رياح وأوتاد: اقتراحات بقوانين جيدة وأخرى غيرها... ودرس من حرق المصحف
اقتراحات بقوانين جيدة وأخرى غير جيدة:
في الفترة الوجيزة التي أعقبت الانتخابات تقدم الإخوة أعضاء المجلس بمجموعة من اقتراحات القوانين منها الجيد ومنها غير ذلك، فمن القوانين الجيدة تعديل قانون المحكمة الدستورية بشأن مواعيد الطعن في مراسيم الحل ومراسيم الدعوة للانتخابات، بحيث يتم الطعن وتصدر الأحكام قبل الانتخابات لا بعدها، وهذا الاقتراح كان قد أشار إليه المستشار فيصل المرشد في الصحف بعد إبطال مجلس 2022، وهو يحمي البلاد من إبطال المجالس بعد انتخابها، ويؤدي إلى استقرارها، ومن الاقتراحات الجيدة أيضاً اقتراح المفوضية العليا للانتخابات بحيث تشرف هذه الهيئة إشرافاً دقيقاً على الانتخابات، وهذا الاقتراح يحتاج إلى صياغة دقيقة كي يوافق الدستور وقوانين الانتخابات، ويتم تطبيقه بدقة وشمولية على إجراءات الانتخابات وفرز الأصوات.
ومن الاقتراحات الضرورية والمهمة أيضا قانون الجهاز المركزي لشؤون الجنسية الذي تقدم به الرئيس السابق الأخ مرزوق الغانم، وتنبع أهميته من الحفاظ على الهوية الكويتية، خصوصاً بعد الإعلان عن بعض حالات التزوير وانتشار أخبار مؤكدة عن حالات أخرى تقدر بأعداد كبيرة، ولذلك فإن هذا الاقتراح أيضاً يجب أن تصاغ مواده بدقة، بحيث تكون له الاستقلالية والقدرة على اكتشاف التزوير والازدواجية في أهم وثيقة كويتية، ويجب أيضاً ألا يكون تحت تصرف الحكومة.
ولكن هناك قوانين سيئة قدمت خلال هذه الفترة، ومنها القانون الذي تقدم به الأخ مرزوق الغانم أيضاً والذي ينص على أن تنجح في كل دائرة اثنتان من النساء إجبارياً، أي أن في كل دائرة لن ينجح اثنان من الرجال رغم حصولهما على أصوات عالية، وتنجح اثنتان من النساء رغم حصولهما على أصوات أقل من أولئك الرجال، وهذا تمييز ضد الرجال وتدخل في إرادة الناخبين ومخالف للشريعة والدستور.
ومن الاقتراحات غير الجيدة أيضاً الاقتراح الذي تقدم به الأخ عادل الدمخي وآخرون بإلغاء محكمة الوزراء التي نص عليها التوجيه الدستوري في المادة (132)، حيث نصت على أن يحدد قانون خاص الجهة المختصة بمحاكمة الوزراء والجرائم التي تقع منهم، وإجراءات اتهامهم ومحاكمتهم، وقد كان إنشاء هذه المحكمة أحد أهم أهدافنا في مجلسي 85 و92، وقد قمنا بقيادة الأخ حمد الجوعان بتقديم هدا القانون وتم النص فيه على حق كل مواطن بتقديم البلاغ، وأن يقوم بالتحقيق فيه ثلاثة من المستشارين الكويتيين، وأن تشكل المحكمة من خمسة من المستشارين الكويتيين من محكمة الاستئناف يختارهم القضاء وفق إجراءاته، وأيضاً ضمن هذا القانون حقي التظلم والتمييز في أحكام هذه المحكمة.
وقد كان بإمكان الأعضاء اقتراح أي تعديل يرونه على هذا القانون بدلاً من إلغائه، ومن الخطأ الاستجابة للتشكيك الذي تقوم به بعض وسائل التواصل وغير المتخصصين، خصوصاً في موضوع جاء فيه نص دستوري واضح.
