استقرار الأسعار شرط لتوسع استثمارات الدول في قطاعاتها النفطية
نفطيون لـ الجريدة•: ضرورة استكشاف حقول جديدة وتحسين البنية التحتية لزيادة القدرة الإنتاجية
رفعت منظمة أوبك توقعاتها للطلب العالمي على النفط في المديين المتوسط والأطول، وقالت إن استثمارات تبلغ 12.1 تريليون دولار مطلوبة حتى عام 2045 للوفاء بهذا الطلب، رغم مساعي التحول إلى مصادر طاقة نظيفة.
وحافظت «أوبك»، في تقرير سابق، على رؤيتها بأن الطلب العالمي على النفط لن يستقر إلا بعد عام 2035. وقال الأمين العام للمنظمة هيثم الغيص إن الاستثمارات في النفط والغاز ستصل الى 12.3 تريليون دولار حتى 2042.
وقال خبراء نفطيون، في تحقيق أجرته «الجريدة» حول تلك التوقعات، إنه من المؤكد أن هناك حاجة متواصلة لزيادة الاستثمارات في الطاقة النفطية على المستوى العالمي، بسبب تسارع معدلات النضوب الطبيعي للحقول النفطية حول العالم، أو تراجع القدرات الإنتاجية لعدد كبير من الحقول، خصوصا المتقادمة.
وأضاف هؤلاء أنه مع استمرار النمو في الطلب العالمي على الطاقة، التي يشكل النفط أحد مصادرها الرئيسية، تزداد المخاوف من احتمال حدوث نقص في الإمدادات النفطية العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة، ما يتطلب إنفاقا استثماريا مكثفا بهدف استكشاف وتطوير حقول جديدة للنفط وتحسين البنية التحتية لحقول النفط الحالية، من أجل زيادة قدرتها على الإنتاج، مشيرين إلى أن البلدان المستهلكة ترى أن مثل هذا الإنفاق تقع مهمته على عاتق البلدان المنتجة والمصدرة للنفط، وفيما يلي التفاصيل:
وحافظت «أوبك»، في تقرير سابق، على رؤيتها بأن الطلب العالمي على النفط لن يستقر إلا بعد عام 2035. وقال الأمين العام للمنظمة هيثم الغيص إن الاستثمارات في النفط والغاز ستصل الى 12.3 تريليون دولار حتى 2042.
وقال خبراء نفطيون، في تحقيق أجرته «الجريدة» حول تلك التوقعات، إنه من المؤكد أن هناك حاجة متواصلة لزيادة الاستثمارات في الطاقة النفطية على المستوى العالمي، بسبب تسارع معدلات النضوب الطبيعي للحقول النفطية حول العالم، أو تراجع القدرات الإنتاجية لعدد كبير من الحقول، خصوصا المتقادمة.
وأضاف هؤلاء أنه مع استمرار النمو في الطلب العالمي على الطاقة، التي يشكل النفط أحد مصادرها الرئيسية، تزداد المخاوف من احتمال حدوث نقص في الإمدادات النفطية العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة، ما يتطلب إنفاقا استثماريا مكثفا بهدف استكشاف وتطوير حقول جديدة للنفط وتحسين البنية التحتية لحقول النفط الحالية، من أجل زيادة قدرتها على الإنتاج، مشيرين إلى أن البلدان المستهلكة ترى أن مثل هذا الإنفاق تقع مهمته على عاتق البلدان المنتجة والمصدرة للنفط، وفيما يلي التفاصيل:
بداية، قال رئيس شركة الشال للاستشارات الاقتصادية جاسم السعدون إنه منذ تحول سوق الطاقة إلى هيمنة للنفط في بداية العقد الثاني من القرن العشرين، لم يصدق سيناريو واحد حول التنبؤ بمستقبل الطلب عليه والعرض منه على المدى الطويل، وما انطبق على تجارب التاريخ ينطبق على سيناريو أوبك طويل الأمد حول الطلب على النفط.
واضاف السعدون أن الجديد في ممارسات «أوبك+» هو أنها باتت تتحوط للمستقبل بديلا لصراع الحصص في الحاضر، وما قامت به «أوبك+» مؤخرا بخفض إنتاجها مليوني برميل يوميا، كان إفادة من تجربة تاريخية عام 2020، فبعد صراع على الحصص مع روسيا هوى بأسعار النفط في نهاية عام 2019 وبداية عام 2020، ثم عمقته جائحة كورونا لتهوي بسعر مزيج برنت في 21 أبريل 2020 إلى 9.12 دولارات، أي دون تكلفة إنتاج برميل النفط الكويتي بنحو 3 دولارات، لافتا إلى أن «أوبك+» تحاول اجتنابه الآن وفي المستقبل، وبجهد مشترك مع روسيا، خصمها السابق.
