّ وحدة الصف في روسيا، ارتداد على الشعب ورفاقنا في السلاح الذين يقاتلون الآن على الجبهة، وطعنة في ظهر روسيا وشعبها».
وأشار إلى أن دعوة العصيان المسلح جاءت نتيجة المغالاة بالطموحات والمصالح الشخصية، التي قادت إلى الخيانة. ووصف بوتين التمرد المسلح لبريغوجين، الذي قاد عملية الاستيلاء على مدينة باخموت الأوكرانية الشهر الماضي، بأنه «جريمة خطيرة وطعنة في الظهر»، موجهاً الجيش بتحييد المتورطين معه.
تطور الخلاف
وبعد شهور من اتهاماته لشويغو وغيراسيموف علناً بعدم الكفاءة وحرمانه من الذخيرة والدعم، نقل بريغوجين الخلاف، أمس الأول، إلى مرحلة جديدة بتأكيده أن سبب بوتين المعلن لغزو أوكرانيا قبل 16 شهراً استند إلى أكاذيب اختلقها كبار ضباط الجيش.
وفي واحدة ضمن فورة رسائله الصوتية الكثيرة خلال الليل، أوضح بعد ذلك أنه يتحرك ضد الجيش. وقال «أولئك الذين دمروا أبناءنا... الذين دمروا أرواح عشرات الآلاف من الجنود الروس... سيعاقبون. أطلب عدم المقاومة من أحد».
وقال «هناك 25 ألفاً منا وسنكتشف سبب حدوث الفوضى»، متعهداً بتدمير أي نقاط تفتيش أو قوات جوية في طريق فاغنر. ودعا الجيش والشعب الروسي إلى النزول للشوارع والالتحاق بقواته.
وفتح جهاز الأمن الاتحادي الروسي قضية جنائية ضد بريغوجين بتهمة التمرد المسلح، وناشد مقاتلي المجموعة «عدم تنفيذ أوامر بريغوجين الإجرامية والخائنة، واتخاذ إجراءات لاعتقاله».
ودعا نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف إلى الالتفاف حول بوتين، لمواجهة محاولات الأعداء في الداخل والخارج لتمزيق روسيا، مساوياً بين أعداء الداخل والخارج.
كما دعا رئيسا مجلسي النواب والشيوخ إلى دعم بوتين وتوحيد القوات تحت سيطرته، وعدم التسامح التاريخي مع الخيانة والاستفزازات.
ودعا بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل إلى وحدة الصف ودعم جهود بوتين، مؤكداً أن أي محاولة لبث الفتنة تعد «أفظع جريمة ترتكب بلا مسوّغ».
وكان الجنرال سيرغي سوروفيكين الذي تولى قيادة العمليات في أوكرانيا ويعد أرفع مسؤول مقرب من بريغوجين نشر شريطاً مصوراً دعا فيه إلى الالتزام بأوامر بوتين وإلى حل أي خلاف بطريقة سلمية.
وعلى غرار حليفه بوتين، اعتبر رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف تحرك بريغوجين «طعنة في الظهر»، مشدداً على أن قواته تتحرك نحو «مناطق التوتر» ومستعدة لتقديم العون في إحباط تمرد « فاغنر» ولاستخدام أساليب قاسية إن لزم الأمر. ونشرت أشرطة فيديو لـ «كتيبة أحمد» التابعة له وهي تتقدم باتجاه روستوف.
حرب أهلية
في هذه الأثناء، حذرت جماعة القوميين الروس، المعروفة باسم «نادي الوطنيين الغاضبين»، في بيان، من أن روسيا على شفا كارثة، مؤكدة أن اندلاع حرب أهلية سيؤدي إلى إلحاق هزيمة عسكرية مذلة للجيش الروسي.
في المقابل، شجّع «فيلق المتطوعين الروس» المعارض، الذي يقاتل إلى جانب أوكرانيا، تحرك بريغوجين العسكري ضد بوتين والجيش، معتبراً أن «النظام الدموي في الكرملين لن يقهر إلا بالقوة العسكرية».
