المعاق الذهني والموضة الغامضة في التوجه عكس السير
تتقدم الدول في النواحي الاجتماعية والإنسانية، خصوصاً مع تطور الأحاسيس ومحبة الآخر محبة النفس، فيحدث أحياناً لظروف غامضة وغريبة عجيبة ما يصعب فهمه.
فقد بدأ منذ زمن طويل تكاتف المجتمع مع جميع المعاقين حتى بدأوا يأخذون حقوقهم، وتأخر دمج ذوي الإعاقة الذهنية في المجتمع لظروف منها الخجل حتى بدأ مؤخراً نجمهم بالسطوع، الأمر الذي يفترض أن يلاقي ترحيباً وتشجيعاً من الجميع.
وموضوعنا كالعادة بحدود معايشتنا هو رياضة هذه الفئة التي يرى رجال العلم والمتخصصون في علوم التربية (لا نحن) أنها مهمة بالنسبة إلى تطور قدراتهم الذهنية والبدنية، والآن دخلوا في منافسات على كل المستويات مع كل الإعاقات (وهنا لا نقصد التشكيك بمحبة ذوي الإعاقة للمعاق الذهني أو الشعور بوجود حسد أو غيرة تجاه إنجازاته المتسارعة).
بدأت بعض وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً (وهي قلة) تتحدث بما معناه أن ذوي الإعاقات الحركية والسمعية والبصرية يحققون كل شيء للمجتمع، أما المعاق الذهني فلا يحقق شيئاً! بمعنى تهميشه كأنه لا وجود له، كيف ذلك؟ وهو إنسان له ما لنا وعليه ما علينا؟!
إن الإعاقات الذهنية أشكال وألوان ودرجات فمنهم داون، ومنهم توحد، ومنهم إعاقات خفيفة، وبعضهم يسوقون سيارات، وبعضهم متزوجون وخلفوا أطفالاً، بعضهم أكثر ذكاء ونقاء منا، ونحن بالمقابل بيننا الذكي ومتوسط الذكاء (ومن لا يعرف كوعه من بوعه) أو شديد التخلف أو مجرم أو مزور والمنطق والعدل يفرضان أن للكل الحق أيضا بالرعاية.
إن ذوي الإعاقة الذهنية أينما حلوا يضيفون مزيداً من الفخر، وقد سبق بشهادة الإخوة في نادي المعاقين أن رافقوهم في عدة بطولات عالمية وإقليمية، وسعدوا بذلك، وحقق لهم هؤلاء الأبطال إنجازات كثيرة لعدة سنوات عندما كان لديهم ترخيص الأولمبياد الخاص، وكانت خطوة نادي المعاقين بداية جيدة لإطلاق هذه الفئة للمجتمع، وهي خطوة الألف ميل التي تحتاجها كل شريحة، وعادة تكون مهمة لأن من يبدأها يفترض أن تكون له قناعة ثابتة ومبدئية، ونرجو أن تستمر، حيث شارك الإخوة في نادي المعاقين بهم منذ التسعينيات حتى حوالي 2013 مع الأولمبياد الخاص ببطولات عالمية في آلاسكا، وأيرلندا، والصين، واليونان، وفي دول عربية خليجية ولبنان، وتونس وأبو ظبي ودبي وقطر وغيرها.
وحتى لو لم يكن هناك أولمبياد خاص كالذي أسسته سيدة في أميركا منذ الستينيات، وأصبح الآن يخدم الملايين من هذه الفئة في العالم بما فيها الكويت، وآخرها بطولة برلين 2023 التي شدت إعجاب الشعب الكويتي بما حققه أبناؤها بحضور هيئة الرياضة، فلماذا لا نخترع في الكويت عملاً مميزاً يشد انتباه العالم ويخدم نسبة أكبر من ذوي الإعاقة لسعادتهم وسعادة أسرهم وتحويلهم لقدرات خلاقة بالمجال الرياضي بتواصلهم المستمر مع مجتمعهم في الأندية (إخوتهم وأقاربهم ومدربيهم ومشجعيهم وإدارتهم والمتطوعين من حولهم) في مبان تليق بهم وتسهم في رفع اسم الكويت كما يسهم بقية ذوي الإعاقة وهم بشر لا يختلفون عنهم؟!
فعندما تتحقق للمعاق الذهني الرعاية سيكون عضواً نافعاً، ومن يعتقد الآن أنه غير مفيد للمجتمع فسيشعر بالذنب عندما يكبر، ويرى ما لم يستطع رؤيته الآن، خصوصاً أن رعايتهم مبنية على النظرية نفسها لبقية المعاقين الذين طالبوا بإدارة أمورهم بأنفسهم في حين أولياء أمور المعاق الذهني أيضاً أدرى بمتطلبات أبنائهم وأقدر على إدارتهم.
