رصدت مصادر استثمارية ومالية قصوراً شديداً في الالتزام الواضح بسياسات تعارض المصالح، إذ تفتقد أغلبية الشركات وجود معايير واضحة بهذا الشأن، فالقائم على بعض مواقع الشركات والمُعلَن رسمياً لا يتعدى كونه شعارات، وهذه في لغة الأرقام «لا محل لها من الإعراب» خصوصاً وسط التنافسية بين أسواق المال لجذب المستثمرين الأجانب والسعي الحثيث إلى تطوير الأنظمة وسعي الشركات إلى الالتزام بأقصى درجات الشفافية والحوكمة، والإعلان عن سياسات وإجراءات واضحة تعالج مشكلة تعارض المصالح.
ولا تزال شريحة واسعة من الشركات تستخدم هذا الملف من باب الترف، وتعلن في شأنه شعارات ليس إلا، فلا توجد أي إجراءات واضحة أو خطوات أو بنود محددة تتبعها يمكن أن تضع ملف تعارض المصالح موضع الالتزام أو التنفيذ الفعلي.
فكل رأسمال الشركات التي تعبئ هذا الجانب إنشائياً هو من باب الترف فقط، خصوصاً إذا ما كان هذا الأمر عبارة عن «ترهات» ومجرد نص بلا أسس، على سبيل المثال لا الحصر تعلن شركات مرخص لها أنها تسعى إلى الحد من التعارض المحتمل في المصالح، لذلك تم إعداد سياسة تعارض المصالح، لكن دون بنود أو محددات واضحة، وفي الواقع ترتكب شركات كل أنواع تعارض المصالح.
وتضيف بعض هذه الشركات الملتزمة إنشائياً بشعارات منع تضارب المصالح مثلاً: نضع لهذه السياسة خطوطاً إرشادية لتحديد حالات تعارض المصالح المحتملة والإبلاغ والكشف عنها ومنعها، دون أي تحديد أو ذكر لأي حالات.
أيضاً تؤكد شركات مرخص لها أنها قامت بتطوير إجراءات مناسبة للكشف عن تعارض المصالح، وإدارتها بفعالية، والتأكد من أن مجلس الإدارة يعالج تعارض المصالح الحالي والمحتمل، وأن يتم اتخاذ جميع القرارات لتحقيق المصالح المثلى للشركة.
من باب الشفافية والتطبيق الأمثل لهذه السياسات، التي تبرز أهميتها وسط التضارب الملحوظ في شركات عديدة والخلط بين المصالح الخاصة والعامة يمكن سرد الملاحظات التالية:
1 - إعلان سياسات وبنود منع تعارض المصالح يتوجب أن يتخطى مرحلة الشعارات وملء الفراغات وأن تعلن الشركة المعنية عن هذه الخطوات التي تحدد مسار مكافحة هذه الظاهرة.
2 - وضع بنود ومعايير واضحة لمكافحة ومجابهة تعارض المصالح من شأنه أن يشكل رقابة من الجمعية العمومية على الشركة.
3 - من الخطوات الإجرائية الرامية للتطور وزيادة جرعة الشفافية يجب أن نصل إلى مستوى تضمين التقرير السنوي الشامل تقريراً يخص هذا الجانب.
4 - من الخيارات الأخرى يمكن أن يتم إلزام الشركات بتضمين تقرير الجزاءات والعقوبات بنداً عن تعارض المصالح، وما إذا كانت هناك أي حالات وقعت أو إجراءات تم اتخاذها أو وقوع شبهات من عدمه.
5 - الاهتمام بهذا الملف سيضع الشركات تحت طائلة المسؤولية القانونية والالتزام أمام الجهات الرقابية بضرورة توخي الحيطة والحذر من الوقوع في ممارسة أو شبهات تعارض المصالح ما سيخفض من هذه الممارسات بأكثر من 90% تقريباً لا سيما أن هذه الممارسة ستتحول من بند من بنود الرفاهية إلى بند إلزامي.
6 - ملف تعارض المصالح يجب أن يتحول إلى نهج وسلوك بدلاً من فلسفة بعض الشركات الحالية التي تنص في إجراءاتها على أنها تسعى للحد، وهناك فارق بين «السعي» و«الالتزام»، فالأولى كمحاولة قد تصيب وقد لا تصيب خصوصاً إن كانت تتعلق بمصلحة أحد المسيطرين الرئيسيين وأصحاب النفوذ المالي والإداري على الكيان كما أن السعي ليس إلزامياً على عكس الالتزام بتطبيق سياسات موضوعة ومعايير واضحة.
7 - على الشركات التيقن بأنها لم تعد تخاطب المستثمرين الأفراد المحليين فقط، فهناك أجانب من أفراد ومؤسسين وجهات محترفة على أعلى مستوى يراقبون البورصة خصوصاً بعد ترقيتها وتصنيفها على أكثر من مؤشر عالمي أبرزها MSCI بالتالي الاحترافية في تطبيق معايير الشفافية والحوكمة والنزاهة يجب أن يتخطى مفاهيم الشعارات إلى الممارسة الفعلية والواقعية.
8 - خطوة الارتقاء بممارسة منع تعارض المصالح ستنعكس إيجاباً على قرارات المستثمرين الأجانب والمحليين وترسخ منسوب الثقة بشكل كبير، فمثل هذه الممارسة هي تتويج لأعلى درجات العدالة التي تنشدها تعليمات وقوانين ولوائح الجهات الرقابية في شأن وصول المعلومات الجوهرية للجميع بعدالة، وتتويج تلك الممارسات بعدم التغول من جانب أصحاب النفوذ عبر كبح جماح تعارض المصالح يحقق أقصى درجة من الأمان الاستثماري لأصحاب السيولة والملاءة المالية.
9 - يجب أن يكون هناك تحديدٌ إرشاديّ عام وشامل لحالات تعارض المصالح، بحيث لا يتم ترك الباب أمام كل جهة أن تحدد هي حالات تعارض المصالح وتترك الثغرات التي تراها لتحقيق أهداف أصحاب المصالح من الأطراف التي تتخذ من سياسات التلاعب بأموال وحقوق المساهمين ومصالحهم هدف لتحقيق مكاسب على حساب الغير باستغلال واستخدام أموال المساهمين والدروس كثيرة وطويلة منذ الأزمة المالية العالمية أواخر 2008 وما شكلته تلك الأزمة من ذريعة لكيانات تم إفلاسها واسقاطها وتبديد أموال الأفراد.
10 - أخيراً يجب أن تكون عملية الكشف عن تعارض المصالح ليست من الداخل أو مسؤولية الشركة بحيث تكتشف أو لا تكتشف متى شاءت بل يتوجب أن يخضع هذا الجانب لحيز كبير من الرقابة تبدأ من مراقب الحسابات والجهات الرقابية مروراً برقابة الجمعية العمومية وتقديم تقرير موقع من مجلس الإدارة بعدم وقوع أي حالات تعارض مصالح على أن يكون أساس ومرجع للمحاسبة في حال تم إكتشاف أي تجاوز يخص هذا البند.