خارجياً، أجرى بوتين سلسلة اتصالات عبر الهاتف أطلع فيها رؤساء أوزبكستان شوكت ميرضيائيف وبيلاروس ألكسندر لوكاشينكو على تطورات وكازاخستان قاسم جومارت توكاييف.
وفي اتصال مماثل، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن دعمه الكامل للخطوات التي يتخذها بوتين والقيادة الروسية في تصديها للعصيان المسلح لقائد «فاغنر» في أول رد فعل مؤيد على المستوى الدولي لبوتين.
وتمسك مجلس الأمن في بيلاروس بالتحالف مع القيادة الروسية، محذراً من أن الخلافات الداخلية تعد «هدية للمجموعة الغربية»، في حين نقل عن توكاييف قوله لبوتين، إن ما يجري في روسيا شأن داخلي.
بدورها، وصفت وزارة الخارجية الإيرانية ما يحدث في روسيا بأنه شأن داخلي، وطهران تؤيد سيادة القانون بالاتحاد الروسي.
وعبرت وزارة الخارجية القطرية عن قلقها حيال الوضع في روسيا، ودعت جميع الأطراف إلى «أقصى درجات ضبط النفس»، محذرة من «تبعات سلبية على الأمن والسلم الدوليين وعلى إمدادات الغذاء والطاقة».
في المقابل، اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن التمرد المسلح لمجموعة فاغنر دليل على ضعف روسيا وعدم الاستقرار السياسي فيها.
وكتب زيلينسكي، في منشور،«كلما أبقت روسيا قواتها ومرتزقتها على أرضنا، واجهت المزيد من الفوضى والألم والمشكلات لاحقاً، ومن الواضح أن أوكرانيا قادرة على حماية أوروبا من انتشار الشر والفوضى الروسيين».
ورأت نائبة وزير الدفاع الأوكرانية غانا ماليار، أن روسيا باشرت باجتياحها أوكرانيا عملية تفضي إلى دمارها الذاتي، معتبرة أن «تمرد فاغنر يشكل فرصة لأوكرانيا لمواصلة عملها حتى تحقيق «النصر».
وفي لندن، أعلن رئيس الوزراء ريشي سوناك أنه سيتحدث مع الحلفاء، وناشد جميع أطراف الصراع في روسيا تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين.
وفي واشنطن، أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي آدم هودج أن البيت الأبيض يراقب الوضع، مشيراً إلى أن الرئيس جو بايدن أطلع على ما يجري هناك وسيناقش التطورات مع الحلفاء والشركاء.
ولاحقاً، كتب وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن انه أجرى محادثات مع نظرائه من دول مجموعة السبع ومسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي حول الوضع الراهن في روسيا.
تحوّل رئيس مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين، في الساعات الأخيرة، من أحد رجالات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أكبر مصدر تهديد له ولحكمه في قصة تشبه الملاحم الاغريقية.
الرجل الذي يقف وراء النفوذ الروسي في إفريقيا، والذي اشتهر بلقب «طباخ بوتين»، تحوّل في الساعات الأخيرة إلى «خائن»، مع تفجر الخلافات بين المجموعة التي يقودها، والقيادة العسكرية الروسية، واتهامه بقيادة «تمرّد مسلّح».
فمَن هذا الرجل؟ وكيف تحوّل مع مجموعته إلى أكبر مصدر تهديد لبوتين؟... وُلد بريغوجين عام 1961، في مدينة سان بطرسبورغ (لينينغراد) التي يتحدر منها بوتين أيضاً، ونشأ على يد أم عزباء، كانت تعاني ضائقة مالية. كان بريغوجين، وفق موقع «ذا ماسنجر» الأميركي، معروفاً باقتحام الشقق، وبيع البضائع المسروقة في السوق السوداء، وقضى تقريباً كلّ السنوات بعد عام 1980 في معسكر اعتقال بتهم السرقة، والاحتيال، والدعارة.
