الانهيارات الكبرى... الاستعداد للأزمة القادمة
أظهرت دراسة استقصائية قامت بتسليط الضوء على السنوات المئة الماضية أن الأزمات المالية حقيقة من حقائق الحياة وأن هناك دروساً يجب تعلمها من مثل هذه الأزمات.
في الأسابيع الماضية مر أولئك الذين يتابعون الأخبار الاقتصادية بأوقاتٍ عصيبة. كانت المصائب تتوالى الواحدة تلو الأخرى، بعد انهيار البنوك الأميركية الإقليمية التي لديها مليارات الدولارات. وكذلك سحب عشرات المليارات من بنك كريدي سويس الأوروبي القوي قبيل عملية الاستحواذ. وهكذا انتشرت الأقاويل والتكهنات حول من سيأتي عليه الدور.
كل هذه الأزمات تجعل موعد طرح كتاب «ليندا يويه» الجديد هو الوقت المناسب بشكل يدعو للاستغراب، كما لو كانت الكاتبة هي الرأس المدبر لإحدى المخططات لتدمير الاقتصاد العالمي.
وتستهل «يويه» كتابها بالأخبار السيئة، وهي أن الانهيارات الاقتصادية حقيقة من حقائق الحياة، وسيكون هناك دائمًا حقيقة أخرى قادمة. ليس ذلك فحسب، فهي تستطلع الفترة من عام 1929 إلى عام 2020، وتؤكد أنه مهما كان هناك الكثير من القواسم المشتركة، فإن الانهيار التالي سيكون نتيجة لمزيج جديد من العوامل. وبالتالي لا توجد صيغة تسمح لنا بالتنبؤ بشكل موثوق لتجنّب الكارثة.
ولكن على الرغم من كل شيء هناك أمل. وتوضح الكاتبة أن المسار الذي يتخذه الانهيار، على الأقل، يتبع مساراً يمكن التنبؤ به، ويتكشف في ثلاث مراحل.
المسار الأول، كما توضح الكاتبة، هو «النشوة»: تحدث طفرة ما تقنع عدداً كبيراً من الأطراف الاقتصادية الفاعلة بأن النمو يمكن أن يستمر إلى الأبد، وأن القواعد القديمة لا تنطبق. وأن هذه المرة، سيكون الأمر مختلفاً تماماً.
الحقيقة المزعجة: انه لا يختلف أبدًا. ويصل الانهيار حتماً، فقط ليتم معالجته في المرحلة الثانية، التي تسميها الكاتبة «المصداقية». وتحدث عندما تتمكن جهة ما، سواء كانت بنكًا مركزيًا أو حكومة أو منظمة دولية، من إظهار أن لديها ردًا موثوقًا به، وبالتالي تخف حدة الاضطرابات.
وقد يتخذ هذا الرد شكل ضمان الودائع المصرفية، أو إدخال قواعد لإنقاذ المؤسسات المالية، أو تخفيض قيمة العملة، أو عدد من التدخلات الأخرى. إن الوقت الذي يستغرقه جمع استجابة ذات مصداقية – وطبيعة هذه الاستجابة – هو ما تقول الكاتبة إنه يشكل المرحلة الثالثة.
هل سيكون التعافي بطيئًا؟ هل سيكون هناك ركود اقتصادي؟ هل سيفقد الملايين من الناس وظائفهم أو منازلهم؟ ومهما كان الانهيار سيئا، فإن أيا من هذه النتائج لا مفر منه – إن استجابة السلطات مهمة حقا.
وفي الواقع، فإن الاقتصاد هو موضوع رائع غالبًا ما يتم إفساده بالتفسيرات والرياضيات المملة. إلا أن كتاب «يويه» كتاب ممتع ويخلو من أي ملل، وهي تستعرض بوضوح حوالي قرن من الحوادث في جميع أنحاء العالم.
والكتاب قصير أيضاً، حيث يأتي في حوالي 250 صفحة، لكن هذا الإيجاز ربما له تكلفة. على الرغم من أنه يستهدف بوضوح الجمهور العام، إلا أن هناك الكثير من المصطلحات المالية والاقتصادية الصعبة.
وتستهل «يويه» كتابها باقتباس من الاقتصادي الشهير كين غالبريث، معربًا عن أسفه لوجود «مجالات قليلة في المسعى البشري لا يهمها التاريخ كثيرًا كما هو الحال في عالم التمويل». وفي الواقع، يستحضر كتابها إلى الأذهان اقتباس للروائي الروسي ليو تولستوي مفاده أن «كل العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها الخاصة في التعاسة».
وتوضح «يويه» ببراعة أنه في حين أن كل اقتصاد غير سعيد بطريقته الخاصة، يمكننا - بل ويجدر بنا- أن نتعلم من الأزمات السابقة. قد لا نكون قادرين على وقف الوفرة غير العقلانية للأسواق – سواء كان القطاع المصرفي في الولايات المتحدة أو سوق العقارات الذي ينذر بالخطر في الصين – ولكن يمكن لصانعي السياسات معرفة الخطوات التي ينبغي اتخاذها استجابةً لذلك.
ومن الأفضل أن يقرأ صانعو السياسات هذا الكتاب قبل أن يواجهوا الفوضى القادمة.