في ظلال الدستور: إشراف الوزير على غرفة التجارة يتناقض ومفهوم الحكم الديموقراطي
جاء قانون غرفة التجارة والصناعة سنة 1959 ليسبق زمانه ويواكب أحدث مقاييس ومعايير ومقومات غرف التجارة والصناعة في العالم، تحتذي به الدول وتنهل منه حتى التي سبقتنا في مضمار التقدم، لكننا سبقناها في هذا التنظيم الباهر للغرفة.
تمخض الجبل فولد كياناً هشاً... لا كياناً قانونياً متكاملاً، كما كانت تأمل المذكرة الإيضاحية للاقتراح بقانون في شأن الغرفة المدرج على جدول أعمال المجلس.
ذلك أن أول مادة في هذا الاقتراح نصت على إشراف وزير التجارة والصناعة على الغرفة فأهدرت استقلال الغرفة والمقومات التي كفلها الدستور لمنظمات المجتمع المدني، والغرفة على رأسها، فيما نص عليه الدستور من حرية تكوين الجمعيات في المادة (53) وهي فرع من حق الاجتماع في المادة (54) وحرية الرأي وحق التعبير عنه المنصوص عليهما في المادة (36) وانتقضت من مفهوم الحكم الديموقراطي، والمبدأ الديموقراطي في السيادة الشعبية.
مفهوم الحكم الديموقراطي
إن مفهوم الحكم الديموقراطي ومفهوم الأمة مصدر السلطات اللذين يقوم عليهما نظام الحكم في الكويت، والذي تمارس فيه الأمة سيادتها على الوجه المبين بالدستور، إعمالاً لأحكام المادة (6) من الدستور، إن هذا المفهوم أوسع نطاقا من المفهوم الضيق في احتكار السلطة التشريعية للسيادة الشعبية، فالأمة لم تتنازل عن سيادتها لمن يمثلونها من النواب، بل هم وكلاء عنها في مهمتين أساسيتين: التشريع، والرقابة والمساءلة.
وإن من الأوجه التي تمارس بها الأمة سيادتها منظمات المجتمع المدني، وعلى رأسها غرفة التجارة والصناعة، بما يوجب على السلطة التشريعية أن توفر لهذه المنظمات الاستقلال لا التبعية، بحيث تظل بعيدة عن سيطرة الدول والحكومة، لا تتدخل فيها وفيما تقوم به من دور فعال في الرأي الذي تبديه لكل الجهات الحكومية وغير الحكومية، وفي الدراسات التي تعدها لهذا الغرض، وإن القول بغير ذلك فيه نكوص عن الحكم الديموقراطي الذي جوهره الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية والمسؤولية السياسية للوزراء.
ولعل المذكرة التفسيرية للدستور لم يفتها إدراك هذه الحقيقة، فاعتبرت رقابة منظمات المجتمع المدني مكملة لرقابة البرلمان في المسؤولية السياسية للوزراء أمام البرلمان، التي هي جوهر الحكم الديموقراطي فيما تقرره المذكرة التفسيرية، وهي ملزمة شأن نصوص الدستور أن من وراء التنظيم الدستوري لمسؤوليات الوزراء السياسية، توجد كذلك وبصفة خاصة رقابة الرأي العام التي لا شك في أن الحكم الديموقراطي يأخذ بيدها ويوفر مقوماتها وضماناتها، ويجعل منها مع الزمن العمود الفقري في شعبية الحكم، وهذه المقومات والضمانات هي التي تضفي على المواطنين بحبوحة من الحرية السياسية.
الغرفة والحكم الديموقراطي
وفي هذا السياق تعتبر الغرفة مثلها مثل منظمات المجتمع المدني في الأنظمة الديموقراطية أحد مكونات الحكم الديموقراطي، بل هي أحد أسباب الحكم الديموقراطي التي جاء الدستور ليستكملها، وهو ما كشفت عنه ديباجة الدستور التي جاء في استهلالها ما سجله رئيس الدولة من: «رغبة في استكمال أسباب الحكم الديموقراطي»، التي كانت وراء وضع المجلس التأسيسي لهذا الدستور، والتصديق عليه وإصداره.