وعندما خرج من السجن عام 1990، وجد بريغوجين نفسه في روسيا مختلفة جداً: مكان فيه نوع جديد من الرأسمالية. فدخل عالم الأعمال من بوابة كشك لبيع النقانق، تحوّل لاحقاً إلى سلسلة من أكشاك النقانق، فإمبراطورية تجارية صغيرة من محلات السوبرماركت والمطاعم. وأصبح أحد مطاعمه الفخمة الذي يحمل اسم «نيو آيلاند» على الواجهة البحرية في سانت بطرسبرغ، مفضلاً لدى بوتين، للترفيه عن الشخصيات البارزة التي كانت تزور روسيا، بما في ذلك الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. وكان بوتين شديد الإعجاب بصاحب المطعم، الشاب الطموح. فازت شركة التموين الخاصة به بعقود حكومية مربحة لإطعام أطفال المدارس الروسية والسجناء والجنود، وكان العقد العسكري الواحد وحده يزيد على مليار دولار. تولّى رجل الأعمال الروسي عقود تقديم الطعام للكرملين والجيش، ليُعرف بعدها باسم «طباخ بوتين». قبل الحرب على أوكرانيا، اشتهر بريغوجين في الولايات المتحدة بتمويله «وكالة أبحاث الإنترنت» سيئة السمعة، التي اتهمتها واشنطن بنشر معلومات مضللة عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، نيابة عن الكرملين، قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2016. وقد اتُّهم بريغوجين في تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر عام 2019، وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليه، على خلفية علاقته بالعملية.
على الرغم من نفيه لسنوات تورطه مع مجموعة «فاغنر»، جيش الظل الخاص في الكرملين، بات بريغوجين يفخر اليوم بقيادته المجموعة.
لا تزال أصول هذه المجموعة العسكرية الروسية الخاصة غير متفق عليها، ففي إحدى الفترات، كان الحديث يدور حول أنّ «فاغنر» تأسست في عام 2014، من ضابط سابق في القوات الروسية الخاصة يُدعى دميتري أوتكين، لكن بريغوجين روى في العام الماضي قصة مختلفة، وقال إنه قرّر إنشاء المجموعة بعد خروج تظاهرات الانفصاليين في شرق أوكرانيا في عام 2014، وأنه شخصياً قام بـ «تنظيف الأسلحة القديمة، واكتشاف السترات الواقية من الرصاص، والعثور على متخصصين بإمكانهم مساعدته في هذا الأمر».
رواية بريغوجين هذه كان قد خالفها تقرير نشره موقع التحقيق الروسي «ذا بيل» عام 2019، مشيراً إلى أنه لم يكن لدى بريغوجين خيار في هذه المسألة، فقد توصل مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الروسية إلى فكرة «فاغنر»، واختاروا متعهد الطعام الذي كان متردداً في البداية، لتمويلها.
وعلى الرغم من الخلاف حول نشأتها، تمكنت المجموعة الروسية من ترك بصماتها في أماكن عدة، مع تنفيذها مهمات بالنيابة عن الكرملين. وكان لمقاتليها دور في ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وحاربوا بالنيابة عن الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس في أوكرانيا، كما قاتلوا في سورية إلى جانب نظام بشار الأسد، وتكبدوا خسائر كبيرة، وتوسّع نشاطهم ليشمل ليبيا والسودان ودولا عربية وإفريقية أخرى.
وفق «ذا ماسنجر»، يُعتقد أن «فاغنر» عملت في 30 دولة تقريباً، أغلبيتها في إفريقيا، وأنها قدّمت خدمات أمنية لبعض حكوماتها مثل السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، مقابل حصول شركات مرتبطة ببريغوجين على امتيازات تعدين الذهب والماس.