إن نجاح المعاق الذهني الباهر في السنوات الأخيرة بعد فتح المجال له بإشهار نادي الطموح (وبانتظار تشييد مبان كافية) ثم إعادة ترخيص الأولمبياد الخاص للكويت تحت إدارة أولياء أمورهم المؤهلين بشهادات عليا، ونجاحهم الباهر بذلك وتوسعة نشاطهم ليشمل أعداداً كثيرة من مدارس وأندية دليل يجب أن يفرح له كل أنواع الإعاقات الأخرى كما نفرح جميعاً لبقية الإعاقات.
إن نجاح ذوي الإعاقات الذهنية لن يسبب أي خسارة للإعاقات الأخرى، ولن يكون منافساً لهم بإنجازاته، وخسارة المعاق الذهني لن تسبب أي ربح للإعاقات الأخرى، وسيكون خسارة للمجتمع، والطريق السالك الصحيح يحتاج تكاتف جميع الإعاقات مع المعاق الذهني لأنهم في خندق واحد يجمعهم جناح الداعمين لهم من جمعيات نفع عام وأندية ومراكز ومتطوعين يعملون معاً لرفعة شأن كل الإعاقات، فلماذا تأسست هيئة الرياضة وجمعية الدوان وجمعية التوحد وجمعية متابعة قضايا المعاقين، وجمعية أهالي المعاقين، ونادي الطموح، والأولمبياد الخاص الكويتي، وروابط، وغيرهم من متطوعين؟
ألم يعمل كل منهم على رفعة شأن ذوي الإعاقة بكل أشكالها؟! فهذا طريق سائر إلى الأفضل والإسراع فيه يتطلب (عدا ممن هوايته خالف تعرف) أن يتكاتف على توفير مقار ودعم لكل هذه الجهات، فهي تعمل لصالح المعاق، وتواجه نقصا بالأماكن والدعم المالي، وهي بالأساس تعمل لحماية كل شرائح ذوي الإعاقة فليخصصوا جزءاً من جهودهم لدعم هذه الجمعيات.
على كل حال المعاق الذهني مع الأيام وبجهود المخلصين فرض نفسه، فمن خلال هيئة الرياضة وجمعيات النفع العام ومتابعة أولياء الأمور حصل على بعض حقوقه بعد أن أثبت قدرات وإنجازات دولية وإقليمية وخليجية في الرياضة وميداليات بأعداد فاقت المتوقع، واستجدت رياضات جديدة كالبيسبول والتزلج على الجليد والفروسية، بالإضافة للإبداعات بنشاط الرسم والطبخ ومسابقات القرآن الكريم وغيرها، فلماذا ومن المستفيد من تكسير أجنحة هذه الفئة وإبقائها في مستنقع التخلف وحرمانها؟!
نعم إن بعض وسائل التواصل بدأت بانحدار غريب عكس السير، بقدرة خفية وسر لا يعلمه إلا الله للسير بعزل المعاق الذهني، وعدم الاعتراف ببشريته ومواطنته.
إن طريق العدل يتطلب الآن من ذوي الإعاقات الحركية والسمعية والبصرية أن يدعموا إخوتهم من ذوي الإعاقات الذهنية بطلب تخصيص أراض لنادي الطموح ولغيره إذا دعت الحاجة، وفتح أندية الشباب لذوي الإعاقات الذهنية لانتشارهم في مناطق الكويت لدعم نادي الطموح، والمطالبة أيضا بتوفير أندية لما تم إشهاره من أندية للمعاق الحركي أسوة بنادي المعاقين، والكل سيفرح لهم، فلا نذكر يوماً أن جاء أحداً، وقال إن المترددين على نادي المعاقين والمستفيدين منه أعداد قليلة، فلماذا تميزهم بهذا النادي الكبير، كما أننا لن نقف مع من يقول، لماذا تخصصون أندية للإعاقات الحركية والسمعية والبصرية، يجب أن يتجهوا للدراسة الجامعية ثم الدكتوراه، ليستفيد المجتمع منهم (وهذا رأي صحيح يتناسب مع من يريد السير عكس الاتجاه لأنه بالمفهوم نفسه).
نتمنى من أصحاب العلم والتخصصات الأكاديمية شرح ضرورة دمج المعاق الذهني كل حسب قدراته، ولا يترك الموضوع للاجتهادات، فالإنسان ليس لعبة أو كرة يتقاذفها كل على هواه.
والسؤال الكبير ماذا حدث وتغير من الاهتمام بالمعاق الذهني والتفاخر ببطولاته، وصرف الأموال عليه ومرافقته لتحقيق أكبر عدد من الإنجازات في دول العالم إلى الرجوع للوراء لتهميشه، بعد أن زادت أعداد هؤلاء المعاقين وكثرت إبداعاتهم وانطلقوا لمجتمع مفتوح؟ وما الهدف من إعادة تخلفهم وزيادة معاناة أسرهم؟!
أعتقد أن هيئة الرياضة مطالبة بفتح قسم خاص يتبع للرئاسة بعلماء في العلوم الإنسانية ليكون مرجعا علميا، وعدم ترك الأمور للاجتهادات، فنحن الآن في مرحلة تعديل المسار.
* ولي أمر لإعاقة ذهنية