في حكم قضائي بارز، ألزمت الدائرة المدنية بالمحكمة الكلية، برئاسة المستشار فيصل الحربي وعضوية القاضيين محمد عبدالرحمن ولولوة الغانم وكيل وزارة الصحة ومدير مستشفى ابن سينا بتعويض مواطن وأبنائه مبلغ 5001 دينار، على سبيل التعويض المؤقت، بما يفتح لهم باب التعويض النهائي نتيجة الخطأ الواقع من طبيبين في المستشفى أدى الى استخدامهما أسلوباً علاجياً خاطئاً مع زوجة المواطن مما تسبب في وفاتها.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها انها تستخلص من الواقعة توافر التقصير في المسلك الطبي للفريق المعالج التابع للمستشفى ووزارة الصحة والمتمثل في عدم التريث نحو بحث خيارات العلاج، سواء المتاحة في دولة الكويت، أو تلك المتوفرة في الخارج، وعرضها على المريضة وذويها، وما إذا كان العلاج بطريقة «سكين جافا» المشار إليه بتقرير الطب الشرعي هو العلاج الأنسب لها من عدمه، دون أن ينال من ذلك ما قام به زوجها المدعي من توقيع على الإقرار بالموافقة على إجراء العملية الجراحية والإلمام بمخاطرها.
وذكرت أن هذا الإقرار وإن كان يدل على أن المدعي تفهّم الأمور غير المتوقعة في حال إجراء العملية إلا أنه قد أسلم أمر زوجته كله للطبيب بأن يعالجها على حسب رأيه المهني، ومن ثم فإن مرجع الأمر كله، حتى مع توافر التوقيع على هذا الإقرار، هو مسلك الطبيب المهني واتفاقه مع أصول الفن الطبي الثابتة وقواعده العلمية الأساسية، وعليه فإن هذا الإقرار لا يحول دون قيام مسؤولية وكيل وزارة الصحة بصفته عن الخطأ الذي شاب مسلك الفريق الطبي التابع له حال اندفاعه نحو إجراء العملية الجراحية للمذكورة مع دقة وصعوبة الحالة لاتصالها بجراحة المخ والأعصاب وما نجم عنها من حدوث مضاعفات أدت إلى وفاتها على الرغم من أنه كان من الممكن تلافيها بسلوك طرق العلاج الأكثر أمانًا، آخذةً المحكمة بالاعتبار واجب الدقة في التشخيص والاعتناء المفروضين على الأطباء والجراحين القائمين بهذا المجال مما يلزم معه استعمال منتهى الشدة معهم وجعلهم مسؤولين عن أي خطأ ولو كان يسيراً.
وأضافت: وحيث إن وقائع الدعوى تتحصل في أن المدعي أقامها ابتداءً بموجب صحيفة أودعت إدارة الكتاب وأعلنت قانونا، طلب في ختامها الحكم بندب خبراء الطب الشرعي لدى المدعى عليه الثالث للاطلاع على الملف الطبي للمرحومة على سند من القول بأن المدعي كان زوجاً للراحلة وقد رزق منها بالأبناء وبسبب معاناة المذكورة من آلام بالرأس وبحة في الصوت ونزول ظاهر في الوزن، راجعت مستشفى الفروانية ومن ثم تمت إحالتها إلى مستشفى ابن سينا، وكشفت الفحوصات التي تمت عليها عن وجود ورم صغير في المخ، وأفاد الأطباء بأنه لا يمكن علاجه إلا عن طريق جراحة ميكروسكوبية، ودون ذكر بدائل آمنة لعلاج نفس الحالة. وإذ أبدى المدعي رغبته في علاج زوجته المذكورة في الخارج نظرا لدقة جراحات المخ إلا أن الطبيبين أكدا له نجاح العملية بنسبة 98 في المئة، وبأن نسبة الخطورة فيها لا تصل إلى 2 في المئة إلا أنه، وبعد إجراء العملية، حدث تدهور سريع في الحالة الصحية للمريضة أصيبت على أثرها بغشاوة شديدة في العين، ودخلت في غيبوبة كاملة، ثم أجريت لها جراحة أخرى لوجود نزيف داخل المخ ثم توفيت.