من جهتها، تقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إنه بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ألقى بريغوجين بمقاتليه في المعركة، الذين ازدادت أعدادهم بشكل كبير، مع تجنيد السجناء. وأصبح اسمه متداولاً بشكل أكبر في الأشهر الأخيرة، مع لجوئه إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اشتُهر بالكلام القاسي والوحشية، فضلاً عن انتقاداته للقيادة العسكرية الروسية، واتهامه إياها بالفشل في تزويد مقاتليه بالذخيرة الكافية، وتجاهل معاناة الجنود.
من جهتهم، يعتقد أشخاص على معرفة ببريغوجين، تحدثوا إلى صحيفة «ذا غارديان»، شرط عدم الكشف عن هوياتهم، أنه لا المال ولا القوة كانا العامل المحفز الوحيد لسلوك بريغوجين، لافتين إلى أنه مدفوع بالإثارة، والاعتقاد بأنه يحارب النخب الفاسدة، والرغبة في سحق منافسيه. ويقول رجل أعمال كان على معرفة ببريغوجين في فترة التسعينيات، إنه مندفع وموهوب، و«لا يتراجع أمام أي شيء للحصول على ما يريد».
ويبدو أن الأمور دخلت أمس، في نفق لا رجعة فيه بعد خطاب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعهد فيه بسحق مجموعة فاغنر التي كانت يوماً إحدى الأدوات الأكثر فاعلية ونجاحاً في مد نفوذه خارج روسيا، واصفاً بريغوجين بأنه خائن طعن الدولة الروسية بالظهر، وهو ما رد عليه قائد فاغنر الذي كان حتى شهور قليلة يلقب بطباخ بوتين بسبب قربه من سيد الكرملين بالإعلان أنه قريباً سيكون هناك رئيس جديد للبلاد.
عبور الحدود
وفي تحرك يستهدف الإطاحة بالقيادة العسكرية، أعلن بريغوجين عبور قواته، البالغ عددها نحو 25 ألفاً حسب تقديراته، الحدود من أوكرانيا إلى الأراضي الروسية وأنها ستدمر كل ما يعترض طريقها، مؤكداً أنه دخل مقر وزارة الدفاع في روستوف وسيطر على الأهداف العسكرية بالمدينة والمطار.
وظهر بريغوجين في فيديو يتحدث مع نائب وزير الدفاع يونوس-بك يفكوروف والقيادي بهيئة الأركان فلاديمير ألكسييف، بنبرة شديدة حول طريقة معاملة الجنود، مشدداً على أن قواته «مستعدة للموت» وستحاصر روستوف وهي مستعدة للتقدم نحو العاصمة موسكو إذا لم يأتي وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف للقائه في روستوف للتباحث في حرب أوكرانيا.
وحذر بريغوجين من أي مقاومة يمكن أن تبديها أي هيئة أمنية أو عسكرية روسية، مشيراً إلى أن قواته ستعود للجبهة في أوكرانيا بعد تحقيق ما سماها العدالة وإنهاء الفوضى التي تشهدها البلاد كما هدد بتعليق وزير الدفاع في الساحة الحمراء ودفنه في ضريح لينين.
ونفى بريغوجين أن يكون بصدد القيام بانقلاب عسكري، وكرر تصريحات سابقة بأن الجيش الروسي يتراجع على الجبهات في مواجهة الهجوم الأوكراني المضاد، متحدثاً عن سقوط نحو ألف قتيل وجريح من الجنود يومياً.
وبعد ساعات، أفاد موقع «ريبار العسكري» بأن 4 أرتال عسكرية لقوات «فاغنر» تضم ما بين 150 و 400 آلية عسكرية تتجه نحو موسكو، وتتقدم بأقصى سرعة على طول طريق روستوف السريع.
وبعد روستوف قال مصدر أمني روسي، إن مقاتلي مجموعة فاغنر سيطروا على جميع المنشآت العسكرية في مدينة فورونيغ على بعد نحو 500 كيلومتر إلى الجنوب من موسكو.
