رياح وأوتاد: إعلام الممثلين بأحكام السبيل السليم
كتب د.محمد المقاطع في مقاله الأخير بعنوان الرُشد البرلماني: «بيت الداء في ذلك كله هو فقدان الرشد والمواءمة العملية في الممارسة البرلمانية، إذ إن ردة الفعل والانفعال، وربما غوغائية الجماهير وحالة التشفي والانتقام هي التي تتحكم في السلوك البرلماني للأعضاء»، كما كتب د.عبداللطيف بن نخي في مقاله الأخير (بداية متعثرة مقلقة) مستعرضاً بعض ما يرى أنها عثرات، داعياً المصلحين في المجلس إلى احتوائها، كما كتب أكثر من كاتب بارز مبينين حرصهم على استمرار المجلس وحسن أدائه.
وأرى أن يسهم كل من لديه خبرة أوعلم بالرأي والنصيحة في هذا الموضوع كي لا يتكرر التعثر ولا يقع الارتباك والصدام في المجلس، كما أرى أن على الحكومة والممثلين الحاليين للشعب أن يرحبوا بالنصيحة والتوجيه إذا كانت خالصة ومن منطلق علمي.
ولما كان اتخاذ القرارات والتشريع، أي وضع القوانين التي تحكم شؤون الحكومة والمواطنين هو أمانة عظيمة ومسؤولية أمام الله تعالى شرحها ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين عن رب العالمين) كان لا بد أن تتوافر في سبيلها شروط شرعية ودستورية وتخصصية تحقق المصلحة العامة، وتتجنب الأخطاء والزلات.
أول هذه الشروط هو التأني والتؤدة في التشريع ودراسة القوانين من جميع أركانها وجوانبها وتأثيراتها حتى لا تقع في مخالفات شرعية أو دستورية أو تؤدي إلى مفاسد أكثر من المصالح.
وقد أحسن المجلس بتأجيل معظم الخريطة التشريعية إلى دور الانعقاد القادم وعدم الاستعجال بها، وهذا الذي طالبت به في مقالي الأخير في هذه الزاوية.
ضرورة العودة إلى أحكام الشريعة الإسلامية أثناء دراسة الاقتراحات المقدمة من الحكومة أو الأعضاء، وقد نصت المادة الثانية وتفسيرها على ذلك فقالت «إن النص الوارد في الدستور وقد قرر أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع إنما يحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة ما وسعه ذلك، ويدعوه إلى هذا النهج دعوة صريحة واضحة». وكل نائب أقسم على احترام الدستور أصبح ملزماً بأحكام الشريعة قدر الجهد ووسع الطاقة.
ضرورة دراسة الاقتراحات من جميع الجوانب مثل مدى تحقيقها للمصلحة المنشودة، وهل تحقق العدالة بين المواطنين وتتجنب الظلم أم لا؟ وهل ستصمد دستورياً أم ستلغيها المحكمة الدستورية؟ وهل تتصف بالديمومة أو أنه لا يمكن استمراراها في المستقبل؟
فهناك أمثلة من قوانين أسقطتها المحكمة الدستورية مثل قانون تعارض المصالح في صيغته السابقة، وقانون ترخيص الاجتماعات العامة في الأماكن الخاصة، في حين حكمت بدستورية وجوب أخذ التراخيص للتجمعات العامة في الميادين والساحات، وكذلك حكمت بدستورية قوانين أخرى مثل قانون الزكاة وقانون منع الاختلاط وقانون مديونيات الغزو، ولا شك أن هذا نتيجة للدراسة الكافية لها قبل إقرارها، ومن المؤسف أن تتم ممارسات نيابية خالفت الدستور في المجالس السابقة مثل تصوير ورقة الانتخاب مع الباركود، وتقديم استجوابات غير دستورية، والمطالبة بالتصويت العلني في انتخاب الرئيس والمكتب، وعزل الرئيس، وغيرها من التصرفات التي أشار إليها د.المقاطع في مقاله.
ضرورة عرض اقتراحات القوانين على المتخصصين الثقات من أبناء الكويت في كل مجال، فبالإضافة إلى المجال الشرعي والدستوري يجب أن تعرض الاقتراحات المالية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية والإسكانية على المتخصصين كلٍ في مجاله، مع ضرورة أن يؤخذ بالرأي الفني، وقد تأخرت الكويت كثيراً في بعض المجالات بسبب طغيان الرأي الشعبوي غير المدروس على الرأي الفني مثل مجال المالية العامة والإسكان والتعليم والكوادر التي أفادت أناساً دون آخرين.
ضرورة دراسة الكلفة المالية والاقتصادية لاقتراحات النواب وإمكانية ديمومتها، لأن كثيراً من اقتراحات النواب ذات كلفة كبيرة لا يمكن استمرارها في ظل اقتصاد أحادي الدخل، بالإضافة إلى ضرورة دراسة كيفية إيجاد مصادر تمويل إضافية لتغطية هذه الاقتراحات بشرط أن تكون مجدية وقابلة للاستمرار، ولا تؤدي الى طغيان الجيل الحاضر على حقوق أجيال الأبناء والأحفاد، ولنا في قصة نبي الله يوسف عبرة ودروس.
ضرورة التعرف على الآراء المعارضة لأي اقتراح ومناقشتها على ضوء الأسس السابقة، وقد نصت لائحة المجلس على وضع رأي الأكثرية والأقلية في كل تقارير اللجان، كما قال الشاعر:
ضِدَّان لمَّا اسْتَجْمَعا حَسُنا
والضّدُّ يُظْهِر حسنَه الضّدُّ
ولا يجوز إقصاء أي رأي بحجة الخلاف مع أصحابه، قال تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى».
ضرورة استدراج رأي الحكومة في كل اقتراح ومعرفة مبرراتها وعرضه على المتخصصين، وعلى الحكومة أن تضع مبرراتها على أسس علمية مع إرفاقها بالأرقام والبيانات التي تؤكد موقفها، وعلى الأعضاء أن يكونوا حكما عادلاً ومتجرداً، وترفض أي اقتراح ثبت علمياً أنه غير مفيد للبلد والمواطنين مهما كثرت فيه المطالب، وروجت له وسائل التواصل.
وأخيرا أسأل الله تعالى أن يوفق الإخوة ممثلي الشعب والحكومة إلى الأخذ بهذا السبيل وما فيه من أسس معروفة لا تخفى عن كل لبيب، ولكن التذكير بها واجب، وذلك من أجل قوانين تحقق المصلحة المرجوة وتتوافق مع الشرع والعلم.