بموجب اتفاق وضع حداً لتمرد لم يستمر سوى أقل من 24 ساعة لكنه شكّل تحدياً لم يسبق له مثيل لقبضة الرئيس فلاديمير بوتين على السلطة، استكملت مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة الشديدة التسلح، أمس، انسحابها من ثلاث مناطق في جنوب روسيا، هي روستوف وفورونيج وليبيتسك.

وبموجب الاتفاق، الذي توسط فيه رئيس روسيا البيضاء ألكسندر لوكاشينكو، عاد مقاتلو «فاغنر» إلى قواعدهم مقابل ضمانات لسلامتهم، في حين انتقل زعيمهم يفغيني بريغوجين إلى مينسك، كما ضمت السلطات الروسية عدداً كبيراً من مقاتلي المجموعة إلى صفوفها.

Ad

ولم يتضح مصير عقود شركة «فاغنر» في إفريقيا، وكذلك إذا كان بريغوجين قد حصل على أي تنازلات، مثل إقالة وزير الدفاع سيرغي شويغو أو رئيس الأركان فاليري غيراسميوف.

غير أن التمرد، الذي تم إجهاضه، أثار تساؤلات كبرى حول مدى إحكام بوتين لقبضته على بلد يحكمه بيد من حديد منذ أكثر من عقدين.

وقال معهد «دراسات الحرب» ومقره واشنطن، إن انتفاضة بريغوجين يمكن أن تضعف الروح المعنوية للجنود الروس في الجبهة، كما أنها أظهرت ضعفاً خطيراً في الكرملين ووزارة الدفاع الروسية، في حين ألقى تقدم مرتزقة «فاغنر» السريع إلى ضواحي موسكو، الضوء على الحاجة إلى احتياطيات عسكرية روسية، في المناطق النائية.

ووفقاً للمعهد فإن الاتفاق، الذي تم بواسطة لوكاشينو، «حل قصير الأجل فقط».

وقال الكاتب ديفيد إغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست»، إن بوتين ربما يكون قد أنقذ نظامه، لكن هذا اليوم سيُذكر كجزء من تفكك روسيا بصفتها قوة عظمى، وسيكون الإرث الحقيقي له.

ورأى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن ما جرى كشف وجود «تصدّعات حقيقية» في سلطة بوتين، متوقعاً أن تستمر الاضطرابات الناتجة عن تحرك «فاغنر» أشهراً.

واعتبر وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، أن التمرد حطم «أسطورة وحدة روسيا، وأحدث انقساماً عسكرياً».

في المقابل، وفي حين ساد الهدوء موسكو وبدأت السلطات رفع بعض القيود على التنقل، قال القائم بأعمال رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية، دينيس بوشيلين، إن ما جرى «كان دفعة أخرى للمزيد من الدعم للرئيس بوتين من جانب كل من الأحزاب الموالية للحكومة والمعارضة»، مشيراً إلى أن مثل هذه الأشياء يمكن أن تحدث في روسيا فقط، حيث «توحدنا أكبر الصعوبات وأشد التهديدات خطورة».

وبدأت السلطات الروسية في ترديد هذا الخطاب منذ أمس الأول، عندما ظهرت عبارة ضخمة على شاشة استاد روستوف بعد إعلان الاتفاق مع «فاغنر» تقول: «كلنا شعب واحد، نقاتل عدواً خارجياً واحداً، ونؤمن بوحدة الشعب الروسي وبرئيسنا».

وفي كلمته، أمس، تجاهل بوتين تماماً عصيان بريغوجين والتسوية التي تمت معه، وشدد على أنه يعطي الأولوية للحرب في أوكرانيا.

وحذر مراقبون من أن يشكل تمرد «فاغنر» حافزاً لموسكو على تصعيد عملياتها في أوكرانيا، واللجوء إلى كل الوسائل، باعتبار أن الحرب باتت خطراً على النظام نفسه.

وبينما لم يظهر سوى عدد قليل من الدول مواقف تدعم الحكومة الروسية أمس الأول، التقى مسؤولون روس أمس مع حلفاء، بما في ذلك الصين وكوريا الشمالية. وأفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، أن كوريا الشمالية تدعم أي قرار، تتخذه القيادة الروسية.

كما التقى وزير الخارجية الصيني، تشين غانغ مع نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، في بكين.

وقالت الخارجية الروسية، إن الصين أعربت عن «دعمها» لجهود بوتين من أجل «استقرار الوضع» بعد تمرد «فاغنر».

إلى ذلك، ذكرت وسائل إعلام أميركية، أن أجهزة الاستخبارات الأميركية رصدت مؤشرات قبل أيام على أن رئيس «فاغنر» كان يحضّر للتحرّك، وقدمت إحاطات في البيت الأبيض والبنتاغون وكابيتول هيل بشأن احتمال وقوع اضطرابات في روسيا قبل يوم على بدئها.

