أكثر من مليوني حاج يبدأون المناسك غداً
• السعودية لن تسمح بأي محاولة لـ «تسييس» الحج وتعتبر أمن ضيوف الرحمن خطاً أحمر
تستعد السعودية لأداء أكثر من مليوني مسلم، فريضة الحج التي تبدأ غداً الاثنين، في تجمع «كبير» مماثل لما قبل تفشي فيروس كورونا الذي حدّ من أعداد الحجاج ثلاثة أعوام.
وسمحت السعودية للمسلمين بأداء فريضة الحج هذا العام من دون أي قيود على عدد الحجاج وأعمارهم، بعد ثلاث سنوات شهدت تقليص عدد الحجاج وعدم السماح لمن هم فوق سن الخامسة والستين بالحج على خلفية الجائحة.
ويتوقع أنّ يتجاوز عدد الحجاج هذا العام المليونين، في حين شارك في المناسك العام الماضي 926 ألف حاج، بينهم 781 ألفاً أتوا من الخارج، وفق البيانات الرسمية.
وأكد وزير الحج والعمرة السعودي توفيق الربيعة، أنّ بلاده تستعد لاستضافة «أكبر تجمع إسلامي عرفه التاريخ».
وقال في فيديو نشره حساب الوزارة على «تويتر»، إنّ «السعودية حكومة وشعباً ترحب (بالحجاج) في أكبر تجمع إسلامي عرفه التاريخ بأكثر من مليوني حاج قادمين من أكثر من 160 دولة».
وفي عام 2019، شارك نحو 2.5 مليون مسلم من جميع أنحاء العالم في مناسك الحج السنوية.
لكن تفشي فيروس كورونا أجبر السلطات السعودية على تقليص أعداد الحجاج بشكل كبير، فشارك 60 ألف مواطن ومقيم في المملكة تم تطعيمهم بالكامل في عام 2021، في مقابل بضعة آلاف في عام 2020.
وبدأ الحجاج منذ أكثر من أسبوعين بالتوافد إلى منافذ الحدود السعودية جواً وبحراً وبراً. والخميس، كانت شوارع مدينة مكة المكرمة تعج بمئات آلاف الحجاج بملابس الإحرام البيضاء، في حين تواصل الحافلات التي علقت أعلام دول مختلفة، نقل الحجاج إليها.
وقالت المغربية سعاد بن عويس (60 عاماً) بُعيد وصولها برفقة زوجها إلى مطار جدّة، إنها تعيش «شعوراً عجيباً مليئاً بالأحاسيس». وتابعت بتأثر «إنها أول مرة أقوم بالحج. أتمنى أن يسهل ربنا طريقنا». ويمثل تنظيم الحج الذي يعد أحد أكبر التجمعات الدينية في العالم، في العادة تحدّيا لوجستياً كبيراً، إذ تغصّ خلاله المرافق السعودية والمواقع الدينية بالحجاج.
وقال مسؤول في الهيئة الملكية لمكة المكرمة فضّل عدم كشف هويته، لأنه غير مخول بالتحدث للإعلام، إنّ السلطات السعودية استحدثت مناطق خدمية جديدة بين مطاعم وحمامات عامة، و450 حافلة نقل عامة جديدة لخدمة الحجاج.
وأعلنت وزارة الحج والعمرة في فيديو نشرته على «تويتر»، أن استعداداتها تشمل 17 قطاراً مخصصاً لنقل الحجاج من وإلى المواقع المقدسة تصل قدرتها الإجمالية إلى 72 ألف راكب في الساعة، إضافة إلى 24 ألف حافلة.
وأطلقت السعودية في 2019 مبادرة «طريق مكة» الرامية لإنجاز كل إجراءات الحجاج في بلدانهم، من أجل تخفيف الضغط على مرافقها وتسهيل عبور الحجاج.
وأفاد مدير الجوازات السعودية الفريق سليمان اليحيي لوكالة فرانس برس، بأنّ المبادرة هذا العام تشمل 7 دول هي إندونيسيا وباكستان وبنغلادش وماليزيا والمغرب وتركيا وساحل العاج.