فقد كانت الغرفة التي صدر قانونها سنة 1959 هي أحد هذه الأسباب وأحد مكونات الحكم الديموقراطي وآلياته، وهي أحد جذور هذا الحكم الذي استهدف تنظيم حياة الناس في الكويت في نشاطهم التجاري والصناعي، وكما تقول المذكرة الإيضاحية للاقتراح لقانون الغرفة المدرج على جدول أعمال المجلس: «لقد عرفت دولة الكويت التجارة والصناعة منذ القدم أو كان لها أسطولها التجاري البحري الذي صنعته أيدي الكويتيين، وجاب البحار والمحيطات شرقا وغربا في رحلات تجارية سجلها التاريخ».
فقانون الغرفة الصادر سنة 1959، لم يأت غريبا عن المجتمع الكويتي ليفرض نفسه على حياة الناس، بل هو نبع من ذات الجماعة متأثرا في ذلك بنوع الحياة التي كانت تعيشها ليقنن ما اعتادوا عليه وألفوه من حياة الحرية التي عاشوها قبل هذا التنظيم، وهو كذلك جزء من ضمير هذا المجتمع ومن موروثه التاريخي والأخلاقي والإنساني.
كيان قانوني متكامل
وهو الغرض الذي أعد له الاقتراح بقانون سالف الذكر كما جاء في المذكرة الإيضاحية له دون أي فلسفة أخرى للتشريع يقوم عليها الاقتراح، وهو ما يطرح سؤالا مشروعا هو: هل كان هذا الكيان القانوني غائباً أكثر من ستين عاما، ومع ذلك حققت الغرفة هذا النجاح الذي لم توفق إليه أي منظمة من منظمات المجتمع المدني في أي دولة في الوطن العربي؟
وقد جاء قانون غرفة التجارة والصناعة سنة 1959 ليسبق زمانه ويواكب أحدث مقاييس ومعايير ومقومات غرف التجارة والصناعة في العالم، تحتذي به الدول وتنهل منه حتى الدول التي سبقتنا في مضمار التقدم، لكننا سبقناها في هذا التنظيم المبهر للغرفة إلى الحد الذي يمكن أن نقول فيه لو لم يكن لدينا مثل هذا القانون لتمنينا أن نصنع مثله.
فلا غرو أن يعيش هذا القانون نابضاً بالحياة ليوفر للتجارة والصناعة ولمؤسساتهما كل الأدوات والآليات اللازمة لنجاحهما، وقد كان تنظيم هذا القانون لشؤون الغرفة متكاملا في الدفاع عن المصالح التجارية والصناعية وتمثيلها في المحيط الإقليمي والدولي والعمل على ترقيتها، حيث أناط القانون بالغرفة جمع المعلومات والإحصاءات المتعلقة بهذه المصالح ونشرها وتزويد الدولة بكافة مؤسساتها وغيرها، برأيها في إنشاء البورصات والموانئ والأسواق والمعارض وفي دراسة مشاريع القوانين والمراسيم ذات الصبغة الاقتصادية والمالية بما يؤدي الى تنشيط التجارة والصناعة وحمايتها وتوجيهها وغير ذلك من اختصاصات وصلاحيات مما أدى إلى ازدهار التجارة، وخصوصا بعد ظهور النفط.
وقد أضفى عليها القانون استقلالا في تكوينها من أرباب المهن التجارية والصناعية وفي إدارة كل شؤونها الإدارية والمالية مضفياً عليها الشخصية الاعتبارية مع منحها بعض امتيازات السلطة العامة، وقد كانت الغرفة ولا تزال السند والعضد للدولة ولأعضائها ولأرباب المهن والحرف معينا ومشرعا وقاضيا ومحكما وموثقا.
وأصبحت غرفة التجارة والصناعة بذلك جزءا من تاريخ الكويت يسطر أمجادها وأمجاد الرعيل الأول الذين أقاموا من وعيهم الحجر المكين لأول صرح ديموقراطي في الكويت عاصر استقلالها، ومن ضمائرهم السياج المتين والملاذ الأمين لأول منظمة للمجتمع المدني في الوطن العربي كله تشمخ بتنظيمها وبرجالها الذين ساهموا بعد ثلاث سنوات من وضع دستور للبلاد، كان داعما للغرفة وسندا لها في مشوارها.
