غير بعيد من جيب كالينينغراد الروسي الواقع بين بولندا وليتوانيا، وعلى مسافة 35 كلم من بيلاروسيا، اجتمع قادة حلف شمال الأطلسي في فيلنيوس، لإقرار أول خطط دفاعية شاملة لهم منذ نهاية الحرب الباردة في مواجهة أي عدوان محتمل لروسيا، وإرسال رسالة دعم ووحدة مع أوكرانيا، مع بحث معضلة انضمامها إلى «الناتو»، الذي كان ضمن جملة أسباب طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتبرير هجومه العسكري عليها.
وفي نهاية اليوم الأول من الاجتماع، أقّر قادة الحلف تشكيل قوة قوامُها 300 ألف جندي على أهبة الاستعداد بما فيها قدرات جوية وبحرية، واتفقوا على أنّ هدفهم المتمثّل بإنفاق 2 في المئة من إجمالي ناتج بلادهم الداخلي على نفقات الدفاع والتسلح سيصبح حدّاً أدنى.
وأعلن الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، أن القادة أكدوا مجدداً أن أوكرانيا ستصبح عضواً في الحلف، وربطوا دعوتها للانضمام إليه بمعيار «توافر الشروط المطلوبة»، مشيراً إلى أنهم أقروا حزمة قوية من المساعدات، لكنهم لم يحددوا جدولاً زمنياً لهذه العملية، التي كانت ضمن جملة أسباب طرحها بوتين لتبرير هجومه العسكري عليها.
وإذ اعتبر القادة أن الصين ليست عدوّاً للحلف، لكن يجب ألا تتحدى القانون الدولي، وخصوصاً في موقفها من أوكرانيا وإيران، عبّر الأعضاء، في بيان نقله ستولتنبرغ، عن القلق الشديد من أنشطة إيران الخبيثة داخل أراضي الحلفاء، داعين قيادتها إلى الامتناع عن الأفعال التي تزعزع الاستقرار مثل احتجاز السفن.
وفي بيان ختامي لقمّتهم في ليتوانيا، قال القادة: «ندعو إيران إلى وقف دعمها العسكري لروسيا، ولا سيما نقلها الطائرات المسيّرة المستخدمة لمهاجمة البنية التحتية الحيوية، مما تسبب في خسائر مدنية واسعة النطاق».
وبعد مطالبته برسم مسار واضح وتقديم إطار زمني للانضمام للحلف، وصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى العاصمة الليتوانية، وألقى خطاباً أمام حشد في وسط فيلنيوس، في وقت أعلن وزير دفاعه أوليكسي ريزنيكوف عن «تحالف» من 11 دولة لتدريب طياريه على مقاتلات إف 16.
ومع بداية القمة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدء إمداد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى من طراز سكالب، «لمساعدتها في الدفاع عن نفسها ضد روسيا، وتنفيذ هجمات في العمق».
وفي حين تُركت أوكرانيا تنتظر دورها، اقتربت السويد من الحصول على عضوية الحلف، في تحوُّل استراتيجي شمل فنلندا، بعد عقود من الحياد وعدم الانحياز العسكري بعد الحرب الباردة.
وعشيّة القمة، وافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على إحالة طلب السويد للانضمام إلى البرلمان للمصادقة عليه، واتفق مع رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون، على تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وتطوير العلاقات الاقتصادية بين تركيا وأوروبا.
وأعطت موافقة أردوغان كذلك دفعة قوية لخططه الرامية لإحياء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وشجعت كذلك الرئيس الأميركي جو بايدن على الموافقة على تزويدها بمقاتلات إف 16.
في المقابل، حذّر «الكرملين» من تبعات «سلبية جداً» على الأمن الأوروبي في حال انضمام أوكرانيا، وأيضاً على أمن روسيا نفسها بسبب ضم السويد إلى حلف شمال الأطلسي، وتخلّيها بعد فنلندا عن الحياد.
واعتبر المتحدث باسم «الكرملين»، ديميتري بيسكوف، أن تزويد ماكرون أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى «خطأ عواقبه وخيمة»، وسيجبر موسكو على اتخاذ «إجراءات مضادة» في أوكرانيا.
وفي تفاصيل الخبر:
مع بداية قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو»، التي تشهدها ليتوانيا على مدار يومين، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس شروعه في إمداد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى من طراز «سكالب» لمساعدتها في الدفاع عن نفسها ضد روسيا.
وقال ماكرون، في بداية القمة، إنه قرر زيادة « الأسلحة والمعدات المرسلة إلى أوكرانيا، بحيث يمكن للأوكرانيين تنفيذ هجمات من مسافة أطول، مضيفاً: «لقد قررنا إرسال صواريخ جديدة تتيح لأوكرانيا تنفيذ هجمات في العمق، وأعتقد أن المهم اليوم بالنسبة لنا هو توجيه رسالة دعم لأوكرانيا، وأن حلف شمال الأطلسي موحد».
وصاروخ «سكالب» هو النسخة الفرنسية من صاروخ «ستورم شادو» البريطاني، قادر على إصابة أهداف على بعد 250 كلم، وهو الأبعد مدى بين الصواريخ التي وفرتها دول غربية لأوكرانيا.
