كان إدغار ألن بو يتطاول على زملائه في الجامعة بألفاظ مقذعة ومبتذلة، فكانوا - بدورهم - يردّون عليه الصاع صاعين:
- مَن تحسب نفسك أيها الحقير، هل نسيت أنك لقيط؟
- أنا لقيط؟
- أجل.. وأبوك المزعوم كان لصاً، وسكيراً؟
- أبي أنا؟
- ولقي حتفه وهو يفرّ من الشرطة في نيويورك، وكلنا نعرف أن أمك كانت «كومبارس» حقيرة في فرقة متجولة!
فيصرخ فيهم: هذا كذب.. كذب.. أيها الأوغاد السفلة، ألم تقرأوا أشعاري في جريدة المدينة؟ ألم تقرأوا قصصي في مجلة الجامعة؟
تحت اسمي، إدغار ألن بو؟ فوالدي هو الوجيه جون ألن بو.
- ليس والدك، بل هو متبنّيك.
***هذا هو العبقري الذي كتب عنه جورج برنارد شو:
«إدغار ألن بو ألطف مَن نظم شعراً مؤثراً في القرن التاسع عشر، وهو أعلى الروائيين فناً أيضاً».
لكنّ هذا العبقري وقع أسيراً بين أضلاع المثلث المروع: المخدرات، والفقر، والعُزلة.
لأنّ الرجل الذي تبناه طفلاً توقّف عن دفع مصاريف دراسته الجامعية بعد أن وجده يتعاطى المخدرات ويعاقر الخمور ويلعب القمار، فطردته الجامعة، فجاء يحاول إقناع والده - بالتبني - أن يعيد النظر.
- كأنك يا أبي لم تطّلع على ما يكتبه النقاد عن شعري وقصصي؟
- لن أسمح لك أن تنحدر بسمعتي إلى هذا المنحدر.
- إنني شاعرٌ يا سيدي.
- يا سيدي؟ هذه نغمةٌ جديدة!
- لأنك تنصّلت من أبوتي.
- كفى.. كفى.. وكُف عن هذيانك.
- حسناً.. هل تريدني أن أكون ملاكاً؟
- أريدك أن تكفّ عن كتابة الشعر والقصص.
- لن أعدك بذلك.
- إذن، ماذا يُبقيك أيها السكّير تحت سقف بيتي؟!
***بعد أن طُرد لم يجد ملاذاً غير خالته التي لها ابنة عمرها ثلاث عشرة سنة.
- خالتي... أريد أن أتزوج فرجينيا.
- إنها صغيرة يا ولدي.
- كلّا يا أمي، لستُ صغيرة، وأريد الزواج من ابن خالتي.
***وتم كل شيء، لكنّ فرجينيا لم تكُن قادرة على احتمال تعاطي المخدرات والخمور، وسرعان ما أصابها السعال بسبب الدرن، فماتت.. وكتب يرثيها:
كم هو رقيق شحوب وجهِك
نائمٌ جمالك كهرّة ذات فراء
صمتٌ يلفّكِ يهمس في مكر
دعها أيها المحب إنها نائمة
***بالطبع هناك الكثير مما يمكن أن يقال عن إبداع إدغار ألن بو، لكن جرعات المقال الصحافي ليست سوى تنشيط لذكريات من يعشقون الأدب الإنساني.