شاعرٌ من طراز فريد، ينسج قصيدته بريشة فنان، أبدع باقةً من الدواوين المتميزة بلغةٍ شفّافة تخطف الوجدان، وفلسفة عميقة. تأثر بالشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، وصُدِم برحيله، فرثاه بقصيدة مؤثرة في ديوانه الأول «قراءة في كتاب النأي» (2009)، وتوالت بعدها إصدارات الشاعر المصري أشرف قاسم، مُحدِثة أصداءً واسعة في الأوساط الأدبية والثقافية، لعل أبرزها «سهد المصابيح»، و«هذا مقام الصابرين»، و«شفاهك آخر ترنيمة للصابرين»، و«ساقية مهجورة»، و«أنين الصفصاف»، و«نام الحنين على ستائر شرفتي».
وفي هذا الحوار، يتحدث قاسم لـ«الجريدة» عن حكايات والده، وغناء أمه ودموعه، وكيف كانت بمنزلة أبواب مُشرعة بالنسبة إليه دخل منها إلى رحاب الشعر، مؤكداً أن القصيدة الجيدة هي التي تمثِّل الإنسان، ولا يشعر المتلقي معها بالغربة... وفيما يلي نص الحوار:
• ما الأفكار والمشاعر التي حاولت تجسيدها في قصيدتك «بكائية على قبر محمود درويش»، وإلى أي مدى تعكس تأثرك به؟
- يعتبر الشاعر الكبير محمود درويش أحد أهم الأصوات الشعرية المقاومة، التي غيرت وجه الشعر العربي، كان رحيله فاجعة كبرى، وصدمة عنيفة في الأوساط الثقافية، في تلك الآونة كنت أستعد للدفع بديواني الأول «قراءة في كتاب النأي» للنشر من خلال الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر، جاءت القصيدة مرثية دامية، كتبتها ذات ليلة عقب رحيله، ووضعتها ضمن نصوص الديوان، حاولت خلالها أن أؤكد على قيمة منجزه الشعري بشكل عام، وقيمة المقاومة، والتمسك بالدفاع عن قضيتنا، قضية كل العرب، القضية الفلسطينية. أما عن تأثري به فلا شك في ذلك، لغته الحية النابضة، وصوره الشعرية المبتكرة، وخياله الخصب، كل هذا فتنني منذ دواوينه الأولى، منذ: «سجّل أنا عربي».
• كيف استخدمت الشاعرية الصوتية والإيقاعية واللغوية في قصيدتك «مسافرتان عيناكِ»، وما الأثر الذي ينتج عن هذا الاستخدام في جعل القصيدة أكثر جاذبية للاهتمام وقوة التأثير في المتلقي؟
- مُسافرتان عيناكِ
وقلبي فيهما صلَّى
أتاكِ مُروَّعا كالطفل
أبحرَ فيهما عمرًا
ورغمَ الماءِ ما ابْتلا
بصوتِ الحبِّ والإيمان
كمْ غنَّى أغانيه الشتائيِّةْ
فجاءَ الصوتُ مَشْدودًا
بأوتارٍ جليديةْ
هو المنسي في مُدنٍ بلا معنىً بأحلامٍ بدائيَّةْ
هذه القصيدة من القصائد الأثيرة لديّ، وهي ضمن ديواني «نام الحنين على ستائر شرفتي»، الصادر في الجزائر عام 2018، وقد تناولها الشاعر محمود عبدالصمد زكريا بدراسة قال فيها: «تتكئ هذه القصيدة في إنتاج جمالياتها على مستويين أساسيين هما: المستوى الصوتي المنغوم للغة، والمستوى التصويري المنتج للمشهدية، أو بمعنى آخر إنتاج التجربة تصويرياً، إنه عمل يأخذ على عاتقه أن يكشف ويعري عالم الذات الشاعرة، العاشقة، وتوق اكتمال الشاعر الذي: (يبني عالم الأحلام/ من عمدٍ سديمية/ ويصبغ زهرة الأحلامِ/ ألواناً رمادية) بمعشوقته التي سكت عن الإفصاح بماهيتها وكينونتها مكتفيًا بعيونها النجلاء ووجهها الوضاء.
أشواق السندباد
• «أشواق السندباد» قصيدة مؤثرة تمجّد «الأبوة» التي يغلفها شعراءٌ كُثُر، ما الأجواء الذاتية الخفية وراء هذا النص؟
- حكايات أبي التي كان يحكيها لنا في ليالي الشتاء الباردة، ونحن مجتمعون حول «منقد النار» نمُصُّ أعواد القصب، ونأكل البرتقال واليوسفي الذي عاد به من رحلة شقائه اليومية في حقول الغير، وغناء أمي المترع بالشجن الذي يشبه العديد: (بيقولوا بكره العيد/ قلت العيد لأصحابه/ وإيش يعمل العيد/ للي اتفرقوا أحبابه)... كل هذا ولَّد داخلي حسَّا رقيقًا، صرتُ على إثره أذرف الدموع على مآسي أُناس لا تربطني بهم أية صلة! كانت هذه الدموع تطهرني وتغسلني من أدران كثيرة، لذا كنت أشعر بعدها براحة كبيرة. كانت حكايات أبي وغناء أمي ودموعي هي الأبواب المشرعة التي دخلتُ منها إلى رحاب الشعر، لذا كان فقدي لأبي صدمة كبرى لم أستطع استيعابها بعد، فكانت تلك القصيدة صدى لهذا الفقد.
التسلح بالثقافة والوعي
• حدثنا عن أهمية الإبداع الموجه للطفل، في ضوء ديوانك «جيش بلادي»، خصوصا مع محاصرة النشء حاليا بمؤثرات تقنية أخرى تجرفهم بعيدا عن الشعر والأدب.
- بلا شك إن أردنا أن ننشئ جيلاً سوياً، فإنه لا غنى عن تسليحه بالثقافة والوعي، من خلال المواد الثقافية التي تجذب الطفل كالقصة والشعر والرسم والموسيقى وغير ذلك. تكمن أهمية هذا الإبداع الموجه للطفل في بناء شخصيته، خصوصا في ظل طغيان السوشيال ميديا، ووسائل التواصل المختلفة. في «جيش بلادي» نصوص تعلِّم الطفل قيمًا كثيرة كحب الوطن، وحب المدرسة والتعليم، والانتماء إلى أديم الأرض، والمحافظة على مياه النيل بأسلوب سهل مبسط.
• ما منطلقاتك العامة في الكتابة؟ وماذا تعني القصيدة الجيدة من منظورك كشاعر؟
- منطلقاتي العامة في الكتابة تتمثل في الإنسان ومعاناته، قضيتي الكبرى هي الانتماء، الانتماء إلى الذات، وإلى الوطن، وإلى كل ما يمثل الإنسانية في مختلف تصوراتها. والقصيدة الجيدة هي التي تمثِّل الإنسان وتتفاعل معه، ولا يشعر المتلقي معها بالغربة.
• ما مشروعك الشعري الذي تعكف عليه راهناً وقد يرى النور قريباً؟
- ديوان شعري جديد يصدر قريباً عن دائرة الثقافة والإعلام بإمارة الشارقة/ الإمارات، بعنوان «يصافحها الحنين».