وسط تشكك عبري في نجاعة الحملة غير التقليدية وقدرتها على وقف الهجمات الفلسطينية، التي تنطلق من المنطقة الواقعة بالضفة الغربية المحتلة، انتهت عملية الجيش الإسرائيلي في جنين ومخيمها، بعد منتصف ليل الثلاثاء ـ الأربعاء رسمياً، بعد 48 ساعة من القتال، ما أسفر عن مقتل 18 فلسطينياً، وإصابة 120 بينهم 30 بحالة حرجة، فضلاً عن مصرع جندي إسرائيلي بالرصاص خلال عملية الانسحاب.
وأفاد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي العميد دانئيل هجري بأن العملية التي أُطلق عليها اسم «بيت وحديقة» انتهت رسمياً، وغادر الجنود منطقة جنين ما سمح للسكان بالعودة إلى الشوارع وإلى المساكن التي أُجبروا على تركها خلال الاجتياح الإسرائيلي للمنطقة بمساندة غارات جوية وطائرات مسيّرة وجرافات عسكرية.
عودة وانتقادات
لكن هجري عاد، صباح اليوم، وقال إن «قوات الجيش ستدخل جنين ومخيمها مرة أخرى لاستكمال الاعتقالات بناءً على معلومات استخبارية من المتوقع أن يتم تلقيها في وقت لاحق».
وأضاف: «نستعد لنشاط محاربة العنف الروتيني ولا يوجد حلٌّ سحري هنا»، متابعا: «عثرنا على مخابئ ومخازن أسلحة ونفق تحت الأرض يستخدم لتخزين المتفجرات وقمنا بتفكيك بنية عسكرية تستخدم ضدنا».
ورد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي على انتقادات من اليمين المتطرف، مفادها أن حكومة بنيامين نتنياهو تأثرت بشكل مفرط بالرأي العام العالمي والدعوات التي أُطلقت من عدة عواصم لتوفير حماية لجنين، قائلاً إن «أحد مبادئ مكافحة العنف في الساحة الفلسطينية هو الأخذ بعين الاعتبار حماية السكان غير المتورطين به. لم يُقتل في هذه العملية أيُّ مدني فلسطيني، إنما فقط مسلحون. اعتقلنا 300، منهم 30 كنّا نبحث عنهم، أما البقية فقد هربوا ولم يأتوا للقتال».
وأضاف أن «حركتي حماس والجهاد تسيطران على مخيم جنين، وليس للسلطة الفلسطينية أي سيطرة. آمل أن تتمكن السلطة بعد العملية من تعزيز قبضتها».
ومع اكتمال انسحاب أرتال ومدرعات الجيش اسرائيلي من جنين ومخيمها اللذين اتشحا بالسواد جراء الدخان الكثيف الذي غطى المباني التي لحقت أضرار بعدد كبير منها، انتشر العشرات من المسلحين الفلسطينيين بينهم ملثمون وقاموا بنصب حواجز حديدية على مداخل المخيم تحسباً لجولة جديدة من القتال.
وقال أحد المسلحين إن «الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق أي من أهدافه، وانسحب تحت ضغط وقوة المقاومة التي تصدت له».
وأغلقت المحلات التجارية في جنين وسط إضراب عام. وتجمع آلاف الفلسطينيين في الشوارع رافعين الأعلام الفلسطينية ورايات الفصائل وهم يهتفون «الروح بالدم نفديك يا شهيد... والشهيد حبيب الله»، قبل مشاركتهم في تشييع جثامين 10 ضحايا بينهم 5 أطفال دون سن الـ 18.
في غضون ذلك، قال رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» إسماعيل هنية: «كل الخيارات لإسناد جنين كانت على الطاولة. أوصلنا رسائل واضحة للعدو، بأن المقاومة في كل الساحات ليست في منأى عما يجري».
ورأى هنية أن «جيش الاحتلال انسحب من مخيم جنين وذيله بين رجليه»، مشدداً على أن «المقاومة اعطت درسا للاحتلال رغم سقوط ضحايا، والأيام المقبلة ستكشف حجم الضربة التي تلقها العدو».
من جهته، اعتبر الأمين العام لحركة «الجهاد» زياد النخالة، أن «الشعب الفلسطيني حقق نصراً كبيراً»، في حين قالت «سرايا القدس» الذراع العسكرية لـ «الجهاد» إن «كتيبة جنين» تتحدى الرقابة العسكرية الإسرائيلية بالكشف عن عدد قتلى وجرحى الجيش.
في هذه الأثناء، قال رئيس بلدية جنين نضال أبوصالح، إن «الأخطر هو ما حدث داخل المخيم حيث لا كهرباء ولا ماء ولا طرق لمن يحتاجون للذهاب إلى المستشفى»، مشيرا إلى بدء عملية لحصر الخسائر التي تقدر بملايين الدولارات جراء العدوان.
وتفقد السكان الدمار الواسع النطاق الذي خلفه الجيش الإسرائيلي في المخيم حيث دمرت جدران مبان أو أحدثت فيها فجوات وتُركت السيارات كتلا محطمة وتناثرت أغطية الرصاص الفارغ والزجاج المكسور في الشوارع. وتسببت العملية العسكرية في نزوح ما لا يقل عن 3000 من سكان المخيم. وفتحت المدارس والكنائس في محيط جنين أبوابها لإيوائهم.
غارات غزة
وبعد ساعات من إعلان انتهاء عملية جنين، شنت إسرائيل غارات جوية على غزة بعدما اعترضت منظومة «القبة الحديدية» الدفاعية خمسة صواريخ أُطلقت من القطاع سقطت شظايا أحدها في سديروت.
وأفادت مصادر فلسطينية بأن الغارة التي شنت فجر اليوم استهدفت موقعاً عسكرياً لحركة «حماس» في شمال غزة من دون وقوع إصابات، في حين ذكرت تقارير عبرية أن الضربات استهدفت موقعا لإنتاج المواد الخام للصواريخ.
والاثنين الماضي، هدد وزير الطاقة والبنى التحتية يسرائيل كاتس باغتيال قادة «حماس» و«الجهاد» في حال إطلاق قذائف صاروخية من القطاع باتجاه إسرائيل لمساندة جنين.
وفي وقت لا تزال حالة اثنين من الجرحى التسعة، بحادث الدهس الانتقامي الذي نفذه فلسطيني ينتمي لـ «حماس»، أمس، في تل أبيب، حرجة جداً، تعرضت مركبة تابعة للشرطة الإسرائيلية، وواجهة محل تجاري في مدخل مستوطنة إسرائيلية قرب نابلس لهجوم إطلاق نار بدون وقوع إصابات.
اجتماع مصر
إلى ذلك، كشف عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير نائب رئيس الوزراء زياد أبوعمرو موافقة مصر على استضافة اجتماع للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية بعد دعوة أطلقها الرئيس محمود عباس.
وقال أبوعمرو، إن الاجتماع الذي لم يحدد موعده يستهدف «الاتفاق على رؤية وطنية شاملة وتوحيد الصف الفلسطيني». وكانت بعض الفصائل أبدت حذرها من الدعوة ودعت إلى آليات واضحة لتنفيذ النتائج التي قد تصدر عنها.