وأكد حاكم فورونيغ ألكسندر غوسيف أنه في إطار عملية مكافحة الإرهاب تتخذ القوات الروسية الاستعدادات العملياتية والقتالية الضرورية للتصدي لمحاولة مجموعة فاغنر إطاحة القيادة العسكرية في روسيا.
ومع تحرك «فاغنر» نحوها، دعت حكومة منطقة ليبيتسك الروسية السكان إلى ملازمة منازلهم والامتناع عن السفر بوسائل النقل الخاصة أو العامة لضمان سلامتهم وإنفاذ القانون والنظام.
وبعد توغلها في جنوبي روسيا، أعلنت «فاغنر» أنها أسقطت مروحية وطائرة حربية من طراز سوخوي، وبثت صوراً لإسقاط الطائرتين.
طوارئ بموسكو
وعاشت موسكو ليلة حافلة، إذ سجل انتشار أمني كثيف منذ ليل الجمعة ـ السبت حول المنشآت الحيوية قبل أن يعلن عمدة العاصمة سيرغي سوبيانين أمس، تفعيل إجراءات مكافحة الإرهاب في العاصمة وإلغاء الفعاليات العامة المقررة في المدينة.
وأظهرت أشرطة مصورة قيام جنود روس باقامة نقاط تفتيش وعوائق عند مداخل موسكو الجنوبية، كما شهدت كل الطرقات السريعة من الجنوب باتجاه موسكو ازدحامات وأقفلت بعضها ساعات بشاحنات مدنية معبأة بالرمال في خطوة يبدو أن الجيش الروسي لجأ إليها لوقف تقدم فاغنر.
وحذرت السلطات الروسية أي أحزاب أو أفراد يحاولون تشويه قانون مكافحة الارهاب الذي فرض على موسكو والذي يشبه الاحكام العرفية، فيما وقع بوتين قانونا يسمح بتجنيد المحكوم عليهم والمساجين في الخدمة العسكرية، في خطوة وصفها مراقبون بأنها بمثابة اعلان تعبئة عامة.
خطاب بوتين
وفي خطابه الاستثنائي، اعتبر بوتين، الذي واجه أكبر أزمة داخلية على الإطلاق، أن من نظموا التمرد المسلح وصوبوا سلاحهم على رفاقهم في القتال خانوا روسيا وطعنوها بالظهر، ولن يفلتوا من العقاب.
وقال بوتين: «تخوض روسيا اليوم معركة شرسة من أجل مستقبلها ومن أجل حقها في أن تبقى دولة بتاريخها الممتد إلى ألف عام».
وأضاف: «هذه المعركة تتطلب حشد جميع القوى والتحلي بالمسؤولية ونبذ كل ما يضعفنا، لأن أعداءنا الخارجيين سيستغلون أي خلاف في صفوفنا لزعزعتنا من الداخل»، لافتاً إلى أن «كل ما من شأنه أن يمسّ وحدة الصف في روسيا، ارتداد على الشعب ورفاقنا في السلاح الذين يقاتلون الآن على الجبهة، وطعنة في ظهر روسيا وشعبها».
وأشار إلى أن دعوة العصيان المسلح جاءت نتيجة المغالاة بالطموحات والمصالح الشخصية، التي قادت إلى الخيانة. ووصف بوتين التمرد المسلح لبريغوجين، الذي قاد عملية الاستيلاء على مدينة باخموت الأوكرانية الشهر الماضي، بأنه «جريمة خطيرة وطعنة في الظهر»، موجهاً الجيش بتحييد المتورطين معه.
تطور الخلاف
وبعد شهور من اتهاماته لشويغو وغيراسيموف علناً بعدم الكفاءة وحرمانه من الذخيرة والدعم، نقل بريغوجين الخلاف، أمس الأول، إلى مرحلة جديدة بتأكيده أن سبب بوتين المعلن لغزو أوكرانيا قبل 16 شهراً استند إلى أكاذيب اختلقها كبار ضباط الجيش.
