«سواء كان الأمر يتعلق بالطحين أو إنفلونزا الطيور، فإن ارتفاع أسعار البيض مع انتشار هذه الأخبار على الصعيد الوطني يمثل فرصة لرفع أسعار منتجاتنا بدون تلقي الشكاوى من العملاء، هذا ليس تلاعباً في الأسعار، لكنه استغلال للتوقيت».

كانت هذه الكلمات لكين جاروش مالك مخبز في شيكاغو الأميركية أثناء حديثه عن كيفية تسعيره للمنتجات مع ارتفاع تكاليف الإنتاج.

Ad

ورغم أن هذه العبارة جاءت على لسان صاحب عمل صغير، فإنها قد تمثل إشارة حول التوجه العام للشركات حول العالم.

وبدأ بعض صانعي السياسات في توجيه أصابع الاتهام إلى الشركات وسعيها لزيادة هوامش الأرباح، وسط استمرار قوة التضخم، رغم المحاولات المضنية من البنوك المركزية للسيطرة على وتيرة ارتفاع الأسعار.

التضخم العنيد

يتباطأ التضخم في العديد من الاقتصادات المتقدمة في الأشهر الأخيرة، لكنه لايزال أعلى كثيراً من مستهدف البنوك المركزية، ما شكّل مفاجأة للعديد من الاقتصاديين والمسؤولين حول العالم.

وسجل مؤشر أسعار المستهلكين الأميركي ارتفاعاً بنسبة 4 في المئة في مايو الماضي على أساس سنوي، مقابل ذروة تجاوزت 9 في المئة في منتصف 2022، لكن التضخم لايزال بعيداً عن هدف الفدرالي حول 2 في المئة.

كما بلغ التضخم السنوي في منطقة اليورو 5.5 في المئة في القراءة الأولية لشهر يونيو، مقارنة بـ8.6 في المئة قبل عام، لكنه لا يزال أكثر من ضعف المستهدف البالغ 2 في المئة.

وشكّل استمرار التضخم عند هذه المستويات المرتفعة صدمة بالنسبة لكثير من المتابعين وحتى لواضعي السياسة النقدية.

وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، إن التضخم في منطقة اليورو لايزال عند مستويات مرتفعة، مع بطء التحسن في وتيرة ارتفاع الأسعار. كما اعتبر رئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول، أن المعركة ضد التضخم قد تستمر لسنوات، رغم رفع معدلات الفائدة في كل اجتماع منذ مارس 2022 باستثاء الاجتماع الأخير في يونيو الماضي.

ما الذي يقود التضخم؟

ينتج التضخم عادة عن عدم التوازن بين الطلب والمعروض، أو ما عبر عنه الاقتصادي الشهير ميلتون فريدمان بعبارة «كثير من النقود يطارد القليل من السلع».

لكن رغم تحسن اضطرابات سلاسل التوريد ودورة تشديد السياسة النقدية المستمرة منذ عام ونصف لخفض الطلب، لايزال تضخم المستهلكين عند مستويات مرتفعة في معظم الاقتصادات الكبرى.

وواصل الكثير من الشركات رفع أسعار منتجاتها بوتيرة قوية، رغم تراجع أسعار النفط والنقل والمواد الخام بعد القفزة التي شهدتها بعد بدء الحرب الروسية في أوكرانيا.

ويرجع معظم تباطؤ التضخم في منطقة اليورو في الأشهر الماضية إلى تراجع أسعار الطاقة، بينما شهد التضخم الأساسي – الذي يستبعد الطاقة والغذاء – تسارعاً من 5.3 في المئة في مايو إلى 5.4 في المئة في يونيو.

كما عاودت أسعار المواد الغذائية في منطقة اليورو الارتفاع بوتيرة سريعة، بعد أشهر من التباطؤ مؤخراً.

التضخم الناتج عن الأرباح

«تضخم الأرباح» أو «تضخم البائعين» أو «تضخم الجشع»، كلها مصطلحات ظهرت مؤخرًا في إطار اتهامات للشركات بالمسؤولية عن استمرار قوة التضخم.