وقال اليحيي إن الهدف هو «إنهاء جميع إجراءات الحجاج المتعلقة بالأمتعة والصحة والتأشيرات في بلد المغادرة»، مضيفاً «حين يصعد الحاج إلى الطائرة يصبح كأنه في رحلة داخلية إذ ينزل من طائرته لسكنه».
وشاهد مراسل وكالة فرانس برس حجاجاً يخرجون مباشرة من طائراتهم إلى حافلات تقلهم إلى فنادقهم، حيث سيتسلمون حقائب السفر.
وقال طاهر الآتي من بنغلادش لأداء الحج للمرة الثانية، إنّ «كل شيء تم بسلاسة» مقارنة بعام 2017.
وعادة ما يشكّل الحج مصدر دخل رئيسياً للمملكة. وتقدّر إيرادات المناسك والعمرة على مدار العام بحوالي 12 مليار دولار سنوياً، وفق أرقام رسمية تعود إلى ما قبل «كوفيد».
وتشهد السعودية منذ وصول الأمير محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد في 2017 انفتاحاً اجتماعياً واقتصادياً غير مسبوق بموجب «رؤية 2030» الرامية لتنويع اقتصادها المرتهن للنفط. وهي تهدف لاستضافة 30 مليون حاج ومعتمر بحلول عام 2030.
ورأى الخبير في السياسة السعودية في جامعة برمنغهام عمر كريم، أنّ تنظيم الحج سنوياً يمنح المملكة «مصدر قوة ناعمة في العالم الإسلامي».
لكنّه أشار إلى أنه يطرح تحديات تتعلق بـ «إدارة الحشود ومراقبة النظام الصحي للحجاج وترتيب الإقامة المناسبة» للأعداد الهائلة.
إلا أنه قال إنّ «توافر الميزانية والتكنولوجيا وتنفيذ بروتوكولات محددة، وكذلك ممارسة هذه الطقوس كل عام ساعد السلطات السعودية على تقديم تنظيم ناجح».
على مر العقود، وقعت الكثير من الحوادث راح ضحيتها المئات بسبب عمليات التدافع في الأماكن الضيقة. لكنّ لم تسجل أي حوادث كبيرة منذ عام 2015.
وأقامت السلطات الكثير من المرافق الصحية والعيادات المتنقلة، وجهّزت سيارات إسعاف ونشرت 32 ألف مسعف لتلبية احتياجات الحجاج.
وبدأ الكثير من الحجاج بالفعل في أداء طواف القدوم حول الكعبة ثم السعي بين جبلي الصفا والمروة، قبل انطلاق المناسك بشكل رسمي اليوم.
وينتقل الحجاج غداً الاثنين إلى منى، على بعد حوالي خمسة كيلومترات من المسجد الحرام، قبل المناسك الرئيسية وهي صعود جبل عرفات الثلاثاء.
وتشكّل درجات الحرارة المرتفعة في واحدة من أكثر مناطق العالم حراً وجفافاً، تحدياً إضافياً أمام السلطات والحجاج على حد سواء.
وأكدت رئاسة أمن الدولة في السعودية، أنها لن تسمح بـ «تسييس» الحج، مشددة على أن أمن الحجاج «خط أحمر» لن يُسمح بتجاوزه، وفق ما جاء في مؤتمر صحافي، أمس الأول.
وقال قائد قوات الطوارئ الخاصة برئاسة أمن الدولة اللواء ركن محمد العمري: «بخصوص السؤال فيما لو حصل تسييس أثناء فترة الحج: نتعامل مع الحجاج كضيوف رحمن على مستوى واحد. لا فرق بين مواطن ومقيم ووافدين من الخارج، هؤلاء هم ضيوف الرحمن ونحن نحملهم على كفوف الراحة».
وأردف بالقول: «ولكن متى ما تيقن أو توفرت معلومات عمن يريد الإخلال بالحج، ثق تماماً بأن القطاعات في رئاسة أمن الدولة له بالمرصاد»، وتابع: «أمن الحج خط أحمر لن نرضى الوصول إليه بل قبل الوصول إليه»، في إشارة إلى منع أي شخص من «تسييس» مناسك الحج.