وأشارت «واشنطن بوست» إلى أن بوتين أُبلغ أن بريغوجين، الذي كان حليفاً مقرّباً له، يخطط للتمرّد قبل يوم على الأقل من تنفيذه.

وأثارت المعلومات بأن بريغوجين ينوي التحرّك عسكرياً قلق مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الأميركية حيال إمكانية اندلاع فوضى في بلد يملك ترسانة نووية قوية، وفق «نيويورك تايمز».

ونقلت صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية، أن مسؤولين في «الناتو» اتصلوا بوزير الدفاع الروسي بسبب مخاوف من وقوع «حادث نووي» خلال تمرد «فاغنر». وأبدى العديد من المراقبين تخوفهم من أن تقوم «فاغنر» بسرقة أسلحة نووية كانت في روستوف.

وفي تفاصيل الخبر:

بالطريقة المفاجئة وغير المألوفة نفسها التي بدأ بها تمرد يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة على موسكو، انتهى هذا العصيان الذي شكل أكبر تحد لسلطة الرئيس فلاديمير بوتين بعد أقل من 24 ساعة باتفاق توسط فيه رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو.

واستكمل مقاتلو مجموعة فاغنر أمس الانسحاب من منطقتي فورونيج وليبيتسك، بعد أن انسحبوا أمس الأول من مدينة روستوف، حيث كانوا يسيطرون على مقر القيادة الجنوبية في الجيش الروسي المسؤولة عن العمليات في أوكرانيا، فيما من المفترض أن يكون بريغوجين نفسه قد غادر إلى مينسك فيما يشبه النفي الطوعي.

كما انسحبت ميليشيا «كتيبة أحمد» الشيشانية من روستوف بعد إرسالها إلى المنطقة لصد التمرد.

وأحصى مدونون موالون للجيش أمس مقتل 13 جندياً في تمرد «فاغنر»، بينهم عدد من الطيارين. وأكد معلقون مستقلون أن العدد يتجاوز 20، مشيرين إلى إسقاط قوات بريغوجين 6 مروحيات، ثلاث منها من طراز ام أي 8 - اس، التي يعاني الجيش من نقصها بالفعل وطائرة استطلاع.

وكشف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أبرز نقاط الاتفاق الذي توسطت فيه مينسك، موضحاً أن مقاتلي فاغنر ممّن رفضوا منذ البداية الانخراط في «حملة» بريغوجين، ستتاح أمامهم إمكانية الانضمام لصفوف القوات المسلحة الروسية والتعاقد مع وزارة الدفاع، ولن يخضعوا لأي ملاحقة قانونية، مع عودة قوات شركة فاغنر إلى معسكراتها، وإغلاق القضية الجنائية بحق بريغوجين، ومغادرته إلى بيلاروسيا.

ورفض بيسكوف الرد على سؤال إذا ما كان الاتفاق ينص على إقالة وزير الدفاع سيرغي شويغو وقائد الأركان

رئيس هيئة الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف. ولم يظهر شويغو الذي نال القسط الأكبر من إهانات بريغوجين علنا منذ احداث أمس الأول. كما لم يتضح مصير فاغنر في إفريقيا، حيث لديها مجالات واسعة من العمل الاقتصادي والعسكري المدعوم من الكرملين.

وفي حين أبقت موسكو على تفعيل «نظام مكافحة الإرهاب»، الذي يعزز صلاحيات الأجهزة الأمنية، ويسمح لها بالحد من الحركة، كما يمكن بموجبه القيام بعمليات تفتيش مركبات في الشوارع والتحقق من الهوية، ويسمح أيضاً بتعليق مؤقت لخدمات الاتصالات إذا لزم الأمر، رفعت مناطق عدة في جنوب روسيا القيود على الحركة، وهدأ الوضع في روستوف واستؤنفت حركة المرور، بما في ذلك الطرق السريعة، ومحطات الحافلات والسكك الحديدية.

وقال القائم بأعمال رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية، دينيس بوشيلين، إن ما جرى «كان دفعة أخرى للمزيد من الدعم للرئيس بوتين من جانب كل من الأحزاب الموالية للحكومة والمعارضة»، مشيرا إلى أن مثل هذه الأشياء يمكن أن تحدث في روسيا فقط حيث «توحدنا أكبر الصعوبات وأشد التهديدات خطورة».

وبدأت السلطات الروسية ترديد هذا الخطاب منذ أمس الأول عندما ظهرت عبارة ضخمة على شاشة استاد روستوف بعد إعلان الاتفاق مع فاغنر تقول «كلنا شعب واحد، نقاتل عدوا خارجيا واحدا، ونؤمن بوحدة الشعب الروسي وبرئيسنا».