ومن الاقتراحات غير الموفقة أيضاً الاقتراح الذي تقدم به الأخ بدر الملا القاضي بمنع المحكمة الدستورية أو أي محكمة أخرى من النظر في الطعن في مرسومي حل مجلس الأمة والدعوة إلى الانتخابات بأي حال من الأحوال، وهذا تقييد للسلطة القضائية وتقييد لحق التقاضي، ويتنافى مع دأب المجالس السابقة والقوى السياسية في توسيع الحريات وحق التقاضي، بالإضافة إلى أنه تشكيك في القضاء بسبب الحكم الأخير ببطلان مجلس 2022 الذي تم الخلاف بشأنه رغم أن هناك إجماعاً على صحة حكم «الدستورية» ببطلان المجلسين المبطل الأول والمبطل الثاني، ومن المعلوم أن الدستور قد نص على شرطين أساسيين لحل مجلس الأمة، وهما أن يصدر بمرسوم مسبب، وألا يكون سبب هذا الحل مكرراً، بالإضافة إلى وجوب أن يصدر من حكومة قائمة لا مستقيلة، فمن سيحكم في صحة هذه المراسيم إذا تم منع المحكمة الدستورية؟ ومن المعلوم أيضاً أن الدستور نص على حق هذه المحكمة بالنظر في القوانين والمراسيم بالقوانين، فهل ستُمنع المحكمة من النظر في الطعون الخاصة بمراسيم الضرورة المنظمة للانتخابات؟ وإذا قضت المحكمة بعدم دستوريتها كما حدث في السابق ألا يؤدي هذا إلى بطلان الانتخابات؟
ولا شك أيضاً أن هناك اقتراحات بقوانين كثيرة معروضة الآن في المجلس منها الجيد ومنها السيئ، ومنها ما يعوق التنمية، ويؤثر على ميزانية الدولة، ويتعارض مع الخطط الخمسية، وهنا يأتي دور الأعضاء الآخرين، وخصوصاً أعضاء الحكومة في مناقشة هذه القوانين على أسس دستورية وعلمية، فالحكومة يجب أن تتحرر من الضغوط الانتخابية والشعبوية، وأقوال غير المتخصصين ووسائل التواصل وتنظر إلى المصلحة العليا للبلاد واستدامة الاقتصاد فتقف وقفة قوية أمام الاقتراحات السيئة، وتؤيد بقوة الاقتراحات التي تخدم البلاد وديمومة ماليتها واقتصادها ومصلحة أبنائها، ولا تخشى في الله لومة لائم.
درس من حرق المصحف:
أثار سماح السلطات السويدية للاجئ عراقي بحرق نسخ من القرآن الكريم مشاعر نحو ملياري مسلم، وانطلقت مظاهر الغضب في كل العالم، وهذه المشاعر العفوية تنمّ، ولا شك، عن حب المسلمين لدينهم وتمسكهم بكتاب ربهم، وتعدّ هذه الحادثة في مضمونها إدانة للأنظمة العلمانية التي وضعت الحريات المطلقة فوق مشاعر الآخرين، ولو أدت إلى إثارة الكراهية والعنف، وما يترتب عليها من إخلال بالسلم الاجتماعي، واحترام عقيدة وحقوق الآخرين.
وأرى في هذه الحادثة درساً للذين أساؤوا عندنا استخدام وسائل التواصل من الشتامين والمسيئين الذين لم تسلم منهم حتى أحكام الشريعة، وهي درس أيضاً للذين يطالبون لهم بمزيد من الحريات، حيث لا يجوز أن تطغى هذه الحريات على حقوق وكرامة ومشاعر الآخرين، وقد قال النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو يطوف بالكعبة «ما أعظمك، وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم حرمة عند الله منك». (سلسلة الأحاديث الصحيحة).