الطب الشرعي
وقالت المحكمة، إن إدارة الطب الشرعي انتهت في تقريرها إلى أن حدوث الأعراض أمر وارد خلال جراحات المخ بصفة عامة، وقد يؤدي لمشاكل بسيطة أو عواقب وخيمة ومن ضمنها الوفاة، ولم يتبين من استقراء الأحداث المدونة بأوراق العلاج ما يشير لوجود مشكلة تقنية خلال الجراحة من شأنها أن تتسبب فيما حدث، وبأن الورم المذكور بطبيعته وموضعه يمكن بصفة عامة التعامل معه باستئصاله، أو ما يمكن منه، إما بالجراحة التقليدية، أو بالإشعاع باستخدام ما يعرف بسكين جاما، أو بكليهما على أكثر من مرحلة، دون وجود طريقة مثلى، فلكل مزاياها وعيوبها، والنتيجة في كل الأحوال غير مضمونة، فقد لا تتحسن الحالة أو تزداد سوءًا في بعض الأحيان رغم وجود خطأ طبي، ومعدل رجوع الورم مرتفع، وكذا معدل حدوث تلف بالأعصاب الدماغية التي يحيط بها الورم في منطقة مجاورة لجذع المخ كما في الحالة الماثلة.
وأضافت: أن أهم ما يميّز سكين جاما - على حساب أمور أخرى – هو أنها لا تحتاج للجراحة بمفهومها التقليدي، وبالتالي يقل كثيرًا – دون أن ينعدم – احتمال حدوث المضاعفة التي حدثت وتسببت بالوفاة، كما أن أشعة جاما مناسبة أيضا بعد الجراحة التقليدية لاستئصال ما تبقى من الورم إن كان. وبأن قرار الإجراء الجراحي الذي تم كان صحيحًا كونه أحد الخيارات الموصى بها، لكن في ظل الظروف المشروحة كان يتعين مشاركة المريضة في اتخاذ القرار، بعد شرح مزايا وعيوب الخيارين تفصيلا، وترك حرية الاختيار المستنير لها، رغم ما يسببه ذلك من ازدياد حيرة المريض وتردده نظرًا لعدم القدرة في معظم الأورام المشابهة من حيث الموضع النادر والمعقد على تقديم ضمانة للمريض بأن الإجراء المزمع سيكون شافيًا تمامًا أو آمنًا بصورة كاملة، ولم يتبين من خلال ملف العلاج أو مناقشة الطبيبين أن المريضة قد عُرض عليها الخيار الآخر، وهو ما يراه مخالفًا للأعراف الطبية.
وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها أنه من المقرر بأن المناط في مسئولية الطبيب عن خطئه المهني أن يثبت بصورة أكيدة أنه خالف في سلوكه عن جهل أو تهاون أصول الفن الطبي الثابتة وقواعده العلمية الأساسية التي لا مجال للجدل فيها أو الخلاف، وأن تكون ثمة رابطة سببية بين هذا الخطأ والأضرار التي تحدث للمريض، وأن تقدير توافر أو نفي الخطأ الموجب للمسؤولية ورابطة السببية بينه وبين الضرر هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع بغير معقب، مادام استخلاصه سائغًا ومستندًا إلى ما هو ثابت بالأوراق.
ولفتت المحكمة إلى أن استخلاص توافر خطأ الطبيب المعالج أو نفي الخطأ الموجب لمسؤوليته هو من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع الذي له في سبيل الموازنة بين تقارير الخبراء المقدمة في الدعوى وترجيح ما يطمئن إليه منها وهو من بعد ليس ملزمًا بتتبع الخصوم في شتى مناحي أقوالهم والرد عليها استقلالا، إذ أخذه بالحقيقة التي اقتنع بها وأورد دليلها ما يفيد إطراحه لما عداها.
ان النص في المادة 240 من القانون المدني على أن:
1- يكون المتبوع مسؤولاً في مواجهة المضرور، عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع، متى كان واقعاً منه، في أداء وظيفته أو بسببها.
2- وتقوم رابطة التبعية، ولو لم يكن المتبوع حراً في اختيار تابعه، متى كان من شأن المهمة المكلف بها التابع أن تثبت للمتبوع سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه يدل – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – على أن مناط مسؤولية المتبوع عن الضرر الناجم عن فعل التابع هو علاقة التبعية التي تقوم كلما كان للمتبوع سلطة فعلية على التابع في الرقابة والتوجيه، ولو كانت هذه الرقابة قاصرة على الرقابة الإدارية وأن يكون العمل غير المشروع قد وقع من التابع في أداء وظيفته وبسببها، وتقوم علاقة التبعية على توافر الولاية في الرقابة والتوجيه، بأن يكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر والتعليمات إلى التابع في طريقة أداء عمله المكلف به من قبله ومن الرقابة عليه في تنفيذ هذه الأوامر ومحاسبته عند الخروج عليها، سواء عن طريق العلاقة العقدية أو غيرها، وسواء استعمل المتبوع هذه السلطة أو لم يستعملها، طالما كان في استطاعته استعمالها، ومؤدى ذلك كله أن علاقة التبعية التي تقوم عليها مسؤولية المتبوع عن خطأ تابعه قوامها خضوع الأخير لأوامر المتبوع في كيفية أداء عمله الذي يزاوله لحساب هذا المتبوع وأن يكون ملزماً بتنفيذ هذه الأوامر دون أن يكون له في تكييفها نصيب يذكر في التفكير الشخصي.