وفي واحدة ضمن فورة رسائله الصوتية الكثيرة خلال الليل، أوضح بعد ذلك أنه يتحرك ضد الجيش. وقال «أولئك الذين دمروا أبناءنا... الذين دمروا أرواح عشرات الآلاف من الجنود الروس... سيعاقبون. أطلب عدم المقاومة من أحد».
وقال «هناك 25 ألفاً منا وسنكتشف سبب حدوث الفوضى»، متعهداً بتدمير أي نقاط تفتيش أو قوات جوية في طريق فاغنر. ودعا الجيش والشعب الروسي إلى النزول للشوارع والالتحاق بقواته.
وفتح جهاز الأمن الاتحادي الروسي قضية جنائية ضد بريغوجين بتهمة التمرد المسلح، وناشد مقاتلي المجموعة «عدم تنفيذ أوامر بريغوجين الإجرامية والخائنة، واتخاذ إجراءات لاعتقاله».
ودعا نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف إلى الالتفاف حول بوتين، لمواجهة محاولات الأعداء في الداخل والخارج لتمزيق روسيا، مساوياً بين أعداء الداخل والخارج.
كما دعا رئيسا مجلسي النواب والشيوخ إلى دعم بوتين وتوحيد القوات تحت سيطرته، وعدم التسامح التاريخي مع الخيانة والاستفزازات.
ودعا بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل إلى وحدة الصف ودعم جهود بوتين، مؤكداً أن أي محاولة لبث الفتنة تعد «أفظع جريمة ترتكب بلا مسوّغ».
وكان الجنرال سيرغي سوروفيكين الذي تولى قيادة العمليات في أوكرانيا ويعد أرفع مسؤول مقرب من بريغوجين نشر شريطاً مصوراً دعا فيه إلى الالتزام بأوامر بوتين وإلى حل أي خلاف بطريقة سلمية.
وعلى غرار حليفه بوتين، اعتبر رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف تحرك بريغوجين «طعنة في الظهر»، مشدداً على أن قواته تتحرك نحو «مناطق التوتر» ومستعدة لتقديم العون في إحباط تمرد « فاغنر» ولاستخدام أساليب قاسية إن لزم الأمر. ونشرت أشرطة فيديو لـ «كتيبة أحمد» التابعة له وهي تتقدم باتجاه روستوف.
حرب أهلية
في هذه الأثناء، حذرت جماعة القوميين الروس، المعروفة باسم «نادي الوطنيين الغاضبين»، في بيان، من أن روسيا على شفا كارثة، مؤكدة أن اندلاع حرب أهلية سيؤدي إلى إلحاق هزيمة عسكرية مذلة للجيش الروسي.
في المقابل، شجّع «فيلق المتطوعين الروس» المعارض، الذي يقاتل إلى جانب أوكرانيا، تحرك بريغوجين العسكري ضد بوتين والجيش، معتبراً أن «النظام الدموي في الكرملين لن يقهر إلا بالقوة العسكرية».
خارجياً، أجرى بوتين سلسلة اتصالات عبر الهاتف أطلع فيها رؤساء أوزبكستان شوكت ميرضيائيف وبيلاروس ألكسندر لوكاشينكو على تطورات وكازاخستان قاسم جومارت توكاييف.
وفي اتصال مماثل، أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن دعمه الكامل للخطوات التي يتخذها بوتين والقيادة الروسية في تصديها للعصيان المسلح لقائد «فاغنر» في أول رد فعل مؤيد على المستوى الدولي لبوتين.
وتمسك مجلس الأمن في بيلاروس بالتحالف مع القيادة الروسية، محذراً من أن الخلافات الداخلية تعد «هدية للمجموعة الغربية»، في حين نقل عن توكاييف قوله لبوتين، إن ما يجري في روسيا شأن داخلي.
بدورها، وصفت وزارة الخارجية الإيرانية ما يحدث في روسيا بأنه شأن داخلي، وطهران تؤيد سيادة القانون بالاتحاد الروسي.
وعبرت وزارة الخارجية القطرية عن قلقها حيال الوضع في روسيا، ودعت جميع الأطراف إلى «أقصى درجات ضبط النفس»، محذرة من «تبعات سلبية على الأمن والسلم الدوليين وعلى إمدادات الغذاء والطاقة».
في المقابل، اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن التمرد المسلح لمجموعة فاغنر دليل على ضعف روسيا وعدم الاستقرار السياسي فيها.
وكتب زيلينسكي، في منشور،«كلما أبقت روسيا قواتها ومرتزقتها على أرضنا، واجهت المزيد من الفوضى والألم والمشكلات لاحقاً، ومن الواضح أن أوكرانيا قادرة على حماية أوروبا من انتشار الشر والفوضى الروسيين».
ورأت نائبة وزير الدفاع الأوكرانية غانا ماليار، أن روسيا باشرت باجتياحها أوكرانيا عملية تفضي إلى دمارها الذاتي، معتبرة أن «تمرد فاغنر يشكل فرصة لأوكرانيا لمواصلة عملها حتى تحقيق «النصر».
وفي لندن، أعلن رئيس الوزراء ريشي سوناك أنه سيتحدث مع الحلفاء، وناشد جميع أطراف الصراع في روسيا تجنب إلحاق الأذى بالمدنيين.
وفي واشنطن، أعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي آدم هودج أن البيت الأبيض يراقب الوضع، مشيراً إلى أن الرئيس جو بايدن أطلع على ما يجري هناك وسيناقش التطورات مع الحلفاء والشركاء.
ولاحقاً، كتب وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن انه أجرى محادثات مع نظرائه من دول مجموعة السبع ومسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي حول الوضع الراهن في روسيا.
من السرقات لبيع النقانق... طموح ابن لينينغراد يقوده إلى تحدي «القيصر»
تحوّل رئيس مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين، في الساعات الأخيرة، من أحد رجالات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى أكبر مصدر تهديد له ولحكمه في قصة تشبه الملاحم الاغريقية.
الرجل الذي يقف وراء النفوذ الروسي في إفريقيا، والذي اشتهر بلقب «طباخ بوتين»، تحوّل في الساعات الأخيرة إلى «خائن»، مع تفجر الخلافات بين المجموعة التي يقودها، والقيادة العسكرية الروسية، واتهامه بقيادة «تمرّد مسلّح».
فمَن هذا الرجل؟ وكيف تحوّل مع مجموعته إلى أكبر مصدر تهديد لبوتين؟... وُلد بريغوجين عام 1961، في مدينة سان بطرسبورغ (لينينغراد) التي يتحدر منها بوتين أيضاً، ونشأ على يد أم عزباء، كانت تعاني ضائقة مالية. كان بريغوجين، وفق موقع «ذا ماسنجر» الأميركي، معروفاً باقتحام الشقق، وبيع البضائع المسروقة في السوق السوداء، وقضى تقريباً كلّ السنوات بعد عام 1980 في معسكر اعتقال بتهم السرقة، والاحتيال، والدعارة.
وعندما خرج من السجن عام 1990، وجد بريغوجين نفسه في روسيا مختلفة جداً: مكان فيه نوع جديد من الرأسمالية. فدخل عالم الأعمال من بوابة كشك لبيع النقانق، تحوّل لاحقاً إلى سلسلة من أكشاك النقانق، فإمبراطورية تجارية صغيرة من محلات السوبرماركت والمطاعم. وأصبح أحد مطاعمه الفخمة الذي يحمل اسم «نيو آيلاند» على الواجهة البحرية في سانت بطرسبرغ، مفضلاً لدى بوتين، للترفيه عن الشخصيات البارزة التي كانت تزور روسيا، بما في ذلك الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. وكان بوتين شديد الإعجاب بصاحب المطعم، الشاب الطموح. فازت شركة التموين الخاصة به بعقود حكومية مربحة لإطعام أطفال المدارس الروسية والسجناء والجنود، وكان العقد العسكري الواحد وحده يزيد على مليار دولار. تولّى رجل الأعمال الروسي عقود تقديم الطعام للكرملين والجيش، ليُعرف بعدها باسم «طباخ بوتين». قبل الحرب على أوكرانيا، اشتهر بريغوجين في الولايات المتحدة بتمويله «وكالة أبحاث الإنترنت» سيئة السمعة، التي اتهمتها واشنطن بنشر معلومات مضللة عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، نيابة عن الكرملين، قبل الانتخابات الرئاسية في عام 2016. وقد اتُّهم بريغوجين في تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر عام 2019، وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليه، على خلفية علاقته بالعملية.
