في ظلال الدستور: «الدستورية» ليست سلطة رابعة أو حكما بين السلطات
خارج التنظيم القضائي
سؤال يتداوله الشارع السياسي بعد قضاء المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم حل مجلس الأمة 2020، وهو سلطة دستورية يتولاها الأمير بواسطة وزرائه، والسؤال هو هل أصبحت المحكمة الدستورية سلطة رابعة أو خارج سرب السلطة القضائية، وخارج التنظيم القضائي؟ وقد فرض قانون تنظيم القضاء في المادة (2) على المحاكم حظر النظر في أعمال السيادة.
ولا أجد في هذا السياق أصدق من قول المولى عز وجل «أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ» (الآية 61 من سورة البقرة)، فولاية القضاء هي أعلى الولايات قدراً وأجلها خطراً وأعزها مكانا وأعظمها شأناً وأشرفها ذكرا، وقد تولاها الأنبياء، فى قوله سبحانه وتعالى: «يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى».
وقضى رسول الله بين الناس، فولى عليّاً قضاء ناحية اليمن، وقلد معاذاً قضاء اليمن واستخلف عقاب بن أسيد على مكة بعد الفتح والياً وقاضياً.
البحث عن دور سياسي للمحكمة
وقد استشف الكثيرون دوراً سياسيا للمحكمة في أحكامها فى الطعون الانتخابية التي قضت فيها ببطلان مرسوم الدعوة إلى الانتخابات العامة، التي أجريت بعد حل مجلس الأمة، فضلا عن بطلان مرسوم الحل وبلغ السيل الزبى في الحكم الصادر ببطلان حل مجلس 2020، عندما أسست قضاءها على عدم ملاءمة صدور مرسوم الحل، بناء على طلب حكومة شكلت في اليوم السابق لصدور مرسوم الحل، وكانت قبل ذلك تبني قضاءها على صدور مرسوم الحل بناء على طلب حكومة مستقيلة، وكان استعلاء المحكمة على التنظيم القضائي العام في حكم لها أصدرته في الطعن الانتخابي رقم 15/2020 ببطلان انتخاب د.بدر الداهوم في انتخابات 2020، بأن أهدرت أحكاما صادرة من أعلى درجة في التنظيم القضائي العام وهي محكمة التمييز في دوائرها الجزائية والمدنية والإدارية، دون أن تلتفت إلى هذه الأحكام بل ودون سردها للوقائع ومدوناته القانونية، التي كانت مطروحة عليها في الطعن الانتخابي المذكور، فأهدرت بذلك قوة الأمر المقضي فيه، لأربعة أحكام نهائية وباتة وصادرة في حدود ولاية محكمة التمييز، الذي تمارس الأمة من خلاله سيادتها حتى على أبنائها في الخارج، حيث تنص المادة (53) من الدستور على أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم.
لا سلطة رابعة في الدستور
الأمر الذي تخيل معه البعض أن المحكمة الدستورية قد أصبحت سلطة رابعة إلى جانب السلطات الثلاث التي نص عليها الدستور وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية، خاصة مع ما قيل في هذا السياق من أنها تقف على قدم المساواة من السلطات الثلاث، وهو ما يطرح سؤالا مشروعا هو: أليس الدستور هو مصدر السلطات جميعا؟ وقد خص الأمة وحدها بالسيادة، فيما نص عليه في المادة (6) من أن «نظام الحكم ديمقراطي، والسيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور».
وقد بين الدستور الأوجه التي تمارس بها الأمة سيادتها، سواء بطريق مباشر من خلال هيئة الناخبين في ممارسة الشعب حق الاقتراع العام، أو من خلال السلطات الثلاث، التي خرجت وحدها من رحم الدستور، حيث أفرد الدستور الباب الرابع لسلطات الحكم كافة، بدءا بالفصل الأول الذي أفرده للأحكام العامة وتنص أولى مواده على قيام الحكم على أساس فصل السلطات وفقا لأحكام الدستور مادة (50) ثم تلتها المواد (51) و(52) و(53) والتي تتناول السلطات الثلاث تباعا التشريعية والتنفيذية والقضائية على التوالي، ثم أفرد الفصل الثاني لرئيس الدولة، مبينا سلطاته وصلاحياته والفصل الثالث، للسلطة التشريعية، والرابع للسلطة التنفيذية، وقسمه إلى فروع ثلاثة أولها خاص بالوزارة، وثانيها متعلق بالشؤون المالية، وثالثها بالشؤون العسكرية، ثم جاء الفصل الخامس، مسك الختام تحت عنوان السلطة القضائية بدءا بالمادة (162) التي نصت على أن «شرف القضاء ونزاهة القضاة وعدلهم، أساس الملك وضمان للحقوق والحريات»، ثم عهد الدستور في المادة (163) إلى القانون بترتيب المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها.
وفي هذا الفصل ذاته جاءت نصوص الدستور تترى بالمادتين (169)، (171) الخاصتين بالقضاء الإداري ثم تلتهما المادة (172) التي عهدت الى المشرع، بإنشاء محكمة للتنازع، وكان مسك ختام هذا الفصل المادة (173) التي نصت على أن يعهد المشرع إلى جهة قضائية بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين، وهو ما يدل دلالة قاطعة على أن المحكمة الدستورية هي جزء من السلطة القضائية، وليست سلطة رابعة تعلو السلطات الثلاث.
وإذ نص الدستور في المادة (53) على أن «السلطة القضائية تتولاها المحاكم... في حدود الدستور»، فلا يجوز لمحكمة أيا كانت مكانتها ورفعة شأنها أن تخرج في ممارسة صلاحياتها وولايتها على حدود الدستور، ومن هذه الحدود ما نص عليه الدستور من سلطات ثلاث تتوزع بينها أعمال السيادة، والقول بغير ذلك يكون تنقيحا فعليا للدستور، بالمخالفة لأحكام المادة (174) من الدستور، التي نصت على الشروط والأوضاع والإجراءات الواجب الالتزام بها في تنقيح الدستور.
الأمير هو الحكم بين السلطات
وفي سياق إخراج المحكمة الدستورية من التنظيم القضائي قيل بأن المحكمة الدستورية هي حكم بين السلطات الثلاث، وهو ما يخالف نصوص الدستور ومذكرته التفسيرية في تصويرها لنظام الحكم، فالأمير يتولى السلطة التشريعية ومجلس الأمة مادة (51) ويتولى السلطة التنفيذية ومجلس الوزراء والوزراء مادة (52) وتتولى المحاكم السلطة القضائية وتصدر الأحكام باسم الأمير مادة (53) كما تنص (102) من الدستور، على أن الأمير يعتبر حكما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية عندما يقرر مجلس الأمة، بأغلبية أعضائه، عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، فيرفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة.
وفي تصوير المذكرة التفسيرية لنظام الحكم أن الأمير يكون حكما في الأمر، للحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، والتي تعتبر العمود الفقري لهذا الدستور- كما جاء في المذكرة- ومن هنا حرص الدستور على أن يظل رئيس الدولة أباً لأبناء الوطن جميعا.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.