مضاعفات أدت للوفاة
وقالت المحكمة إن المذكورة قامت بإجراء جراحة لاستئصال ما أمكن من الورم، ونتجت مضاعفات بحدوث تجلط داخل الجيوب الوريدية السحائية القريبة، لينتهي الأمر بالوفاة بعد حوالي أسبوعين من الجراحة، كما أن الورم المذكور بطبيعته وموضعه يمكن بصفة عامة التعامل معه باستئصاله، أو ما يمكن منه، إما بالجراحة التقليدية، أو بالإشعاع باستخدام ما يعرف بسكين جاما، أو بكليهما على أكثر من مرحلة، دون وجود طريقة مثلى، فلكل مزاياها وعيوبها.
واستدركت إلا أن أهم ما يميّز سكين جاما هو أنها لا تحتاج للجراحة بمفهومها التقليدي، وبالتالي يقل كثيرا – دون أن ينعدم – احتمال حدوث المضاعفة التي حدثت وتسببت في الوفاة، كما أن أشعة جاما مناسبة أيضا بعد الجراحة التقليدية لاستئصال ما تبقى من الورم إن كان.
وأكدت أنه كان يتعين مشاركة المريضة في اتخاذ القرار، بعد شرح مزايا وعيوب الخيارين تفصيلا، وترك حرية الاختيار المستنير لها، ولم يتبين من خلال ملف العلاج أو مناقشة الطبيبين أن المريضة قد عُرض عليها الخيار الآخر، وهو ما يعد مخالفا للأعراف الطبية، وهي النتيجة التي تطمئن إليها المحكمة وتأخذ بما ورد بها وبالتقرير محمولاً على أسبابه، ملحقة إياه بأسباب هذا الحكم.
واستخلصت المحكمة مما تقدم توافر التقصير في المسلك الطبي للفريق المعالج التابع للمدعى عليه الأول والمتمثل في عدم التريث نحو بحث خيارات العلاج، سواء المتاحة في دولة الكويت، أو تلك المتوافرة في الخارج، وعرضها على المريضة وذويها، وما إذا كان العلاج بطريقة (سكين جاما) المشار إليه بتقرير الطب الشرعي هو العلاج الأنسب لها من عدمه.
توقيع الإقرار
وبينت أن ذلك لا ينال منه ما قام به زوجها المدعي من توقيع على الإقرار بالموافقة على إجراء العملية الجراحية والإلمام بمخاطرها، لأن هذا الإقرار وإن كان يدل على أن المدعي تفهّم الأمور غير المتوقعة حال إجراء العملية إلا أنه قد أسلم أمر زوجته كله للطبيب بأن يعالجها على حسب رأيه المهني، ومن ثم فإن مرجع الأمر كله، حتى مع توافر التوقيع على هذا الإقرار، هو مسلك الطبيب المهني واتفاقه مع أصول الفن الطبي الثابتة وقواعده العلمية الأساسية، وعليه فإن هذا الإقرار لا يحول دون قيام مسؤولية المدعى عليه الأول بصفته عن الخطأ الذي شاب مسلك الفريق الطبي التابع له حال اندفاعه نحو إجراء العملية الجراحية للمذكورة مع دقة وصعوبة الحالة لاتصالها بجراحة المخ والأعصاب وما نجم عنها من حدوث مضاعفات أدت إلى وفاتها على الرغم من أنه كان يمكن تلافيها بسلوك طرق العلاج الأكثر أماناً.
وأخذت المحكمة بالاعتبار واجب الدقة في التشخيص والاعتناء المفروضين على الأطباء والجراحين القائمين بهذا المجال مما يلزم معه استعمال منتهى الشدة معهم وجعلهم مسؤولين عن أي خطأ ولو كان يسيرا، خصوصا إذا ساءت حالة المريض بسبب معالجتهم، ومن ثم يُسأل المدعى عليه الأول بصفته عن الأضرار الناجمة عن ذلك، ليتحقق به ركن الخطأ الموجب للمسؤولية التقصيرية تجاهه من حيث الخطأ مار البيان ابتداءً، ومن حيث تحقق الأضرار، أيا كانت، وأخيراً برابطة السببية التي انعقدت ما بين ذلك الخطأ وتلك الأضرار، الأمر الذي تنعقد معه المسؤولية على هذا الأساس وفق ما تطمئن إليه المحكمة دون مماراة تجاه المدعى عليه الأول باعتباره متبوعا.