بعضهم أو بعضنا*
كثيرون يكتبون على قدر ما يرونه مناسباً للقارئ أو المستمع أو المشاهد، ويقولون أيضا كذلك، كثيرون يقيسون الكلمة والحرف بمقاسات مختلفة حتى لا تخرج التركيبة خارج نطاق القبول أو المرسوم من حدود في الفكر والكتابة، وآخرون يحاولون أن يمروا عبورا على كثير مما يدور في نفوسهم من قلق أو خوف أو حتى هواجس لا تمسهم هم شخصيا أحيانا لكنها تمس كثيرين وكثيرات غيرهم.
هكذا يناور الكتّاب والإعلاميون والمراسلون ومقدمو البرامج الحوارية، وربما مثلهم بعض من هم على شبكات التواصل المختلفة، حيث لا رقيب واضحا ربما، لكن هناك كثير من العيون الساهرة على راحة الكبار!!
أن ترسم كلماتك بدقة فهو أمر ليس بالسهل لكنه مهم وضروري، ورغم ذلك تفلت منك أحيانا بضعة ألفاظ أو كلمات أو حتى مواقف دون أن تدرك أنها قد تصيب أحدهم بجرح أو حتى خدش بسيط، قد لا تكون تقصده حتماً، ولم تفكر في ذاك القارئ الصديق بعينه أو تلك الصديقة أو أحد المعارف، عندما تكتب أو نكتب لا نعمل على المواربة التي هربنا منها لسنين، فلم يتبق من العمر الكثير، ثم إن من يقرأك بعمق سيعرف أنك أو أنها لا تمرون فوق جثث الأصدقاء والصديقات أو حتى المعارف، بل إنكم عندما توجهون نقداً فلأنكم تدركون أن هناك ما بدأ يتحول إلى ظاهرة بين عدد من الباحثين، العاملين في الحقل العام، الإعلاميين أو غيرهم من الذين يؤثرون حتما في مجتمعاتهم أو ربما ما بعد بعد مجتمعاتهم.
تعمل أن تكون كلماتك برداً وسلاماً على المتلقي لكنها لا تكون كذلك دوما ربما لخطأ منك أو ربما لانفعالك مع موقف بعينه مر أمامك، ولم يكن معك أو لك، بل مع صديق أو صديقة، ولم تستطع أن تتجاوزه، كثيرون يكتبون كما يفكرون أو يتكلمون، كتاباتهم عالية النبرة كأصواتهم أو هي هادئة وغاية في الرقة، وهؤلاء أقلية أو كثير منهم خائفون من المنصب أو عليه!! ولكن عندما تكتب دون أن تفكر أن بعض من سيقرأ قد وربما الـ«قد» هذه تفتح عمل الشياطين كلها، ربما يتصور أن هنا غمزة له أو همزة عليه، وهنا يحق لهم وعليك واجب الاعتذار والتوضيح إذا ما سمح لك سبيل.
تعرف أن في ساعة «الزعل» أو الغضب يختفي المنطق وتبقى أصابع الاتهام ممدودة هنا أو هناك، لكنك تتصور أيضا أن من يعرفك بعمق يدرك أن عيوبك كثيرة، لكن بالتأكيد الطعن في الظهر ليس منها ولا استغلال مساحات على صفحات الصحف لتوجيه الملاحظات والنقد لمن يعتبرهم زملاء أو أصدقاء، وتدرك أن كثيرين يعرفون أن من يكتب بجرأة لا يمكن أن يعمل في العتمة.
تعمل على أن تصحح الخطأ أو المفهوم الخطأ أو التفسير المغلوط، ولكن هناك لحظة تتوقف عندها عندما تدرك أنه وربما، فقط ربما، يستطيع الزمن أن يوضح كثيراً من الالتباس وسوء الفهم، كما حدث من قبل أن اتهمت بالكثير من الأمور، فكان أن انتظرت عند حافة البحر حتى جاءت الأمواج لتغسل كثيراً من قبح تلك اللحظة التي ساء فيها الفهم فأفسد للود لا للصداقة كثيراً من القضايا.
بعض الكلمات قد كتبت ورحلت في ذاك الصباح وقبل أن تتوسط الشمس سماء الظهيرة، وبعضها سيبقى لنا نحفظه في صندوق الذكريات الخاص جداً أو نرميه في سلة المهملات المليئة بكثير من الأخطاء والعيوب والاعتذارات وربما أيضا الهفوات.
للأصدقاء أن يعرفوا أن الكتابة مسؤولية كبيرة على الكاتب، وكذلك البرنامج التلفزيوني أو الإذاعي، ولا يستطيع أي أحد من العاملين والمسؤولين أن يحول هذا الفضاء إلى إقطاعيات خاصة يوجه فيها الغمز واللمز.
* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية.