«رحلتي مع الحديد» يقدم تجربة رجل أعمال أرمني امتهن الحرفة منذ صغره
قد لا يكون الأول من نوعه، لكنه الأغنى والأجمل، فمثلما أحب «كارو» رائحة الحديد، جعلني بعد قراءة الكتاب من عشاقه،
كان الحديد منذ نعومة أظافره شيئاً مميزاً، وعالماً خاصاً بالمؤلف كيراكوس قيومجيان (كارو)، وبمرور الأيام والتقدم في اختصاصه المهني، أصبح جزءاً أساسياً من حياته، ولهذا كان كتاب «رحلتي مع الحديد» الصادر حديثاً عن دار «ذات السلاسل» للنشر والتوزيع.
الكتاب مناسبة لتقديم تجربة رجل أعمال أرمني عاش ردحاً من الزمن في الكويت، أسس وأدار مصنعاً للحديد، إلى جانب محاولته تلخيص دور هذا المعدن ومعناه وتاريخه.
في مقدمة الكتاب كلمات من وحي التجربة التي خاضها، فهي تتيح له استكشاف حبُه للحديد ابتداء من رائحته، وانتهاء بتأويلاته وتحولاته المادية والاجتماعية، فهو بالنهاية من «المكونات الأساسية لجزء كبير من منتجات الحضارة الإنسانية، ومنذ اكتشافه كان من المعادن المساهمة في التقدم البشري».
يسرد بعضاً من يومياته، فبعد تأسيسه مصنعاً للحديد في الكويت، ومع كل يوم يمضي من حياته في متابعة إنتاج الحديد، يستمتع بحمله ولمسه كأنه بذلك يعيده إلى بدايات اكتشافه.
علاقة الأرمن بصناعة الحديد
يحمل الكتاب صبغة أدبية بقدر ما يحمل من صبغات تاريخية وعلمية، وباختصار فإن لـ «الحديد» كلمة ومعنى، والكثير من الأبعاد، من لحظة استخراجه من رحم الأرض، إلى رحلة استعمالاته ووظائفه في حياة البشر.
تاريخياً اتجه الأرمن إلى الأعمال الحرفية وأتقنوها، كانت لهم محطات مع الصناعات والمهن المرتبطة بالحديد، يحكي «كارو» قصته مع هذا المعدن، عندما كان صغيراً يعيش في مدينة حلب، جرت العادة أن يرسل الأهل أولادهم أثناء العطل الصيفية إلى الورش وأصحاب الحرف لتعلم «الصنعة» اعتقاداً منهم أن «الصنعة» في اليد هي كسوار الذهب في المعصم ينفعك وينقذك وقت الضيق والحاجة، اختار أهله أن يعمل «كارو» لدى جارهم المقيم قرب منزلهم، والذي كان يملك ورشة خراطة لتصليح آلات وماكينات زراعية، وهكذا تولدت في نفسه علاقة حميمية مع الحديد أراد أن يسردها في هذا الكتاب الذي وصفه المهندس هاني أبوحيدر بأنه مزيج مثير للاهتمام من التاريخ والعلوم والصناعة والفن والحرب وحتى الشعر.
ومن قرأ الكتاب قبل طباعته، كما فعلت د. ناهدة البقصمي، وجد بصاحبه فناناً شغوفاً بكل ما يرتبط بالحديد، فهو أي الكتاب تاريخ إنسان تعامل مع هذا المعدن منذ نعومة أظافره، لدرجة أنه يستمتع حتى برائحته.
في الخاتمة يشعرك بسعادته لأنه استطاع أن يسطر آخر أفكاره، ويقدم عصارة قلبه، ويترجم مشاعره لينقلها إلى القارئ.
حوار بين الذهب والحديد
من أجمل ما قرأت في الكتاب فصل تحت عنوان «حوار بين عنصري الحديد والذهب» حين خرج الحديد يوماً يتغنى بجماله وقوته وتألقه وصار يردد ويقول «إذا كنت تريد تغيير مظهر مسكنك إلى الأفضل، فقد تكون الأبواب الحديدية هي الحل المنشود، ويمكنها أن تجعل منزلك جذاباً يتمتع بوجه راق وجميل»، يرد عليه الذهب «صديقي العزيز أنت معدن صلب وصعب التكييف، فكيف تتغنى بالجمال وبالمظهر المشرق؟ أنا معدن قادم من النجوم، مظهري حسن وجميل يتزين البشر به ويفاخرون بجمالي، وأنا أضفي الاحترام على من يتزين بي، أما أنت فماذا توفر للبشر؟».
13 فصلاً وخاتمة
يجمع الكتاب بين دفتيه ثلاثة عشر فصلاً، يبدأها بالفصل الأول باسم «للحديد رائحة وطعم، نحن نحب رائحة الحديد في الصباح»، ثم يتناول إضاءات على العصر الحديدي، والأدوات البدائية، حملت وجه العالم، والحديد عماد الحضارات، والحديد عصب النهضات البشرية وأمجاد الحديد، والجسور تقريب المسافات ومن المناجم إلى المصانع لتغيير العالم، ومشغولات فنية، والحديد في الكائنات وفي الأدبيات المتوارثة، والذهب يتفاخر وإنجازات الجديد تتعالى، والحديد في التجارة المعاصرة، أما الخاتمة فكانت تحت عنوان «آراء نحترمها».