وأشار صندوق النقد الدولي في دراسة حديثة إلى أن 45 في المئة من الزيادة في أسعار المستهلكين في منطقة اليورو في الفترة من بداية 2022 حتى مارس 2023 كانت نتيجة ارتفاع أرباح الشركات، بينما شكّلت الأجور 25 في المئة، والباقي لأسعار الواردات.

وفي المملكة المتحدة، شكّلت أرباح الشركات نسبة في التضخم مماثلة لتلك المسجلة في منطقة اليورو خلال النصف الثاني من 2022، لكن ارتفاع الأجور كان العامل المهيمن في البلاد.

وكشفت هيئة الإحصاءات الفرنسية أن هوامش أرباح شركات الغذاء كانت أعلى في الربع الأول من هذا العام بنسبة 9.3% مقارنة بمستويات عام 2018.

وتبرز شركة «بيبسيكو» الأميركية كمثال على كيفية قيام الشركات الكبرى برفع أسعار منتجاتها بوتيرة تتجاوز مجرد التحوط من زيادة التكاليف.

وفي شهر فبراير الماضي، قال المدير المالي لشركة المشروبات الأميركية، هيو جوستون، إن «بيبسيكو» رفعت أسعار منتجاتها بوتيرة كافية للتحوط من ضغوط التكاليف في 2023.

لكن بنهاية شهر أبريل، أشارت الشركة إلى أنها رفعت أسعار منتجاتها 16 في المئة في أول 3 أشهر من العام، ما يضاف إلى زيادة مماثلة في الربع الرابع من 2022 وزيادة هامش أرباحها.

وبحسب بيانات «فاكتسيت»، ارتفع صافي هامش أرباح الشركات في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» منذ نهاية العام الماضي، رغم التوقعات التي كانت تشير لتراجعها بشكل طفيف.

قالت رئيسة المركزي الأوروبي في شهر مايو الماضي إنه في بعض القطاعات، قامت الشركات بزيادة هوامش الأرباح استغلالًا لعدم التوافق بين العرض والطلب وعدم اليقين الناتج عن التضخم المرتفع والمتقلب.

وكررت لاغارد رؤيتها في يونيو بقولها: «بعض القطاعات استغلت الأمر لتمرير التكاليف بشكل كامل بدون خفض هوامش أرباحها، وفي بعض الحالات، رفعت الأسعار بوتيرة تتجاوز مجرد تمرير التكاليف».

ومن جانبه، قال رئيس الاحتياطي الفدرالي أمام الكونغرس الأميركي إنه في حال تراجع أرباح الشركات من مستوياتها المرتفعة، فإن التضخم قد يتباطأ مع استمرار النمو المستدام في أجور العمال.

وذكر وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، أن بلاده لن تسمح للشركات الكبرى بتحقيق هوامش ربح مفرطة، مشيراً إلى أنه مستعد لإعلان أسماء شركات غير راغبة في تمرير التكاليف المخفضة للمستهلكين.

ودعت الحكومة الفرنسية 75 شركة صناعية لإرسال قائمة بحلول نهاية يونيو بالمنتجات التي ستخفض أسعارها. وفي المملكة المتحدة، تعتزم هيئة المنافسة والأسواق نشر نتائج تحقيقاتها بشأن أسعار الغذاء في البلاد في شهر يوليو.

وقال وزير الخزانة البريطاني جيرمي هانت: «نعمل بشكل جاد لخفض معدلات التضخم إلى النصف هذا العام، الشركات أيضًا يجب أن تلعب دورًا، وسنراقب عن كثب التطور الذي تقوم به هذه المؤسسات».

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد هاجم مرارًا شركات الطاقة، متهمًا إياها باستغلال أزمة الحرب الأوكرانية لزيادة أرباحها على حساب المستهلكين الذين يعانون ارتفاع التكاليف.