استقرار الأسعار
وأشار السعدون إلى أن استقرار أسعار النفط هو الضمانة للتوسع بالاستثمار في صيانة صناعته القائمة، والإنفاق على زيادة الطاقة الإنتاجية، والاستثمار في البحث عن مكامن جديدة، مضيفا أن زيادة الإنتاج لا تتحول إلى إيرادات حتى يتحول النفط أو منتجاته إلى صادرات، وللإجابة بعدان: الأول هو أن زيادة الإنتاج المستهدفة في كل خطط قطاع البترول الكويتي فشلت حتى الآن، وهو أمر يتطلب تحقيقا مهنيا وسياسيا.
وأفاد بأن البعد الثاني هو أن الكويت الأعلى إدمانا في الاعتماد على النفط، إذ يولد أكثر من نصف ناتجها المحلي الإجمالي بشكل مباشر، وأعلى بكثير بشكل غير مباشر، وهو يمول 90 في المئة من إيرادات الموازنة العامة، متابعا: «لذا أمر طيب أن يستثمر في زيادة الطاقة الإنتاجية، ولكن بعقل ومن دون فساد، ويظل الأهم هو استثمار متزايد في تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط الذي يتعرض لحرب سياسية، وحرب بيئية، وتقدم كبير في تقنيات الوقود النظيف».
النفط أكبر المساهمين
وتابع السعدون: لما كان النفط أكبر المساهمين في قيمة التجارة الدولية، ولأن المستهلكين هم القوى الكبرى، فعادة ما يسعر النفط لمصالحهم، فهم يفرضون ضرائب عالية على النفط المستورد، ويحاربون سياسياً زيادة أسعاره حتى انهم يلجأون إلى العنف أحياناً، مثل الانقلاب على مصدق في بداية خمسينيات القرن الفائت، وقد فعلوا ذلك بعد حرب أكتوبر 1973 وما تبعها من زيادة لأسعار النفط، وهم الحاضن لتقنيات بدائله.
ولفت الى انه ما بين صيف 2020 و5 أكتوبر الفائت عندما اتخذت «أوبك +» قرار خفض الإنتاج الأخير، يبدي أن «أوبك +» تزداد احترافا في قراراتها، وفي ظل أحداث جيوسياسية طائشة مثل ما يحدث من صراعات مسلحة في العالم وأهمها تأثيراً الحرب الروسية - الأوكرانية، مبينا أنه لا يستطيع الحكم على المستقبل، لأن العوامل المؤثرة لم تعد محسوبة ولا عقلانية.
من جانبه، أعرب الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني عن تأييده للتوقعات التي طرحها تحالف «أوبك+» في تقرير له الشهر الماضي حول زيادة نمو الطلب العالمي على النفط إلى عام 2045، وهذا يتوافق مع دراسات المؤسسات الاقتصادية المعدل السنوي لنمو الاقتصاد العالمي سوف يكون 3 في المئة إلى 2045، مؤكدا أن الطاقة عامل مهم في مواكبة هذا النمو المطرد فهي شريان الحركة الصناعية لتعوض ما فاتها من توقفات المرض وعثرات الحرب.
وأضاف: في 2045 يقدر معدل الإنتاج أو الحاجة العالمية للنفط الأحفوري بين غاز ونفط بـ122 مليون برميل يوميا، لافتا الى انه وبحسبة بسيطة، فإن المبلغ المطلوب لتطوير أو للوصول إلى هذا الحد من الإنتاج من 98 مليون برميل يوميا الحالية سيكون تريليون دولار.
الكويت بدأت
وأشار بهبهاني الى أن الكويت بدأت متأخرة، لكنها بدأت بصورة ملحوظة أكثر واقعية وعقلانية من المشاريع والاستراتيجيات التي قدّمتها الإدارات السابقة، معربا عن اعتقاده بأن الكويت كمراقب للنشاط النفطي تواجه تحديا مباشرا، وهو عشرات الاستكشافات الجديدة وتحفيز المكامن النفطية المتهالكة، والنقطة الأخرى المباشرة هي موازنة تصدير الخام مع منتجات المشتقات.
وقال: في تصوري أن هناك تباطؤا في تشغيل المصافي الثلاث الكويتية بالصورة القصوى، رغم حاجة العالم إليها، وهذا يجعلني أعتقد أن الكويت مع نماء الطلب الى 2045 ستفقد أكثر من 50 بالمئة من الفرصة المتاحة لها في الاستثمار. فمشتقات الديزل هو الدم النابض للنقل الذي يشغل حوالي 60 بالمئة من استهلاك النقل، متمنيا أن تكون أولويات الكويت في زيادة الإنتاج والتصدير للعالم، لأنهم في أشد الحاجة إليه.
