لم ينفع انتظار لبنان لجولة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، إذ لم تخرج زيارة الرجل بأي خلاصات، ولم تنطوِ على تقديم مبادرة جديدة. فقد اكتفى مبعوث الرئيس إيمانويل ماكرون باستجماع استطلاعاته وغادر على أن يعود الشهر المقبل، فيما لا يبدو أن التعويل على الحراك الفرنسي سيستمر.

الثابت أن أزمة الرئاسة خرجت من يد اللبنانيين والفرنسيين معاً، ولا بد لباريس من تعزيز موقفها بتوفير حواضن إقليمية ودولية لتمتلك أدوات تنفيذية تجعلها قادرة على تحقيق تقدم، وهو ما اتضح أنه يحتاج إلى وقت طويل، نظراً إلى تقدم أولويات أخرى دولية وإقليمية على الملف اللبناني، على الرغم من محاولات فرنسا التواصل مع السعودية وإيران لتحقيق توافق معين.

في سياق تقدم التطورات الدولية والإقليمية، فلا بد للبنان أن يكون متأثراً بها إلى درجة أكبر، من هنا ولاتضاح الصورة الرئاسية لا بد من النظر إلى جملة تطورات، أولها مراقبة سياق الانفجار الذي تشهده روسيا على وقع الصراع بين الجيش الروسي وقوات فاغنر. هذا سيرخي بظلاله على الساحة العالمية ومن ضمنها سورية ولبنان، نظراً للوجود الروسي في سورية. وهذا لا ينفصل عن التوترات التي تشهدها مناطق الشرق السوري بين القوات المحسوبة على الأميركيين والقوات الموالية لروسيا.
Ad


لا بد للبنان أن يتأثر بهذه التطورات، خصوصاً في ضوء إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أن الأميركيين يفضلون خيار قائد الجيش جوزف عون لرئاسة الجمهورية. كلام بري له أهداف تكتيكية من شأنها استدراج رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل للعودة إلى الاتفاق مع الثنائي الشيعي بهدف قطع الطريق على عون. لكن بالصورة الأبعد فإن إعلان بري لا بد من ربطه بما تريده واشنطن، التي ترفض التطبيع مع دمشق وتستمر في مواجهة روسيا في سورية، فيما يعتبر مرشح الثنائي سليمان فرنجية حليفاً لدمشق ومن خلفها موسكو، وهذا ما يدفع واشنطن إلى معارضة وصوله في سياق المواجهات المفتوحة عالمياً.

يضاف إلى ذلك التسريبات التي جرى ضخها في اليومين الماضيين عن علاقة تكاملية بين الجيش اللبناني وحزب الله وتعاون بين حزب الله وضباط لبنانيين عبر غرفة عمليات جوية وبحرية، في محاولة للنيل من الجيش أو في سياق ضغوط تمارس من بعض أطراف الكونغرس الأميركي على إدارة الرئيس جو بايدن لتخفيف المساعدات المقدمة للجيش اللبناني تمهيداً لوقفها فيما بعد طالما أن العلاقة بينه وبين الحزب وثيقة.

يصب كل ذلك في إطار الضغط على قيادة الجيش، وهو أمر تقول مصادر دبلوماسية، إنه قد يكون مرتبطاً بمطالب أميركية من الجيش لتأمين أسلحة هي عبارة عن قدائف مدفعية عيار ١٥٥ ملم وأمور أخرى لأوكرانيا غير أن الجيش رفض المطالب والتزم بموقف البلاد الحيادي من الحرب.

في السياق أيضاً لا يمكن إغفال تطورات الأوضع في جنوب لبنان، واستمرار حزب الله بتعزيز وجوده داخل الخط الأزرق في منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها بين لبنان وسورية وإسرائيل، في ظل ضغوط إسرائيلية وأميركية حول ضرورة إزالة الخيمتين نصبهما الحزب خارج الخط الأزرق وهو ما يرفضه الحزب مهدداً بالتصعيد في حال أقدم الإسرائيليون على إزالتهما بالقوة. هذا التصعيد له مسارات سياسية أيضاً وثمة من يشبهه بمرحلة ما قبل الوصول إلى ترسيم الحدود البحرية، والتي يرى البعض أنها جاءت بناء على مفاوضات مباشرة وغير مباشرة بين واشنطن وطهران.

ومن هنا لا بد من انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات الإيرانية - الأميركية الحالية حول الملف النووي والتي تتضمن إطلاق سراح رهائن وإفراج عن أرصدة مجمدة، هذا يمكن أن يكون دافعاً لتكريس التهدئة في لبنان وإنجاز تسوية ربما تقود إلى ترسيم حدود سياسية ورئاسية تفضي إلى الاتفاق على رئيس قد يكون هو قائد الجيش.