على الرغم من نفيه لسنوات تورطه مع مجموعة «فاغنر»، جيش الظل الخاص في الكرملين، بات بريغوجين يفخر اليوم بقيادته المجموعة.
لا تزال أصول هذه المجموعة العسكرية الروسية الخاصة غير متفق عليها، ففي إحدى الفترات، كان الحديث يدور حول أنّ «فاغنر» تأسست في عام 2014، من ضابط سابق في القوات الروسية الخاصة يُدعى دميتري أوتكين، لكن بريغوجين روى في العام الماضي قصة مختلفة، وقال إنه قرّر إنشاء المجموعة بعد خروج تظاهرات الانفصاليين في شرق أوكرانيا في عام 2014، وأنه شخصياً قام بـ «تنظيف الأسلحة القديمة، واكتشاف السترات الواقية من الرصاص، والعثور على متخصصين بإمكانهم مساعدته في هذا الأمر».
رواية بريغوجين هذه كان قد خالفها تقرير نشره موقع التحقيق الروسي «ذا بيل» عام 2019، مشيراً إلى أنه لم يكن لدى بريغوجين خيار في هذه المسألة، فقد توصل مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الروسية إلى فكرة «فاغنر»، واختاروا متعهد الطعام الذي كان متردداً في البداية، لتمويلها.
وعلى الرغم من الخلاف حول نشأتها، تمكنت المجموعة الروسية من ترك بصماتها في أماكن عدة، مع تنفيذها مهمات بالنيابة عن الكرملين. وكان لمقاتليها دور في ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وحاربوا بالنيابة عن الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس في أوكرانيا، كما قاتلوا في سورية إلى جانب نظام بشار الأسد، وتكبدوا خسائر كبيرة، وتوسّع نشاطهم ليشمل ليبيا والسودان ودولا عربية وإفريقية أخرى.
وفق «ذا ماسنجر»، يُعتقد أن «فاغنر» عملت في 30 دولة تقريباً، أغلبيتها في إفريقيا، وأنها قدّمت خدمات أمنية لبعض حكوماتها مثل السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، مقابل حصول شركات مرتبطة ببريغوجين على امتيازات تعدين الذهب والماس.
من جهتها، تقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إنه بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ألقى بريغوجين بمقاتليه في المعركة، الذين ازدادت أعدادهم بشكل كبير، مع تجنيد السجناء. وأصبح اسمه متداولاً بشكل أكبر في الأشهر الأخيرة، مع لجوئه إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اشتُهر بالكلام القاسي والوحشية، فضلاً عن انتقاداته للقيادة العسكرية الروسية، واتهامه إياها بالفشل في تزويد مقاتليه بالذخيرة الكافية، وتجاهل معاناة الجنود.
من جهتهم، يعتقد أشخاص على معرفة ببريغوجين، تحدثوا إلى صحيفة «ذا غارديان»، شرط عدم الكشف عن هوياتهم، أنه لا المال ولا القوة كانا العامل المحفز الوحيد لسلوك بريغوجين، لافتين إلى أنه مدفوع بالإثارة، والاعتقاد بأنه يحارب النخب الفاسدة، والرغبة في سحق منافسيه. ويقول رجل أعمال كان على معرفة ببريغوجين في فترة التسعينيات، إنه مندفع وموهوب، و«لا يتراجع أمام أي شيء للحصول على ما يريد».