وأضاف: برأيي أن تحالف «أوبك» في أفضل حالاته في إدارة الطاقة العالمية، فدراساتها المتقنة أثبتت جدارتها وجدول إنتاجها محكم ومتوائم مع حاجة الطلب، وأثبتت أيضا واقعيتها في السيطرة التامة على خلافات أعضائها الجيوسياسية التي وصلت إلى حد من التخاصم إلى المستوى العسكري. ولفت الى أنه رغم الحزم في إدارة انتاجها بسيطرة تامة، فإنها اتّبعت مرونة في مراعاة العقوبات على بعض الدول من أعضائها في تحديث سقف إنتاجها والموازنة مع بعض الحسومات التي تعطيها خارج نطاق السعر الرسمي.
وأشار الى انه هناك أيضا الدبلوماسية التي لم يشهد لها في تعاملها مع الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة ودول التعاون الاقتصادي، وهذه حقيقة أمور لا يمكن لأحد أن ينكرها، لافتا الى أن تحالف «أوبك» أتى في وقت التحالفات العالمية، إذ لم تكن تحظى به دولها لولا المنظمة، ويجب أن يحتذى بهذه المنظمة للتوسع في نشاطاتها، لتشمل الاقتصادات ومشاريع التصنيع الأخرى.
قانون «نوبك»
وأعرب بهبهاني عن عدم اعتقاده بواقعية قانون «نوبك»، لافتا الى أن «أوبك» لديها خيارات يمكنها مواجهتها، وموضحا أن «أوبك» قد بدأت ببعضها لمواجهة هذا النوع من التهديدات بين فترة وأخرى والتي تؤثر في أسعار النفط.
فالخيارات كثيرة أهمها زيادة التعاون مع الدول الكبرى الصناعية والتعامل مع سلة عملات بدل الدولار فقط، وهذا قد يكون يحدث بالفعل حاليا، إذ يوجد في السوق تقريبا 20 مليون برميل يوميا يباع بغير عملة الدولار، لافتا الى الإنتاج ومرونة الحسومات بين الإنتاج والسعر الذي هو خارج نطاق لوحة الأسعار الثابتة (OSP)، ومشيرا الى أنه في حال ما تم تطبيق نظام «نوبك»، فإن الدولة الوحيدة التي ستكون متحكمة في الأسعار هي الولايات المتحدة بطريقتها وفي تعاملها المتذبذب مع النفط ومنتجاته.
وتابع: «في الحقيقة، لدى البلدان المنتجة للنفط مخاوف مشروعة تتعلق بمدى الجدوى الاقتصادية المتوقعة من الاستثمار في تطوير وتوسعة الحقول النفطية»، مرجعاً سبب هذه المخاوف إلى السياسات الراهنة للبلدان المستهلكة، والتي تستهدف تقليل الاعتماد على النفط، كمصدر للطاقة، باعتباره أحد مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، منوها إلى سعي هذه البلدان جاهدة لإحلال المصادر البديلة للنفط، سواء الناضبة أو المتجددة محله. ولفت المجرن إلى أنه رغم أن بعض المصادر الناضبة التي تتجه الدول الصناعية لزيادة الاعتماد عليها كبديل للنفط (مثل الفحم)، أشد تلويثاً للبيئة من النفط، كما يترتب على بعضها أخطار كبيرة (طاقة الانشطار النووي على سبيل المثال).
