قرأنا في كتب التاريخ عن كثير من الدول والحضارات كيف سادت ثم بادت، ولم يترحم عليها أحد بعد أن تسبب في ضياع ملكها أبناؤها، وفي خضم التفكير في أسباب هجرة العقول الكويتية وقضية مزدوجين ارتبطوا بأكثر من جنسية وهوية، وازدواجية ولائهم لأكثر من أرض، تذكرت قصة جاسوسية نشرت أحداثها بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عند قيام المخابرات الأميركية بتكريم أحد عملائها الروس حين سأله مهاجر روسي كان يعمل ضابطاً بالمخابرات الروسية: جاءتني أوامر بمراقبتك لوجود شكوك حول تعاونك مع مخابرات أجنبية، وكنت أعد لرؤسائي تقارير عن تحركاتك، التي لم تظهر عليها دلائل وجود تخابر مع أي دولة أجنبية طوال فترة تلك المراقبة، فبالله عليك ماذا قدمت لهم حتى نلت هذا التكريم؟ فرد العميل الروسي: اتفقت معهم بالقيام بتعيين الروس الجامعيين في غير تخصصاتهم، لكي يمكثوا وقتاً أطول في التدريب، فتطول مدة اكتساب الخبرة، وكنت أمنع عن المتخصصين قنوات التدريب ومجالات اكتساب الخبرة قدر الإمكان، مدعياً عدم حاجتهم إلى التدريب أو الخبرة، وبهذا لم يلحقوا بركب الإدارة العليا إلا بعد فترة طويلة من الزمن، وشجعت ترقية غير المنتجين، ومنعت ترقية أصحاب الكفاءات، ليبقى في الوظائف العليا والمناصب الرئيسة مسؤولون من كبار السن ومحاربين قدماء وأغبياء تم توظيفهم «بالهبل».
منذ ما بعد التحرير إلى يومنا هذا ووسائل الإعلام الكويتية الخاصة بمختلف أنواعها المرئية والمقروءة والمسموعة، باستثناء الرسمية منها، تتطرق إلى جرائم المزورين والمزدوجين والمجنسين، بشكل يكاد يكون يومياً، وكأنها بلاغات غير مباشرة للحكومة باتخاذ أي إجراء يحفظ الكويت وأهلها «الحقيقيين» من كل مكروه. أنا أعرف أن دول العالم كلها تتعامل مع بلاغات مواطنيها بمنتهى الجدية والصرامة، حول الاشتباه بوقوع جريمة، أي جريمة، حتى لو كانت صغيرة أو تافهة، وتأخذ هذه البلاغات مأخذ الجد وتعمل من أجل القبض على المجرم أو المتهم، في سبيل استتباب الأمن والأمان، وإذا تبين لها أنه كان بلاغاً كاذباً ألقت القبض فوراً على الشخص المبلغ وتوجه إليه تهمة إزعاج السلطات.
أما الكويت فهي مختلفة تماما عن بقية الدول في مجال البلاغات الكاذبة، حتى لو كانت آثارها جسيمة أو قاتلة، فمنذ عقود ونحن نلاحظ أن المواطنين يبلغون السلطات الأمنية الكويتية، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، عن جرائم وصل أغلبها لدرجة الإخلال بالأمن القومي للكويت، إن لم يكن بأمن دول المنطقة بأسرها، وهذا بالطبع إذا تجاوزنا في وصفها بـ«الخيانة العظمى»، ورغم ذلك لم تحرك السلطات الكويتية ساكناً للحد من التأثيرات السلبية لهذه الجرائم، بل لم يصل أي تحرك حكومي إلى مستوى الحدث، وكأنها أمور عادية لا تبعث على القلق من تأثيراتها السلبية أو الشك في تبعاتها الجسيمة، حتى إن تناولتها ألسن المواطنين طوال تلك السنوات إلى اليوم بسبب عدم الاطمئنان على مستقبل بلدهم.
في كل زمان ومكان يعد الإعلام عموماً والصحافة تحديداً مرآة عاكسة لأوضاع أي مجتمع، فهي التي تشكل الرأي العام وترشد الحكومة بكل وزاراتها ومؤسساتها وهيئاتها العامة إلى ما يدور في أروقتها من صفقات ظاهرها التنمية وباطنها الفساد، والإعلام هو الذي قدم، ومازال يقدم النصح والمشورة في كيفية علاج أمراض الفساد المستشري في عروق الحكومات الكويتية المتعاقبة، إلا أن وضعنا المزري يشير إلى أن «عمك أصمخ»، إن لم يكن أعمى أيضاً، أو كأنه، وللأسف الشديد، معاق ذهنياً وجسدياً، ولنا في الحديث عن «الخيانات العظمى» في الكويت بقية.