وأكد مصدر عسكري فرنسي بدء تسليم أوكرانيا عدداً كبيراً من صواريخ «سكالب»، التي سيجري دمجها في طائرات حربية غير غربية. وأبلغ أنه لن تستخدم إلا داخل حدود أوكرانيا، معتبراً ذلك ليس تصعيداً للحرب لأن روسيا تطلق صواريخ مداها أبعد بكثير.
وعلى الفور، اعتبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن إعلان ماكرون «خطأ عواقبه وخيمة» سيجبر موسكو على اتخاذ «اجراءات مضادة» في أوكرانيا.
رسالة إيجابية
من جهته، طمأن الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ أوكرانيا بأنها ستتلقى «رسالة إيجابية واضحة ومتحدة» لسعيها للانضمام إلى المعسكر الغربي بالإضافة إلى شكل جديد للتعاون مع مجلسه، مبيناً أنها ستحصل أيضاً على المزيد من المساعدات العسكرية والضمانات الأمنية.
بدوره، قال المستشار الألماني أولاف شولتس، إن المساعدات العسكرية الجديدة التي تم تقديمها لكييف وتقدر قيمتها بـ700 مليون يورو (770.9 مليون دولار) تهدف للسماح باستمرار الدعم على المدى القصير.
وأضاف شولتس، أن مجموعة السبع، التي تضم فرنسا وإيطاليا واليابان وكندا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، ستصدر بياناً مشتركاً بشأن الالتزامات الأمنية طويلة المدى لأوكرانيا.
وفيما قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، إن الاجتماع يرسل «إشارة إيجابية» حول طلب كييف الانضمام للحلف، أعاد الرئيس جو بايدن تأكيد التزام واشنطن تجاه الحلف بينما كان يتحدث وإلى جانبه الرئيس الليتواني جيتاناس نوسيدا، الذي يشعر بقلق بالغ من عواقب الحرب الروسية في أوكرانيا على أوروبا الشرقية.
ويضغط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الحلف من أجل رسم مسار واضح للانضمام إليه بمجرد انتهاء الحرب، معتبراً أن قواته تصد العدوان الروسي عن أوروبا وعدم تقديم إطار زمني لانضمام للحلف سيكون «أمراً غير مسبوق وعبثياً». وحذّر من أن الغموض المستمر حول عضوية أوكرانيا بالحلف من شأنه أن يمد روسيا «بدافع لاستمرار إرهابها».
في المقابل، أكد بيسكوف أن الكرملين «يتابع من كثب» قمة الحلف، مندداً بـ «طابع قوي مناهض لروسيا» لهذا الاجتماع.
وحذّر من تبعات «سلبية جداً» على الأمن الأوروبي في حال انضمام أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي، الذي كان ضمن من جملة أسباب طرحها الرئيس فلاديمير بوتين لتبرير هجومه العسكري.
السويد وتركيا
وفي حين تركت أوكرانيا تنتظر دورها، اقتربت السويد من الحصول على عضوية الحلف، مع موافقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عشية القمة على إحالة طلبها للانضمام إلى البرلمان للمصادقة عليه.
وفي تحول استراتيجي شمل فنلندا بعد عقود من الحياد وعدم الانحياز العسكري بعد الحرب الباردة، اتفق رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون وأردوغان على تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب وتطوير العلاقات الاقتصادية بين تركيا وأوروبا.
وقال سوليفان إن الولايات المتحدة تعهدت أيضاً بالمضي قدماً في نقل طائرات مقاتلة من طراز إف-16 إلى تركيا. وقال بايدن إنه لم يتفاجأ «على الإطلاق» بأن تركيا تخلت عن اعتراضها وإنه يثق في أن السويد ستحظى بتأييد الدول الأعضاء للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
واعترف بيسكوف بأن انضمام السويد الى الحلف ستكون له «تداعيات سلبية» على أمن روسيا، مضيفاً أنه ستتخذ إجراءات «مقررة ومخططاً لها» رداً على ذلك.
وأقرّ بيسكوف بوجود «تباينات» بين روسيا وتركيا، مؤكداً أنهما «لا يخفيان ذلك. لكن جزءاً من علاقتنا هو في مصلحة البلدين وهذا مهم بما فيه الكفاية» بالنسبة إلى الكرملين.
وشدد وزير الخارجية سيرغي لافروف على أن روسيا تتخذ الإجراءات «المناسبة» في الوقت المناسب رداً على احتمال انضمام السويد وأوكرانيا إلى الحلف، مشدداً على أنها ستحمي «مصالحها الأمنية المشروعة».
في موازاة ذلك، ناقش شولتس مع إردوغان علاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن «المجلس الأوروبي اتخذنا قرارات حول سبل زيادة تطوير العلاقة».
و قال مسؤول تركي كبير، إن أنقرة تتوقع إحياء مجموعة لإصلاح الاتحاد الأوروبي وأن يحقق الاتحاد تقدماً ملموساً في قضايا مثل السفر بدون تأشيرة، ودعمها في احتياجاتها المالية.
وذكر أن تركيا ستطور علاقات «منطقية» مع الولايات المتحدة وتتوقع حلاً سريعاً لبعض المشاكل رغم أن بعض القضايا قد لا يمكن حلها. وأضاف أن تحسن علاقات تركيا مع الغرب لن يضر بعلاقاتها مع روسيا.