تكاليف باهظة
وقال: «يُضاف إلى ذلك، أن تكاليف الاستثمار في تطوير مصادر جديدة للنفط باهظة جداً، خصوصاً أن حقول النفط البحرية الضخمة، والحقول التي تقع في أعماق سحيقة، تشكِّل غالبية الحقول الجديدة التي يمكن أن تكون مصدراً للإمدادات النفطية المستقبلية، وهذه حقول ذات تكاليف تطوير وإنتاج عالية، ونتيجة لهذه المخاوف، تطلب البلدان المنتجة والمصدرة ضمانات من الدول المستهلكة، بأن الطلب على النفط لن يتضاءل أو يتلاشى مستقبلاً على إنتاج الحقول النفطية الجديدة، أي أنها تريد ضمان عائد مقبول على الاستثمار، أو أن تكون الاستثمارات التي تنفق على تطوير مصادر الإمدادات النفطية الجديدة مشتركة، أي أن يتحمَّل عبئها المنتجون والمستهلكون معاً، وهذه المسألة تشكِّل محور خلاف بين الجانبين». وأوضح أن منظمة أوبك لعبت منذ نشأتها دوراً إيجابياً في الدفاع عن حقوق البلدان المنتجة للنفط، باعتباره سلعة استراتيجية مهمة لنمو الاقتصاد العالمي، وأعادت التوازن إلى سوق النفط العالمي الذي كان خاضعاً كلياً لشركات النفط الكبرى. وقال المجرن: «في مواجهة الضعف الذي شهدته أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، قررت (أوبك) منذ أواخر سنة 2016 التدخل في الأسواق، من خلال خفض الإنتاج، وتنظيم المعروض في السوق، من أجل إعادة التوازن إلى السوق»، مشيراً إلى أن «أوبك» ما زالت مستمرة في لعب هذا الدور، منوها إلى أن الجديد هو قيامها بذلك بالتعاون مع منتجين من خارج المنظمة، أهمهم روسيا (تحالف أوبك+). وأضاف أن هذا التعاون قام بتعزيز قدرة «أوبك» على ضبط إيقاع العرض والطلب في السوق، خصوصاً أن تحالف «أوبك+» ضم اثنين من عمالقة إنتاج النفط الثلاثة في العالم، والجديد أيضاً أن مواقف دول «أوبك» وحلفائها في السنوات الأخيرة اتسمت بدرجة عالية من الانضباط والالتزام بالحصص الإنتاجية، متوقعاً أن يستمر هذا الالتزام، في ظل الضغوط المتصاعدة على النفط، ودوره في خريطة الطاقة العالمية.
13 مليون برميل
من جانبه، قال الخبير النفطي كامل الحرمي إن الصراع الحقيقي بين دول «أوبك+» والدول الغربية فيمن سيستثمر في القطاع النفطي، لافتاً إلى أن السعودية أشارت إلى أن إنتاجها سوف يتوقف عند 13 مليون برميل نفط يومياً بحلول عام 2027.
وأضاف أن الرئيس الأميركي جو بايدن صرَّح أخيراً بأنه سيفرض ضرائب على الشركات العاملة في القطاع النفطي، كونه يرى أن تلك الشركات تربح حالياً أرباحاً كبيرة استثنائية، لذلك فهو يرى أن تلك الشركات تستفيد استفادة عالية، ولابد من وجود استفادة للدولة أيضاً.
ونوه الحرمي إلى أن إنتاج دولة الكويت النفطي في تراجع منذ 2018 ومن جميع حقولها النفطية، متسائلا أين ذهبت الخطة الاستراتيجية للبلاد التي تتحدث عن إنتاج 3 ملايين برميل عام 2035 و4 ملايين عام 2040؟
وأشار إلى أن آخر مؤتمر للمسؤولين عن القطاع النفطي في البلاد لم يتم ذكر أي حديث عن النفط بصورة عامة، بل كان الحديث كاملا عن الغاز.
وأوضح انه ليس في الكويت ثقة في أرقام محددة عن زيادة الإنتاج النفطي، لافتا إلى أنه «لهذا السبب لم يتواصل معنا أي من قادة العالم لزيادة إنتاجنا، وهذا ينم عن عدم قدرة الكويت على تلك الزيادة».
التحول للطاقة المتجددة
وأضاف أن من الصعوبة التحول للطاقة المتجددة أو تخفيض الاعتماد على النفط، لافتا إلى أن «أوبك+» لم تذكر ذلك التاريخ من فراغ، وهو احتياج الأسواق النفطية لاستثمارات تصل الى ما يفوق 12 تريليون دولار عام 2045، إلا أن تكون قد قامت بدراسات حول هذه الموضوع.
واختتم الحرمي بالقول ان «الكونغرس الأميركي قادر على تنفيذ قانون نوبك إذا ما دعت الحاجة لذلك».
الكويت بعيدة
من ناحيته، قال رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية للخدمات البترولية (نابيسكو) عمران حيات، إن الأسواق النفطية تمر حاليا بمشكلة كبيرة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية.
وأوضح حيات أن الطاقة المتجددة أو البديلة لم تصل إلى حد يستطيع معه دول العالم إلى الاستغناء عن الوقود الاحفوري، منوها إلى أنه «إذا تحدثنا عن السيارات الكهربائية، على سبيل المثال، فإنها لم تصل إلى حد تجاري مفيد، لكونها حتى الآن تشكل أقل من 10 في المئة، أما المصانع فهي تحتاج إلى وقت طويل».