وأفادت تقارير عن اعتقالات في صفوف شخصيات تعتبر مؤيدة لأيديولوجية بريغوجين، بينها أستاذ العلوم السياسية ميخائيل سيرينكو الذي شغل عدة مناصب في الإدارة والبرلمان المحلي لمدينة فولغوغراد.

إلى ذلك، عاد إلى التداول في الساعات الأخيرة خبر نشر قبل 5 أيام في صحيفة «لوس انجلس تايمز» عن وجود خطأ في عقود المساعدات لأوكرانيا قدر بـ 6.2 مليارات دولار. وربط مغردون بين هذا المبلغ وتحرك فاغنر، مقترحين أن تكون واشنطن نفسها مولت عصيان بريغوجين، وهو ربط لم يلق أي صدى لدى الخبراء.

الاستخبارات الأميركية والنووي

وذكرت وسائل إعلام أميركية أن أجهزة الاستخبارات الأميركية رصدت مؤشرات قبل أيام على أن رئيس فاغنر كان يحضّر للتحرّك ضد مؤسسة الدفاع الروسية، وقدمت إحاطات في البيت الأبيض والبنتاغون وكابيتول هيل بشأن احتمال وقوع اضطرابات في روسيا قبل يوم على بدئها.

وأشارت «واشنطن بوست» إلى أن بوتين أُبلغ بأن بريغوجين الذي كان حليفا مقرّبا له، يخطط للتمرّد قبل يوم على الأقل من تنفيذه.

وأثارت المعلومات بأن بريغوجين بنوي التحرّك عسكريا قلق مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الأميركية حيال إمكانية اندلاع فوضى في بلد يملك ترسانة نووية قوية، وفق «نيويورك تايمز».

ونقلت صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية ان مسؤولين في الناتو اتصلوا بوزير الدفاع الروسي بسبب مخاوف من وقوع «حادث نووي» خلال تمرد فاغنر. وأبدى العديد من المراقبين تخوفهم من أن تقوم فاغنر بسرقة أسلحة نووية كانت في روستوف.

بوتين يتجاهل

وفي تصريحات له أمس، تجاهل بوتين الحديث عن تمرد «طباخه» السابق، وكذلك عن الوساطة التي شكر الكرملين لوكاشينكو على المساهمة فيها، وأكد في المقابل أن العملية العسكرية في أوكرانيا تتصدر أولويات عمله على مدار اليوم، معرباً عن ثقته التامة بأن تحقق جميع أهدافها. وكان بوتين وصف بريغوجين ومقاتليه بأنهم خونة طعنوه في الظهر، كما قال إنه أمر سحق المجموعة، وتعهد بأن تنال عقابها، لكنه عاد وتراجع عن ذلك كله، في خطوة أثارت ردود فعل متضاربة. وأشاد معلقون بينعم غربيون بانتهاء الأزمة من دون حمام دم، لكن في المقابل قالوا إنها أظهرت ضعفاً في سلطة بوتين، وكذلك ثغرات في الدفاعات الروسية، والاستعداد العسكري داخل البلاد.

تصدعات واضطرابات

واعتبر وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أمس، أن تمرّد بريغوجين يكشف وجود «تصدّعات حقيقية» على مستوى سلطة بوتين، وقال لـ «سي بي اس» الأميركية «يثير هذا الأمر تساؤلات كبرى، ويظهر وجود تصدّعات حقيقية»، مضيفا أن الاضطرابات التي نجمت عن التحدي غير المسبوق لسلطة بوتين لم تنته بعد على الأرجح، وقد تستغرق أسابيع أو شهوراً.

وقال معهد «دراسات الحرب» ومقره واشنطن، إن انتفاضة بريغوجين يمكن أن تضعف الروح المعنوية للجنود الروس في الجبهة، كما انها أظهرت ضعفا خطيرا في الكرملين، ووزارة الدفاع الروسية، والاستعدادات الدفاعية في المناطق الداخلية الروسية، وأن الاتفاق، الذي تم بواسطة لوكاشينو، «حل قصير الأجل فقط».

وقال وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، إن التمرد حطم «أسطورة وحدة روسيا وأحدث انقساما عسكريا روسيا».

بكين وكوريا الشمالية

وفيما لم يظهر سوى عدد قليل من الدول مواقف تدعم الحكومة الروسية أمس الأول، التقى مسؤولون روس أمس مع حلفاء، بما في ذلك في الصين وكوريا الشمالية.

وأفادت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية أن كوريا الشمالية تدعم أي قرار تتخذه القيادة الروسية. كما التقى وزير الخارجية الصيني، تشين غانغ مع نائب وزير الخارجية الروسي، اندريه رودينكو، في بكين. ولم تقدم وزارة الخارجية الصينية أي تفاصيل بشأن الزيارة المفاجئة، إلا أن الخارجية الروسية أكّدت أن الصين أعربت عن «دعمها» لجهود بوتين من أجل «استقرار الوضع» بعد تمرد فاغنر.