• كيف كان لسنوات نشأتك الأولى أصداء على قصيدتك؟

- قبل انتقالي لمدينة الإسكندرية الساحلية منذ سبع سنوات، كانت نشأتي في صعيد مصر، ودرست في الأزهر الشريف حتى أنهيت دراستي في كلية الشريعة والقانون، ثم حصلت على درجة الماجستير في القانون.

أعتقد أن تلك النشأة كان لها أثرها الكبير في قاموسي الشعري. يخبرني البعض أن الخيالات الجنوبية والموروث الثقافي يظهران فيه، كما يطل التصوف الروحي برأسه من بين النصوص. كان أيضاً استشهاد الطفل محمد الدرة في انتفاضة الأقصى عام 2000 من أولى الصور التي انفعلت وتفاعلت معها بالكتابة، فأنا ابن الجيل الذي نشأ على أوبريت «الحلم العربي». • التشريع والشعر... كيف التقى سَن القوانين مع نظم القصائد في تجربة واحدة؟ بمعنى آخر كيف استفدت من دراسة القانون في عالم الإبداع الأدبي؟
Ad


- قد يبدو للوهلة الأولى أنه لا علاقة بينهما، لكن بنظرة أكثر اتساعاً، فإن العلاقة بين رجل القانون ومبدع القصيدة ممكنة واقعياً جداً، فالقانون وظيفته ومهمته الدفاع عن الحق والانحياز إليه دائماً، وقضية الشاعر دوماً هي الانحياز للحق والجمال.

الصنعة والموهبة

• تكتب الشعر الفصيح والدارج، لكن أيهما أقرب إلى قلبك وقلمك؟ وهل موضوع القصيدة هو المتحكِّم في ذلك أم الحالة الشعورية وقت الكتابة؟

- بداية كتابتي كانت باللغة العربية الفصحى، لكنني لم أجد فيها البراح الكافي الذي وهبتني إياه العامية المصرية، فلم أُطِل البقاء بين جدران الفصحى، وخاصة أنني من المؤمنين بأن اللغة كائن حي يتطوَّر بمرور الوقت والتعايش، وأنها مجرد وعاء يسكب فيه الشاعر أفكاره، فكم من نصوص بالفصحى لا ترقى إلى الشعر، لأنها مسطحة مفرغة المضمون، وكم من نصوص عامية تتوهج شعراً. أما المُتحكِّم في ذلك، فإنني أعتقد أن هذا النوع من الفن، رغم إنهاكه للشاعر نفسياً وذهنياً، فإنه نموذج حي للمعاناة الشعرية، التي لا أقصد بها، كما يعتقد البعض، أنها معاناة الشاعر الحياتية، بل أقصد بها عملية الإبداع، فشعر التفعيلة أو الحُر لا ينطلق من غرض مسبق يشرع الشاعر في التعبير عنه، لكنها التجربة النفسية له، فالقصيدة هي صورة لإحساس الشاعر في لحظة ما استطاع أن يعبِّر عنها، وهي مشروع مُنجَز لابد له من بناء وتصميم مُحكم، ولا تكون مهلهلة أو مترهلة في نفس الوقت، فالصنعة الشعرية تحتاج إلى وعي كامل، أما الموهبة الشعرية، فتحتاج إلى اللاوعي، حتى يحدث التدفق والتتابع ونمو الصور، وهنا نستطيع القول إن الشاعر امتلك أدواته.

المعادلة المستحيلة

• رغم أن «دوبامين» هرمون يُعزِّز الشعور بالسعادة، فإن مسحة حزن تسيطر على أجواء ديوانك الذي يحمل نفس الاسم، فهل تبحث بقصائدك عن سعادة ضائعة؟!

- الشاعر يحلم دائماً بالمعادلة المستحيلة، حتى إن كان الواقع جميلاً، فهو دائماً يحلم بواقع أجمل. لمَنْ لا يعلم، فإن ذلك الديوان كُتب تحت تأثير أدوية الدوبامين، فقد أُصِبت بحالة مرضية ناتجة عن الاكتئاب ألزمتني الفراش لمدة عام كامل، فأتمنى أن يكون الديوان بديلاً للإنسان عن أدوية الدوبامين. • تمتلك قاموساً غنياً بالمفردات الدارجة التي تليق بقصيدة عامية راقية... كيف تقنص تلك المفردات في حياتك اليومية لتوظيفها إبداعياً؟

- الشاعر هو راصد على المستوى الإنساني بمفهومه الواسع، لذا يجب أن تكون نظرته أكثر حداثة للعلاقات بين الأشياء، فالكلاسيكية لا تعني القِدِم، بل هي النظر للعلاقات بين الأشياء بالنظرة القديمة. أما الحداثة، فتمتلك جناحين: الأصالة والمعاصرة في الوقت ذاته، والفنان هو مَنْ يستطيع تحويل إدراكه البصري إلى تعبير مادي أياً كانت صورته على اختلاف أنواع الفنون.

الحب والخيال

• «سولميت»، عنوان ديوانك الأول، معنى مجازي معبِّر عن العشق مع حبيب يشبه توأم الروح... برأيك، ماذا يمنح الحب للشاعر في فضاء الشعر الواسع؟

- الحب هو محرِّك رئيس في ذهن الشاعر لفتح صمام أمان خياله، فالعاشق أكثر الناس قدرة على التعبير لأنه أحس، أقول - رغم أن ذلك قد يضيق به صدر البعض - إني أرى أن الشعر لا يصل إلى الجميع، بل يجب أن تكون هناك أرضية مشتركة بين الكاتب والمتذوق، أولها الإحساس، أما غير ذلك فلا مجال لانتقال التجربة الجمالية كاملة بينهما وإحداث نفس التأثير الانفعالي عند المتلقي. الشاعر يحب ويكره، يحب الخير والجمال والحق، ويكره ما دون ذلك. يحب الأنثى، سواء كانت في صورة أمه التي وهبته الحياة، أو الأخت، أو الصديقة. يحب الوطن، سواء كان وطن الميلاد، أو الوطن الذي يتحسسه دوماً بين أحضان الحبيبة.

لغة عالمية

• ينتهي بعض قصائدك بما يشبه الحكمة: (القصة أبداً يوم ما كانت بالعدد/ اتنين سند بيكونوا أبرك من بلد)... إلى أي مدى تؤمن بأن الشاعر وجه آخر للحكيم؟!

- الشعر لغة عالمية للتفاهم والترابط الإنساني، والشاعر في المقام الأول إنسان استطاع التعبيرعن تجربة، كلما نضجت هذه التجربة الحياتية أضافت له قدراً من الحكمة نتيجة للخبرة. ولأن الشعر أحد فنون المؤلفات، والفن هو دواء الوعي الإنساني، فيظهر ذلك الوجه عندما يقوم الشعر بدوره، فالشعر لا يقدِّم دواءً لفساد الوعي مثلاً، بل هو الدواء ذاته.

• أخيراً، ما مشروعك الإبداعي الذي تعكف على إنجازه راهناً؟

- أنهيت ديواني الأخير (دوبامين)، ولديَّ أيضاً رواية تأهلت للقائمة القصيرة لجائزة الورداني، والآن أنا شغوف أن أنهي مشروعاً بحثياً خاصاً بالتراث والفلكلور الجنوبي، كنت قد بدأته قبل سنوات، لكن أبعدني عنه الشعر والرواية، وأعتقد أنه حان الوقت لمعاودة النظر فيه مُجدداً.