وأكد حيات أهمية الدور الذي تلعبه «أوبك +» في استقرار الأسواق النفطية، موضحا أن طموحات الوصول إلى حجم استثمارات ضخمة في القطاع النفطي على مستوى الدول المنتجة حتى عام 2045 من الممكن أن تصطدم بالحراك الجيوسياسي في العالم.
واضاف السعدون أن الجديد في ممارسات «أوبك+» هو أنها باتت تتحوط للمستقبل بديلا لصراع الحصص في الحاضر، وما قامت به «أوبك+» مؤخرا بخفض إنتاجها مليوني برميل يوميا، كان إفادة من تجربة تاريخية عام 2020، فبعد صراع على الحصص مع روسيا هوى بأسعار النفط في نهاية عام 2019 وبداية عام 2020، ثم عمقته جائحة كورونا لتهوي بسعر مزيج برنت في 21 أبريل 2020 إلى 9.12 دولارات، أي دون تكلفة إنتاج برميل النفط الكويتي بنحو 3 دولارات، لافتا إلى أن «أوبك+» تحاول اجتنابه الآن وفي المستقبل، وبجهد مشترك مع روسيا، خصمها السابق.
استقرار الأسعار
وأشار السعدون إلى أن استقرار أسعار النفط هو الضمانة للتوسع بالاستثمار في صيانة صناعته القائمة، والإنفاق على زيادة الطاقة الإنتاجية، والاستثمار في البحث عن مكامن جديدة، مضيفا أن زيادة الإنتاج لا تتحول إلى إيرادات حتى يتحول النفط أو منتجاته إلى صادرات، وللإجابة بعدان: الأول هو أن زيادة الإنتاج المستهدفة في كل خطط قطاع البترول الكويتي فشلت حتى الآن، وهو أمر يتطلب تحقيقا مهنيا وسياسيا.
وأفاد بأن البعد الثاني هو أن الكويت الأعلى إدمانا في الاعتماد على النفط، إذ يولد أكثر من نصف ناتجها المحلي الإجمالي بشكل مباشر، وأعلى بكثير بشكل غير مباشر، وهو يمول 90 في المئة من إيرادات الموازنة العامة، متابعا: «لذا أمر طيب أن يستثمر في زيادة الطاقة الإنتاجية، ولكن بعقل ومن دون فساد، ويظل الأهم هو استثمار متزايد في تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط الذي يتعرض لحرب سياسية، وحرب بيئية، وتقدم كبير في تقنيات الوقود النظيف».
وقال: في كل الأحوال يبقى الطلب على أي منتج سلعي أو خدمي محكوما بمستوى العرض ومستوى الطلب، بينما الاستثمار في زيادة الإنتاج محاولة لزيادة المعروض، مشيرا الى أن الطلب يبقى حاجة وقرارا للمستهلك، وطلب المستهلك في جزء مؤثر منه هو رواج الاقتصادات المتقدمة والناشئة الأكثر استهلاكاً للنفط.السعدون: من بداية العقد الثاني من القرن الـ 20 لم يصدق سيناريو واحد حول التنبؤ بمستقبل الطلب والعرض على المدى الطويل
النفط أكبر المساهمين
وتابع السعدون: لما كان النفط أكبر المساهمين في قيمة التجارة الدولية، ولأن المستهلكين هم القوى الكبرى، فعادة ما يسعر النفط لمصالحهم، فهم يفرضون ضرائب عالية على النفط المستورد، ويحاربون سياسياً زيادة أسعاره حتى انهم يلجأون إلى العنف أحياناً، مثل الانقلاب على مصدق في بداية خمسينيات القرن الفائت، وقد فعلوا ذلك بعد حرب أكتوبر 1973 وما تبعها من زيادة لأسعار النفط، وهم الحاضن لتقنيات بدائله.
ولفت الى انه ما بين صيف 2020 و5 أكتوبر الفائت عندما اتخذت «أوبك +» قرار خفض الإنتاج الأخير، يبدي أن «أوبك +» تزداد احترافا في قراراتها، وفي ظل أحداث جيوسياسية طائشة مثل ما يحدث من صراعات مسلحة في العالم وأهمها تأثيراً الحرب الروسية - الأوكرانية، مبينا أنه لا يستطيع الحكم على المستقبل، لأن العوامل المؤثرة لم تعد محسوبة ولا عقلانية.