من الأوجه التي تمارس بها الأمة سيادتها منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها غرفة التجارة والصناعة
ذلك أن أول مادة في هذا الاقتراح نصت على إشراف وزير التجارة والصناعة على الغرفة فأهدرت استقلال الغرفة والمقومات التي كفلها الدستور لمنظمات المجتمع المدني، والغرفة على رأسها، فيما نص عليه الدستور من حرية تكوين الجمعيات في المادة (53) وهي فرع من حق الاجتماع في المادة (54) وحرية الرأي وحق التعبير عنه المنصوص عليهما في المادة (36) وانتقضت من مفهوم الحكم الديموقراطي، والمبدأ الديموقراطي في السيادة الشعبية.
مفهوم الحكم الديموقراطي
إن مفهوم الحكم الديموقراطي ومفهوم الأمة مصدر السلطات اللذين يقوم عليهما نظام الحكم في الكويت، والذي تمارس فيه الأمة سيادتها على الوجه المبين بالدستور، إعمالاً لأحكام المادة (6) من الدستور، إن هذا المفهوم أوسع نطاقا من المفهوم الضيق في احتكار السلطة التشريعية للسيادة الشعبية، فالأمة لم تتنازل عن سيادتها لمن يمثلونها من النواب، بل هم وكلاء عنها في مهمتين أساسيتين: التشريع، والرقابة والمساءلة.
وإن من الأوجه التي تمارس بها الأمة سيادتها منظمات المجتمع المدني، وعلى رأسها غرفة التجارة والصناعة، بما يوجب على السلطة التشريعية أن توفر لهذه المنظمات الاستقلال لا التبعية، بحيث تظل بعيدة عن سيطرة الدول والحكومة، لا تتدخل فيها وفيما تقوم به من دور فعال في الرأي الذي تبديه لكل الجهات الحكومية وغير الحكومية، وفي الدراسات التي تعدها لهذا الغرض، وإن القول بغير ذلك فيه نكوص عن الحكم الديموقراطي الذي جوهره الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية والمسؤولية السياسية للوزراء.
ولعل المذكرة التفسيرية للدستور لم يفتها إدراك هذه الحقيقة، فاعتبرت رقابة منظمات المجتمع المدني مكملة لرقابة البرلمان في المسؤولية السياسية للوزراء أمام البرلمان، التي هي جوهر الحكم الديموقراطي فيما تقرره المذكرة التفسيرية، وهي ملزمة شأن نصوص الدستور أن من وراء التنظيم الدستوري لمسؤوليات الوزراء السياسية، توجد كذلك وبصفة خاصة رقابة الرأي العام التي لا شك في أن الحكم الديموقراطي يأخذ بيدها ويوفر مقوماتها وضماناتها، ويجعل منها مع الزمن العمود الفقري في شعبية الحكم، وهذه المقومات والضمانات هي التي تضفي على المواطنين بحبوحة من الحرية السياسية.
الغرفة والحكم الديموقراطي
وفي هذا السياق تعتبر الغرفة مثلها مثل منظمات المجتمع المدني في الأنظمة الديموقراطية أحد مكونات الحكم الديموقراطي، بل هي أحد أسباب الحكم الديموقراطي التي جاء الدستور ليستكملها، وهو ما كشفت عنه ديباجة الدستور التي جاء في استهلالها ما سجله رئيس الدولة من: «رغبة في استكمال أسباب الحكم الديموقراطي»، التي كانت وراء وضع المجلس التأسيسي لهذا الدستور، والتصديق عليه وإصداره.
