بريغوجين يبرر تمرده ويشير إلى ثغرات أمنية في روسيا
«فاغنر» تبني معسكرات في بيلاروسيا ولافروف يؤكد استمرار عمل المجموعة في إفريقيا
بايدن: لم نتدخل في روسيا ولا علاقة لنا بتحرك «فاغنر»
في رسالة صوتية مدتها 11 دقيقة، خرج رئيس مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية الخاصة، عن صمته أمس، وأرجع تمرده الذي دام اقل من 24 ساعة يوم السبت الماضي، إلى اتخاذ القيادة الروسية قراراً بحل مجموعته في الأول من يوليو، وليس للاطاحة بالحكومة. وقال بريغوجين أن تقدم مجموعته نحو موسكو قبل يومين كشف «مشاكل خطيرة في الأمن» في روسيا، مؤكدًا أن رجاله قطعوا مسافة 780 كيلومترًا دون أن يواجهوا أي مقاومة تُذكر و»هذا يظهر مستوى التنظيم الذي يجب أن تتبعه الجيش الروسي».
وأكد أن رجاله تلقوا تأييدا من سكان البلدات التي عبروها خلال تمردهم، وكذلك من الجنود الذين صادفوهم، مشددا على ان الهدف من تحركه لم يكن اسقاط الحكومة المنتخبة بل منع قرار السلطات الروسية بتفكيك «فاغنر»، ومضيفاً أن الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشنكو الذي كان وسيطا السبت بين الكرملين والمجموعة، اقترح حلولا لافساح المجال امام فاغنر لمواصلة نشاطها.وبدا أن الدولة الروسية تحاول الاستحواذ على مجموعة «فاغنر» التي كانت تعتبر أحد أذرعها الخارجية الناجحة، حيث تمكنت من التمدد في افريقيا على حساب الوجود الفرنسي التاريخي، كما لعبت دورا عسكرياً حاسماً في سورية وليبيا وغيرهما، الامر الذي منح موسكو مكسبا مهما على الساحة الدولية وذلك بعهد ان فشلت في تفكيكها.
وظهرت مؤشرات الاستحواذ على «فاغنر» منذ اعلان التسوية التي سمحت لمقاتلي المجموعة بتوقيع عقود مع وزارة الدفاع، لكن اتخذ الامر بعدا اكثر وضوحا أمس بعد أن أعلنت «فاغنر» أن العمل بمقرها الرئيسي الواقع في سان بطرسبرغ (شمال غرب) جار «كالمعتاد بما يتوافق مع تشريعات روسيا الاتحادية»، وذلك بعد أن دُوهِم المقر في الأيام الماضية من قبل جهاز الأمن الفدرالي وصودرت ملايين الدولارات منه.
في الوقت نفسه، سعى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لتوجيه رسالة طمأنة للدول الإفريقية التي تتعاون مع الشركة العسكرية الخاصة، مؤكدا أن عمل المجموعة في مالي ستتواصل بالتعاون مع وزارة الدفاع الروسية.
مع ظهور وزير دفاعه سيرغي شويغو على خط الجبهة الأمامية مع أوكرانيا، أصدر أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول بيان مصور منذ إبرام اتفاق يوم السبت لإنهاء التمرد المسلح لقائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين، الذي لايزال يلاحقه جهاز الأمن الاتحادي بتهم الخيانة، في حين رفعت موسكو قيود مكافحة الإرهاب في محاولة لإظهار ان الامور تعود الى طبيعتها، وأقر رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين بأن البلاد واجهت «تحدياً لاستقرارها»، مشدداً على أنه يجب رص الصفوف وبقاء روسيا متحدة وراء بوتين.
وقالت وسائل اعلام روسية إنه بدأ العمل في بناء معسكرات لـ «فاغنر» في بيلاروسيا.
واشار معهد دراسات الحرب ومقره واشنطن الى أن عودة مقاتلي «فاغنر» إلى معسكراتهم بالمعدات العسكرية، تشير إلى أن «الكرملين يعتزم الحفاظ على عناصر معينة على الأقل من عناصرها بدلا من السعي لتسريحهم على الفور، رغم أن مستقبل قيادة فاغنر وهيكلها التنظيمي غير واضح».
واستشهد المعهد بأندريه كارتابولوف، رئيس لجنة الدفاع في مجلس الدوما الروسي، الذي أعلن أن الدوما (المجلس الأدنى بالبرلمان الروسي) يعمل على قانون من شأنه أن ينظم الشركات العسكرية الخاصة، ولكن شدد على أنه ليس ضروريا حظر مجموعة فاغنر حيث إنها «أكثر وحدة مستعدة قتاليا في روسيا».
مصير بريغوجين
وعلى عكس ذلك، بدا ان موسكو تحاول التنصل من البند الخاص بوضع بريغوجين
في الصفقة التي توسط فيها رئيس بيلاروسيا الكسندر لوكاشينكو. وأفادت وسائل اعلام روسية بينها صحيفة كومرسانت الرصينة بأن الكرملين أبقى بريغوجين على لائحة المطلوبين بتهم الخيانة والتمرد، وأن القضية الجنائية التي فتحت ضده لا تزال سارية ولم تغلق كما نص الاتفاق. وأعلنت قيادة «فاغنر» أن تواصلها انقطع مع قائدها منذ يوم السبت.
