بندقية للإيجار
«بندقية للإيجار»، كتاب مهم للبريطاني باترك سيل سبر فيه أغوار أحد أشد المجرمين خطورة بين سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، وهو صبري البنّا، الشهير بأبونضال، الذي تسبب في قتل وإصابة آلاف الناس بعملياته الإرهابية في أكثر من عشرين دولة مختلفة، بدأ حياته بشعار النضال المسلّح لتحرير فلسطين وسرعان ما انتقل إلى خانة الارتزاق التي جعلت منه بندقية للإيجار لتصفية خصوم من يدفع له، ولكل هدف سعر خاص يتفاوت بتفاوت أهمية الشخص وصعوبة العملية.
انتقل أبونضال من مرحلة الارتزاق الفردي إلى المؤسسي، فكانت له معسكراته الإرهابية التي تستقطب وتدرّب وتعذب وتمارس شروراً لا يمكن تخيلها، من نتائجها أن حالات الإعدام التي نفذها برفاقه تجاوز عددها بأضعاف عدد ضحايا عملياته، ومن المفارقات الصارخة أن معسكره الأهم في ليبيا أطلق عليه اسم شهيد الرأي المناضل الحقيقي ناجي العلي!
وكما هي أدبيات القصص والتاريخ، الجزاء من جنس العمل، فقد كانت نهايته بتصفيته من قِبل النظام العراقي البائد وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة 2002 بحجة تجهيزه لعملية تستهدف نظامهم الذي احتضنه لسنوات طوال، وقام بتنفيذ عملية التصفية رئيس جهاز المخابرات آنذاك طاهر حبّوش الذي ادّعى انتحار أبونضال، ومن المفارقات التي لا حصر لها في عالم الخداع والجريمة والخيانة تواري حبّوش (قاتل قتّال القتلة) عن الأنظار قبيل سقوط نظامه ببضعة أيام إلى يومنا هذا مع ترجيح جاسوسيته مقابل بضعة ملايين من الدولارات، ولا يزال حبّوش حراً طليقاً متنقلاً بين دول عدة منتحلاً شخصيات وهمية بدون أن يدرك هويته أحد متنعماً بثروته التي جناها من عرق جبينه، وقد يقرأ هذا المقال ساخراً لإفلاته من قاعدة القصص والتاريخ!
يتبدّل الزمان والمكان، تتبدل البيادق والبنادق والخنادق، ويتحول العنف والإرهاب من حالة بندقية للإيجار إلى حساب للإيجار في «تويتر» و«سناب» وأخواتهما، كل شيء بثمنه، ينتقل مناضلو الإنترنت من هذا المعسكر إلى ذاك بسلاسة عالية وبسرعة فائقة وكأنهم يستبدلون زي نادٍ رياضي بالندّ المنافس في عالم الاحتراف، لا يتطلب هذا الانتقال سوى الاتفاق مع السمسار على الثمن المناسب لمهارات اللاعب المناضل في ساحات «تويتر» وقدرته على المراوغة في الوحل، ولا صوت يعلو على المال، فهو أسمى غايات النضال.