قدم أعضاء مجلس الأمة اقتراحات بقوانين كثيرة خلال الأيام الماضية، وسأركز في هذه المقالة على جانبين منها:
الجانب الأول: يتعلق باقتراحات الصرف المالي التي ستضيف مبالغ مليونية جديدة إلى المصروفات المالية في الميزانية الحالية البالغة 26.5 مليار دينار، وحسب تقدير وزارة المالية فإن المصروفات المقدرة في الميزانية الحالية (26.5) لا يمكن توفيرها إلا إذا بلغ معدل سعر برميل النفط الكويتي للسنة بأكملها 92.5 دولاراً فهو سعر التعادل، بالإضافة بالطبع إلى الإيرادات غير النفطية التي تبلغ 2.2 مليار سنوياً، ومن المعلوم أن متوسط سعر النفط في الأشهر الثلاثة الأولى من الميزانية الحالية كان في حدود 76.5 دولاراً، أي أنه أقل بكثير من سعر التعادل، وأنه أي هذا السعر إذا استمر طوال السنة حول هذا المعدل فستصاب الميزانية بعجز مالي يقدر بنحو 5 مليارات دينار، وأي إضافة جديدة إلى مصروفات الميزانية ستزيد هذا العجز، وسيعود المجلس والحكومة لبحث الحلول نفسها التي كانت اللجنة المالية تناقشها عام 2021 قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، أي بعد ثماني سنوات من عجز متتالٍ في الميزانية حتى عام 2021، هذا العجز الذي التهم كل السيولة في الاحتياطي العام خلال تلك الفترة.
وكانت هذه الحلول هي:
1- اقتراض 20 مليار من السوق العالمية.
2- تسييل أجزاء من احتياطي الأجيال.
3- استهلاك أرباح واحتياطيات الهيئات المستقلة مثل مؤسسة البترول وغيرها.
وجميع هذه الحلول سيئة وضارة بالوضع المالي الكويتي المستقبلي.
ونظراً لخطورة الموضوع ولأن زيادة المصروفات أمر حتمي في المستقبل بسبب الزيادة المطردة في عدد الكويتيين وكلفة الخريجين منهم بالذات أرى أن يقدم الأعضاء الزيادات المالية الضرورية فقط، والتي يمكن للميزانية أن تتحملها مثل القانون 49 لسنة 82، مع العمل على توفير مصادر مالية جديدة للمالية العامة، فعلى الأعضاء الدراسة الجادة لأرقام الميزانية، وعليهم على الفور تقديم اقتراحات الإصلاح الاقتصادي التي تؤدي إلى تقليل المصروفات وزيادة الإيرادات التي تكفل بإذن الله تغطية هذه المصروفات الكبيرة القادمة.
الجانب الثاني: يتعلق باقتراحات بتعديل اللائحة الداخلية للمجلس، حيث يلاحظ أن أكثرها كما ورد في عنوان جريدة «الجريدة» (عاصفة تقلص صلاحية الحكومة)، ويلاحظ أن بعض هذه الاقتراحات لا بأس به مثل اقتراح إلغاء لجنة الأولويات لأن كثيراً من مواد اللائحة تعتبر أفضل منها وتغني عنها، ولكن بعض الاقتراحات مخالف للدستور وبعضها مخل بالتوازن والتفاهم الذي بني عليه النظام السياسي للبلاد، فقد نص الدستور على أن أعضاء الحكومة هم أعضاء في مجلس الأمة، ولهم حق التصويت على جميع القرارات ما عدا قرار طرح الثقة، ولا يجوز لأي تعديل في اللائحة أن يحرمهم من هذا الحق كما جاء في الاقتراح القاضي بمنع أعضاء الحكومة من التصويت في انتخابات لجان المجلس، والتصويت على القرارات الأخرى، كما أن كثيراً من الأساتذة الدستوريين يرون أن حضور الحكومة شرط لصحة انعقاد الجلسات مثل د.عبدالفتاح حسن، ود.عادل الطبطبائي، كما يرى د.محمد الفيلي أن هذا الموضوع يجب أن تحسم الخلاف فيه المحكمة الدستورية.
أما الإلزام بعلانية التصويت على انتخاب أعضاء مكتب المجلس فهو مخالف لحق دستوري، وهو الحق في الحرية الشخصية والخصوصية والسرية، أما اقتراح نقل الجلسات على الهواء مباشرةً فهو يخالف الحكمة التي رأيناها عندما قدمنا هذا القانون في المجالس السابقة، حيث تمت الموافقة على العرض في نفس اليوم وليس بالنقل المباشر، إذ إن النقل المباشر سيؤدي إلى الانتشار الإعلامي لكثير مما قد يقع فيه النواب من مخالفات للقانون أو مساس بكرامة الأشخاص أثناء حديثهم، ولا شك أن نشر هذه الأمور يخالف القوانين الكثيرة التي نصت على عدم نشر ما يمس كرامة المواطنين، كما نص قانون اللائحة الحالي على شطب كل ما يخالف القانون قبل النشر.
ومن التعديلات المطروحة أيضاً استمرار المجلس الجديد في نظر تقارير لجان المجلس السابق، وهذا خطأ أيضاً إذ إن المجلس الجديد سيشكل لجانا جديدة، ولهم الحق في الموافقة أو رفض أو تعديل أي اقتراحات أو تقارير من المجلس السابق، بالإضافة إلى ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات من توجهات جديدة، لذلك فهذا التعديل يصادر حقهم الطبيعي.
هذه أمثلة من تعديلات قدمت لتعديل قانون لائحة المجلس، وأخشى أن تخل هذه التعديلات بالدستور والتوازن والتفاهم الذي بناه الآباء بين المجلس والحكومة، وقد تتسبب في طغيان سلطة على السلطة الأخرى، فما يصلح لهذا المجلس قد لا يصلح لمجالس أخرى قادمة، خصوصاً إذا تغيرت تركيبتها.