من جانبه، أعرب الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني عن تأييده للتوقعات التي طرحها تحالف «أوبك+» في تقرير له الشهر الماضي حول زيادة نمو الطلب العالمي على النفط إلى عام 2045، وهذا يتوافق مع دراسات المؤسسات الاقتصادية المعدل السنوي لنمو الاقتصاد العالمي سوف يكون 3 في المئة إلى 2045، مؤكدا أن الطاقة عامل مهم في مواكبة هذا النمو المطرد فهي شريان الحركة الصناعية لتعوض ما فاتها من توقفات المرض وعثرات الحرب.
وتابع: باعتبار الإضافات المباشرة والمؤثرة على انتاج النفط والغاز فستدخل طاقة الفحم، والنووي، بعد عثرات البيئة لها، وباعتبار التطور التكنولوجي في عملية الاستكشاف والتطوير وعموم تطورات إنتاج الطاقة الأحفورية حجما وسرعة ومن ثم جدوى إضافة الى اعتبار الغلاء المتفشي فالتوقعات تشير إلى أنه سيكون هناك نمو للطلب العالمي، مليون برميل يوميا من النفط حتى يواكب هذا التطور والنمو الاقتصادي الـ 3%.بهبهاني: الحرب على أسعار النفط أصبحت ثانوية في ظل قساوة نقص الطاقة العالمية
وأضاف: في 2045 يقدر معدل الإنتاج أو الحاجة العالمية للنفط الأحفوري بين غاز ونفط بـ122 مليون برميل يوميا، لافتا الى انه وبحسبة بسيطة، فإن المبلغ المطلوب لتطوير أو للوصول إلى هذا الحد من الإنتاج من 98 مليون برميل يوميا الحالية سيكون تريليون دولار.
الكويت بدأت
وأشار بهبهاني الى أن الكويت بدأت متأخرة، لكنها بدأت بصورة ملحوظة أكثر واقعية وعقلانية من المشاريع والاستراتيجيات التي قدّمتها الإدارات السابقة، معربا عن اعتقاده بأن الكويت كمراقب للنشاط النفطي تواجه تحديا مباشرا، وهو عشرات الاستكشافات الجديدة وتحفيز المكامن النفطية المتهالكة، والنقطة الأخرى المباشرة هي موازنة تصدير الخام مع منتجات المشتقات.
وقال: في تصوري أن هناك تباطؤا في تشغيل المصافي الثلاث الكويتية بالصورة القصوى، رغم حاجة العالم إليها، وهذا يجعلني أعتقد أن الكويت مع نماء الطلب الى 2045 ستفقد أكثر من 50 بالمئة من الفرصة المتاحة لها في الاستثمار. فمشتقات الديزل هو الدم النابض للنقل الذي يشغل حوالي 60 بالمئة من استهلاك النقل، متمنيا أن تكون أولويات الكويت في زيادة الإنتاج والتصدير للعالم، لأنهم في أشد الحاجة إليه.
وأضاف: برأيي أن تحالف «أوبك» في أفضل حالاته في إدارة الطاقة العالمية، فدراساتها المتقنة أثبتت جدارتها وجدول إنتاجها محكم ومتوائم مع حاجة الطلب، وأثبتت أيضا واقعيتها في السيطرة التامة على خلافات أعضائها الجيوسياسية التي وصلت إلى حد من التخاصم إلى المستوى العسكري. ولفت الى أنه رغم الحزم في إدارة انتاجها بسيطرة تامة، فإنها اتّبعت مرونة في مراعاة العقوبات على بعض الدول من أعضائها في تحديث سقف إنتاجها والموازنة مع بعض الحسومات التي تعطيها خارج نطاق السعر الرسمي.
وأشار الى انه هناك أيضا الدبلوماسية التي لم يشهد لها في تعاملها مع الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة ودول التعاون الاقتصادي، وهذه حقيقة أمور لا يمكن لأحد أن ينكرها، لافتا الى أن تحالف «أوبك» أتى في وقت التحالفات العالمية، إذ لم تكن تحظى به دولها لولا المنظمة، ويجب أن يحتذى بهذه المنظمة للتوسع في نشاطاتها، لتشمل الاقتصادات ومشاريع التصنيع الأخرى.
قانون «نوبك»
وأعرب بهبهاني عن عدم اعتقاده بواقعية قانون «نوبك»، لافتا الى أن «أوبك» لديها خيارات يمكنها مواجهتها، وموضحا أن «أوبك» قد بدأت ببعضها لمواجهة هذا النوع من التهديدات بين فترة وأخرى والتي تؤثر في أسعار النفط.