وفي وقت كان الكثير من المعلقين الروس الموالين للكرملين والذين كانوا يشيدون بـ «فاغنر» بصفتها القوة الضاربة لـ «الوطن الام» يعيشون ارتباكا بعد الاحداث الاخيرة، دعا عضو لجنة الدفاع في الدوما الجنرال أندريه غوروليف قائد «فاغنر» للانتحار، معرباً عن «اقتناعه تماماً بأنه يجب القضاء على الخونة في زمن الحرب».
كذلك دعا للقضاء على الفوضى العسكرية والعمل وفقاً لخطة موحدة تحت سيطرة وزارة الدفاع مستبعداً خيار المجموعات مثل «فاغنر».
بدوره، اعتبر إيغور غيركن، أحد المحاربين القدامى الذي لعب دورا في ضم القرم وتنظيم الانفصاليين المؤيدين لموسكو في دونيتسك، أن شنق بريغوجين قد يكون خطوة ضرورية لإنقاذ الدولة الروسية.
وفي إشارة لطرق المخابرات في رمي المعارضين من الطوابق العالية، نصح مدير CIA السابق ديفيد بتريوس بريغوجين «بالابتعاد عن النوافذ المفتوحة»، في اشارة الى انه قد يتعرض للاغتيال.
وقبل حضوره المرتقب لاجتماع مجلس الأمن الروسي، ألقى بوتين، كلمة أمام منتدى «مهندسو المستقبل»، ولم يُدلِ بأي تصريح حول التمرد، الذي يعد أكبر تحدٍّ لحكمه المستمر منذ أكثر من عقدين، وجعل الغموض كلا من الحكومات الصديقة والمعادية على حد سواء تبحث عن إجابات لما يمكن أن يحدث بعد ذلك في دولة لديها أكبر ترسانة نووية في العالم.
اتصالات أميركية
وبعد تسريبات عن اتصالات أجرتها واشنطن و«الناتو» في موسكو خلال التمرد للتأكد من سلامة الأسلحة النووية الروسية، قال وزير الخارجية سيرغي لافروف إن السفيرة الأميركية في موسكو لين تريسي «أبدت إشارات» إلى أن واشنطن لا صلة لها بالتمرد وأنها تأمل الحفاظ على سلامة الأسلحة النووية، موضحاً أنها تصلت بمسؤولين روس وبحثت معهم هذه المحاولة الفاشلة واعتبرت ذلك شأنا داخلياً.
وقبل تصريح لافروف، ذكرت وكالة «ريا نوفوستي»، نقلاً عن مصدر لم تكشفه أن السفارة الأميركية في موسكو تواصلت مع وزارة الخارجية الروسية لمناقشة الوضع الأمني بعد تمرد مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة.
تصدع السلطة
ورغم وصفه الأحداث بأنها شأن روسي داخلي، أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، خلال زيارته ليتوانيا، أن تمرد «فاغنر» يظهر أن بوتين ارتكب خطأ استراتيجياً بضمه غير القانوني لشبه جزيرة القرم وإعلان الحرب على أوكرانيا».
وخلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، رأى مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن «تمرد فاغنر يظهر أن الحرب ضد أوكرانيا تؤدي إلى تصدع السلطة الروسية وتؤثر على نظامها السياسي»، مؤكداً أن انعدام الاستقرار في بلد يمتلك السلاح النووي «ليس بالأمر الجيد ويجب أخذ ذلك في الاعتبار».
وحذر وزير خارجية لوكسمبورغ جان اسلبورن من أن زعزعة استقرار روسيا سيشكل خطراً كبيراً على أوروبا، مشيراً إلى امتلاكها نحو ستة آلاف رأس حربية نووية. وأملت الحكومة الألمانية تحقيق الاستقرار في روسيا وأنها لا تنحاز إلى أي طرف في هذه الأزمة.
دعم حذر
وفيما لم تعلن سوى دول قليلة أي موقف يؤكد على شرعية بوتين خلال احداث يوم السبت الماضي، قال لافروف ان بوتين تلقى الكثير من الاتصالات الداعمة من زعماء دول الا انهم طلبوا عدم الاعلان عنها، في خطوة تظهر ان الرئيس الروسي عاد جزئيا الى زاوية العزلة على الساحة الدولية.
وتلقى بوتين اتصالاً، أمس، من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد. وحرصت موسكو على القول إن الأمير الخليجي أبدى دعمه للقيادة الروسية غير أن قناة الجزيرة قالت إن الأمير تميم شدد على ضرورة حل الخلافات عبر الحوار والطرق الدبلوماسية وتسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، وعدم اتخاذ ما من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التصعيد ميدانياً، مجدداً موقف قطر الداعي إلى ضرورة احترام سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها والالتزام بميثاق الأمم المتحدة. كما أجرى الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي اتصالا مع بوتين ابدى خلاله دعمه للقيادة الروسية حسب بيان روسي.
ساحة المعركة
وفيما شكك معلقون عسكريون بتوقيت الفيديو الذي اظهر وزير الدفاع الروسي وهو يزور مركز قيادة قوات الغرب على الخطوط الأمامية في الجبهة مع اوكرانيا، أعلنت اوكرانيا أن جيشها حرّر بلدة ريفنوبيل في منطقة دونيتسك شرقاً ونحو 130 كلم في الجنوب منذ بدء الهجوم المضاد.
وأكدت الاستخبارات البريطانية أن الهجوم المضاد اكتسب زخماً «بالقرب من مدينة باخموت، والقوات الأوكرانية أحرزت تقدما على الجانبين الشمالي والجنوبي للمدينة» وهو ما نفته وزارة الدفاع الروسية.