في خطوةٍ تطرح تساؤلات حول مدى استعداد إيران للاستجابة لشروط التقارب مع دول الخليج، خصوصاً لناحية ما تضمنه اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران في بكين، وتأكيده ضرورة «احترام سيادة الدول»، والالتزام بمبادئ حسن الجوار وكل المواثيق والأعراف الدولية، قال مصدر رفيع المستوى بوزارة الخارجية الإيرانية لـ «الجريدة»، إن بلاده لن تستجيب لدعوة الكويت والسعودية للعودة إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في الحد الشرقي للمنطقة المقسومة المغمورة، التي يقع فيها حقل الدرة الغازي.

وبدلاً من أن تتخذ موقفاً إيجابياً انطلاقاً من مندرجات اتفاق بكين والأجواء الإيجابية التي أرساها في كل المنطقة، يبدو أن إيران قررت وضع اتفاقها مع السعودية تحت اختبار قاسٍ، باختيارها توجيه اللوم إلى الكويت والرياض على توقيع اتفاق ثنائي بينهما قبل أكثر من عام، واللجوء إلى التهديد والتلويح بخطوات أحادية سلبية، تدفع بالمنطقة مجدداً نحو أجواء التوتر والتحدي، وكل ذلك من دون أي إنذار مسبق، بل على العكس من ذلك، لم يُثِر وزير خارجيتها في زيارته الأخيرة للكويت هذه القضية في القنوات الرسمية، ولم يُشِر إلى أي هواجس إيرانية.

Ad

في هذا السياق، قال المصدر الإيراني، إن طهران تعتبر أن الكويت ترسل رسائل متناقضة في شأن «الترسيم»، بتأكيدها عبر وزارتي الخارجية والنفط أنها لا تعترف بأي حق لإيران في حقل الدرة (آرش)، وهذا، بحسب تقدير الإيرانيين، يعني أنه لا معنى لموافقة طهران على دعوات الخارجية الكويتية ونظيرتها السعودية للعودة إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لأن نتيجة المفاوضات بالنسبة إلى الكويت والرياض محسومة مسبقاً.

وأوضح المصدر، أن إيران تعتبر أن حصتها من «الدرة» تزيد على 40 في المئة، ولن تتراجع عن حقها لأي سبب كان، مضيفاً أن عدم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث لن يكون لمصلحة أي طرف، لأن ذلك سيُطلِق سباقاً لسحب موارد الحقل.

وزعم أن المسؤولين الإيرانيين، في كل تصريحاتهم، كانوا يؤكدون أن الحقل مشترك بين إيران والكويت والسعودية، لكن الكويت والرياض بدأتا أخيراً في التصريح بأنه لا حق لطهران في الحقل، وهذا ما ترفضه إيران، وبالتالي لن تجري أي مفاوضات على ترسيم الحدود قبل أن يقبل الطرف المقابل، وما دام ترسيم الحدود البحرية لم يتم بشكل رسمي بين الجانبين فإن موضوع استخراج الثروات يجب أن يتم الاتفاق عليه، أو أن يقوم كل جانب باستخراج الثروات بشكل أحادي، وهذا الأمر ليس مفضلاً لدى إيران، لكن ستكون مُجبرة على القيام بهذه الخطوات رداً على الموقف الكويتي ــ السعودي.

وأشار المصدر إلى أن موضوع الخلاف على ترسيم الحدود وحصص الدول المعنية في هذا الحقل يعود لأكثر من خمسين عاماً، وإصرار الكويت والسعودية على عقد اتفاق ثنائي «غير شرعي» لاستخراج الغاز والنفط من الحقل دون إعطاء حصة لإيران، في إشارة إلى الاتفاق الموقع بين البلدين في مارس 2022 لاستثمار الحقل عبر شركة مشتركة، يعني أن البلدين يريدان فرض أمر واقع، وبالتالي على طهران القيام بالمثل ومحاولة فرض أمر واقع بدورها والبدء بالحفر.

من جهته، أكد وزير النفط الكويتي سعد البراك، أمس، لقناة «العربية»، أن الكويت ماضية في خطط استثمار حقل الدرة بشركة واحدة مع السعودية.

وكانت الخارجية الكويتية ونظيرتها السعودية أصدرتا بيانين منفصلين، أكدتا فيهما أن الثروات الطبيعية في حقل الدرة بكامله حقوق خالصة بين الكويت والمملكة وحدهما، وطالبتا إيران بالعودة إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين الكويتي والسعودي كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني.

وكشف المصدر الإيراني، أن وزير خارجية بلاده حسين أمير عبداللهيان بحث هذا الموضوع مع نظيره الكويتي الشيخ سالم الصباح خلال لقائهما على هامش الاجتماع الوزاري لدول عدم الانحياز، لافتاً إلى أن الجانب الإيراني شدد على ضرورة حل الخلاف عبر الأطر الدبلوماسية.

وأوضح أن الاجتماع كان إيجابياً وسيتم بحث مجريات المباحثات مع الحكومة الإيرانية واتخاذ القرار بشأن ما تم بحثه بين الجانبين في هذا اللقاء خلال الأسبوع المقبل، لكنه رفض أن يعطي أي تفاصيل عن فحوى هذه المفاوضات ورؤية الجانب الإيراني بهذا الشأن، مؤكداً فقط أن طهران تفضل الأطر الدبلوماسية الثنائية لحل هذا الخلاف، أي أن تُجرى المفاوضات على ترسيم الحدود بينها وبين الكويت، لأن الحدود البحرية بين إيران والسعودية مرسمة بالكامل.

إلى ذلك، ذكرت وكالة شانا للأنباء التابعة لوزارة النفط الإيرانية، أن وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، ووزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان التقيا على هامش مؤتمر «أوبك» في فيينا، أمس الأول.

وقالت «شانا» إن «الوزيرين ناقشا القضايا الثنائية، بما في ذلك الاستثمار في قطاع النفط والغاز واستكشاف إمكانية الاستثمار المشترك»، مضيفة ‏أن السعودية جددت دعواتها السابقة للجانب الإيراني «للبدء في مفاوضات لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة بين المملكة والكويت كطرف تفاوضي واحد مقابل الجانب الإيراني، وفقاً لأحكام القانون الدولي».