فالخيارات كثيرة أهمها زيادة التعاون مع الدول الكبرى الصناعية والتعامل مع سلة عملات بدل الدولار فقط، وهذا قد يكون يحدث بالفعل حاليا، إذ يوجد في السوق تقريبا 20 مليون برميل يوميا يباع بغير عملة الدولار، لافتا الى الإنتاج ومرونة الحسومات بين الإنتاج والسعر الذي هو خارج نطاق لوحة الأسعار الثابتة (OSP)، ومشيرا الى أنه في حال ما تم تطبيق نظام «نوبك»، فإن الدولة الوحيدة التي ستكون متحكمة في الأسعار هي الولايات المتحدة بطريقتها وفي تعاملها المتذبذب مع النفط ومنتجاته.
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت، د. عباس المجرن: من المؤكد أن هناك حاجة متواصلة إلى زيادة الاستثمارات في الطاقة النفطية على المستوى العالمي، بسبب تسارع معدلات النضوب الطبيعي للحقول النفطية حول العالم، أو تراجع القدرات الإنتاجية لعدد كبير من الحقول، وخصوصا الحقول المتقادمة. وأضاف: «مع استمرار النمو في الطلب العالمي على الطاقة، والتي يشكِّل النفط أحد مصادرها الرئيسة، تزداد المخاوف من احتمال حدوث نقص في الإمدادات النفطية العالمية خلال السنوات القليلة المقبلة، وهذا يتطلب إنفاقاً استثمارياً مكثفاً، بهدف استكشاف وتطوير حقول جديدة للنفط، وتحسين البنية التحتية لحقول النفط الحالية، من أجل زيادة قدرتها على الإنتاج»، لافتاً إلى أن البلدان المستهلكة ترى أن مثل هذا الإنفاق تقع مهمته على عاتق البلدان المنتجة والمصدرة للنفط.المجرن: هناك خطورة على البيئة من التوجه لاستخدام الفحم بديلاً للنفط
وتابع: «في الحقيقة، لدى البلدان المنتجة للنفط مخاوف مشروعة تتعلق بمدى الجدوى الاقتصادية المتوقعة من الاستثمار في تطوير وتوسعة الحقول النفطية»، مرجعاً سبب هذه المخاوف إلى السياسات الراهنة للبلدان المستهلكة، والتي تستهدف تقليل الاعتماد على النفط، كمصدر للطاقة، باعتباره أحد مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، منوها إلى سعي هذه البلدان جاهدة لإحلال المصادر البديلة للنفط، سواء الناضبة أو المتجددة محله. ولفت المجرن إلى أنه رغم أن بعض المصادر الناضبة التي تتجه الدول الصناعية لزيادة الاعتماد عليها كبديل للنفط (مثل الفحم)، أشد تلويثاً للبيئة من النفط، كما يترتب على بعضها أخطار كبيرة (طاقة الانشطار النووي على سبيل المثال).
تكاليف باهظة
وقال: «يُضاف إلى ذلك، أن تكاليف الاستثمار في تطوير مصادر جديدة للنفط باهظة جداً، خصوصاً أن حقول النفط البحرية الضخمة، والحقول التي تقع في أعماق سحيقة، تشكِّل غالبية الحقول الجديدة التي يمكن أن تكون مصدراً للإمدادات النفطية المستقبلية، وهذه حقول ذات تكاليف تطوير وإنتاج عالية، ونتيجة لهذه المخاوف، تطلب البلدان المنتجة والمصدرة ضمانات من الدول المستهلكة، بأن الطلب على النفط لن يتضاءل أو يتلاشى مستقبلاً على إنتاج الحقول النفطية الجديدة، أي أنها تريد ضمان عائد مقبول على الاستثمار، أو أن تكون الاستثمارات التي تنفق على تطوير مصادر الإمدادات النفطية الجديدة مشتركة، أي أن يتحمَّل عبئها المنتجون والمستهلكون معاً، وهذه المسألة تشكِّل محور خلاف بين الجانبين». وأوضح أن منظمة أوبك لعبت منذ نشأتها دوراً إيجابياً في الدفاع عن حقوق البلدان المنتجة للنفط، باعتباره سلعة استراتيجية مهمة لنمو الاقتصاد العالمي، وأعادت التوازن إلى سوق النفط العالمي الذي كان خاضعاً كلياً لشركات النفط الكبرى. وقال المجرن: «في مواجهة الضعف الذي شهدته أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، قررت (أوبك) منذ أواخر سنة 2016 التدخل في الأسواق، من خلال خفض الإنتاج، وتنظيم المعروض في السوق، من أجل إعادة التوازن إلى السوق»، مشيراً إلى أن «أوبك» ما زالت مستمرة في لعب هذا الدور، منوها إلى أن الجديد هو قيامها بذلك بالتعاون مع منتجين من خارج المنظمة، أهمهم روسيا (تحالف أوبك+). وأضاف أن هذا التعاون قام بتعزيز قدرة «أوبك» على ضبط إيقاع العرض والطلب في السوق، خصوصاً أن تحالف «أوبك+» ضم اثنين من عمالقة إنتاج النفط الثلاثة في العالم، والجديد أيضاً أن مواقف دول «أوبك» وحلفائها في السنوات الأخيرة اتسمت بدرجة عالية من الانضباط والالتزام بالحصص الإنتاجية، متوقعاً أن يستمر هذا الالتزام، في ظل الضغوط المتصاعدة على النفط، ودوره في خريطة الطاقة العالمية.