فقد كانت الغرفة التي صدر قانونها سنة 1959 هي أحد هذه الأسباب وأحد مكونات الحكم الديموقراطي وآلياته، وهي أحد جذور هذا الحكم الذي استهدف تنظيم حياة الناس في الكويت في نشاطهم التجاري والصناعي، وكما تقول المذكرة الإيضاحية للاقتراح لقانون الغرفة المدرج على جدول أعمال المجلس: «لقد عرفت دولة الكويت التجارة والصناعة منذ القدم أو كان لها أسطولها التجاري البحري الذي صنعته أيدي الكويتيين، وجاب البحار والمحيطات شرقا وغربا في رحلات تجارية سجلها التاريخ».
فقانون الغرفة الصادر سنة 1959، لم يأت غريبا عن المجتمع الكويتي ليفرض نفسه على حياة الناس، بل هو نبع من ذات الجماعة متأثرا في ذلك بنوع الحياة التي كانت تعيشها ليقنن ما اعتادوا عليه وألفوه من حياة الحرية التي عاشوها قبل هذا التنظيم، وهو كذلك جزء من ضمير هذا المجتمع ومن موروثه التاريخي والأخلاقي والإنساني.
كيان قانوني متكامل
وهو الغرض الذي أعد له الاقتراح بقانون سالف الذكر كما جاء في المذكرة الإيضاحية له دون أي فلسفة أخرى للتشريع يقوم عليها الاقتراح، وهو ما يطرح سؤالا مشروعا هو: هل كان هذا الكيان القانوني غائباً أكثر من ستين عاما، ومع ذلك حققت الغرفة هذا النجاح الذي لم توفق إليه أي منظمة من منظمات المجتمع المدني في أي دولة في الوطن العربي؟
وقد جاء قانون غرفة التجارة والصناعة سنة 1959 ليسبق زمانه ويواكب أحدث مقاييس ومعايير ومقومات غرف التجارة والصناعة في العالم، تحتذي به الدول وتنهل منه حتى الدول التي سبقتنا في مضمار التقدم، لكننا سبقناها في هذا التنظيم المبهر للغرفة إلى الحد الذي يمكن أن نقول فيه لو لم يكن لدينا مثل هذا القانون لتمنينا أن نصنع مثله.
فلا غرو أن يعيش هذا القانون نابضاً بالحياة ليوفر للتجارة والصناعة ولمؤسساتهما كل الأدوات والآليات اللازمة لنجاحهما، وقد كان تنظيم هذا القانون لشؤون الغرفة متكاملا في الدفاع عن المصالح التجارية والصناعية وتمثيلها في المحيط الإقليمي والدولي والعمل على ترقيتها، حيث أناط القانون بالغرفة جمع المعلومات والإحصاءات المتعلقة بهذه المصالح ونشرها وتزويد الدولة بكافة مؤسساتها وغيرها، برأيها في إنشاء البورصات والموانئ والأسواق والمعارض وفي دراسة مشاريع القوانين والمراسيم ذات الصبغة الاقتصادية والمالية بما يؤدي الى تنشيط التجارة والصناعة وحمايتها وتوجيهها وغير ذلك من اختصاصات وصلاحيات مما أدى إلى ازدهار التجارة، وخصوصا بعد ظهور النفط.
وقد أضفى عليها القانون استقلالا في تكوينها من أرباب المهن التجارية والصناعية وفي إدارة كل شؤونها الإدارية والمالية مضفياً عليها الشخصية الاعتبارية مع منحها بعض امتيازات السلطة العامة، وقد كانت الغرفة ولا تزال السند والعضد للدولة ولأعضائها ولأرباب المهن والحرف معينا ومشرعا وقاضيا ومحكما وموثقا.
وأصبحت غرفة التجارة والصناعة بذلك جزءا من تاريخ الكويت يسطر أمجادها وأمجاد الرعيل الأول الذين أقاموا من وعيهم الحجر المكين لأول صرح ديموقراطي في الكويت عاصر استقلالها، ومن ضمائرهم السياج المتين والملاذ الأمين لأول منظمة للمجتمع المدني في الوطن العربي كله تشمخ بتنظيمها وبرجالها الذين ساهموا بعد ثلاث سنوات من وضع دستور للبلاد، كان داعما للغرفة وسندا لها في مشوارها.
من الأوجه التي تمارس بها الأمة سيادتها منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها غرفة التجارة والصناعة