13 مليون برميل
من جانبه، قال الخبير النفطي كامل الحرمي إن الصراع الحقيقي بين دول «أوبك+» والدول الغربية فيمن سيستثمر في القطاع النفطي، لافتاً إلى أن السعودية أشارت إلى أن إنتاجها سوف يتوقف عند 13 مليون برميل نفط يومياً بحلول عام 2027.
وأضاف أن الرئيس الأميركي جو بايدن صرَّح أخيراً بأنه سيفرض ضرائب على الشركات العاملة في القطاع النفطي، كونه يرى أن تلك الشركات تربح حالياً أرباحاً كبيرة استثنائية، لذلك فهو يرى أن تلك الشركات تستفيد استفادة عالية، ولابد من وجود استفادة للدولة أيضاً.
ونوه الحرمي إلى أن إنتاج دولة الكويت النفطي في تراجع منذ 2018 ومن جميع حقولها النفطية، متسائلا أين ذهبت الخطة الاستراتيجية للبلاد التي تتحدث عن إنتاج 3 ملايين برميل عام 2035 و4 ملايين عام 2040؟
وأشار إلى أن آخر مؤتمر للمسؤولين عن القطاع النفطي في البلاد لم يتم ذكر أي حديث عن النفط بصورة عامة، بل كان الحديث كاملا عن الغاز.
وأوضح انه ليس في الكويت ثقة في أرقام محددة عن زيادة الإنتاج النفطي، لافتا إلى أنه «لهذا السبب لم يتواصل معنا أي من قادة العالم لزيادة إنتاجنا، وهذا ينم عن عدم قدرة الكويت على تلك الزيادة».
التحول للطاقة المتجددة
وأضاف أن من الصعوبة التحول للطاقة المتجددة أو تخفيض الاعتماد على النفط، لافتا إلى أن «أوبك+» لم تذكر ذلك التاريخ من فراغ، وهو احتياج الأسواق النفطية لاستثمارات تصل الى ما يفوق 12 تريليون دولار عام 2045، إلا أن تكون قد قامت بدراسات حول هذه الموضوع.
واختتم الحرمي بالقول ان «الكونغرس الأميركي قادر على تنفيذ قانون نوبك إذا ما دعت الحاجة لذلك».
الكويت بعيدة
من ناحيته، قال رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية للخدمات البترولية (نابيسكو) عمران حيات، إن الأسواق النفطية تمر حاليا بمشكلة كبيرة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية.
وأضاف أن القطاع النفطي يحتاج إلى استثمارات ضخمة من الدول المنتجة خصوصا في البنية التحتية، لافتا إلى عدم قدرة الكويت للوصول إلى رفع حصتها من النفط، لكون تلك الخطوة تحتاج إلى مبالغ واستثمارات كبيرة، فضلا عن أن زيادة الإنتاج المرجوة محليا تحتاج الى وقت طويل، مشيرا إلى أن الكويت مازالت بعيدة بمسافات عن الصناعات التحويلية، التي من الممكن أن تكون مدخولا كبيرا وبديلا عن بيع النفط الخام.الحرمي: من الصعوبة التحول إلى «المتجددة» ولا بديل عن الاعتماد على النفط مورداً للطاقة
وأوضح حيات أن الطاقة المتجددة أو البديلة لم تصل إلى حد يستطيع معه دول العالم إلى الاستغناء عن الوقود الاحفوري، منوها إلى أنه «إذا تحدثنا عن السيارات الكهربائية، على سبيل المثال، فإنها لم تصل إلى حد تجاري مفيد، لكونها حتى الآن تشكل أقل من 10 في المئة، أما المصانع فهي تحتاج إلى وقت طويل».
وأكد حيات أهمية الدور الذي تلعبه «أوبك +» في استقرار الأسواق النفطية، موضحا أن طموحات الوصول إلى حجم استثمارات ضخمة في القطاع النفطي على مستوى الدول المنتجة حتى عام 2045 من الممكن أن تصطدم بالحراك الجيوسياسي في العالم.