بداية الانحراف البرلماني خلط الأوراق
بعد ظهور نتائج انتخابات مجلس الأمة بتاريخ 7/ 6/ 2023، أشرنا إلى ضرورة أن تحكم الأغلبية، بل ورئاسة المجلس ومكتبه، مسارَ أعضاء مجلس الأمة، كي يتسم بالرويّة والحكمة والمُضيّ بأولويات لا تثير سخط الكويتيين أو غالبيتهم، ولا تندفع بممارسات تربك الدولة ومسيرتها بتدافع غير منطقي ولا حصيف في تصويب سهام مساءلة أو إثارة سياسية مبكرة تجاه الحكومة قبل مُضيّ فترة زمنية معقولة، وقبل إنجاز ملفات وطنية مستحقة ومسائل شعبية معلّقة أو خدمات عامة معطلة، حتى يكون ذلك تدرجاً يحقق التفافاً شعبياً ومصداقية وطنية ومدّ جسور تعاون مشهود مع الحكومة.
ورغم أنه لم يمضِ على مجلس الأمة أكثر من ثلاثة أسابيع من جلسته الافتتاحية، فإنّ أسهم المجلس بدأت تخرج بتعجّل ومن دون حصافة لتصوّب للحكومة ووزرائها، بإثارة قضايا متعددة دون أولوية وبلا تنسيق أو تركيز متّزن، بل وتدفع باستخدام أدواته السياسية بشكل متعجل وبسباق محموم بين الأعضاء بموضوعات مكررة ومتشعبة، من دون أن تكون لها منطقية أو معقولية.
وها نحن نجد أن عدد الأسئلة البرلمانية قد وصل إلى أرقام غير مقبولة ولا منطقية، ولا تنمّ عن حنكة وفطنة سياسية في مباشرة تلك الأدوات، وهو ما سيؤدي إلى وضع الحكومة أمام حالة من العرقلة الواقعية في عدم القدرة على الإجابة عن الأسئلة البرلمانية من ناحية، ومن تعطيل قيامها بمهامها التنفيذية والإدارية اليومية والمستقبلية، وهو ما يعني أننا قد وضعنا العصا في العجلة.
وعلى مسار آخر، نجد أن عجلة التشريع التي بدأ فيها مجلس الأمة مسلكه لا تبشّر هي الأخرى بغلَبة الحكمة والفطنة وحُسن التدبير لدى الأعضاء، فها هي أعداد مقترحات القوانين تتزايد بصورة غير سويّة، وتفتقد التركيز والمواءمة وترشيد الأولويات، وهكذا طاشت الاقتراحات بقوانين ليلجَ معظمها إلى ما يسمّى بالمقترحات الشعبوية التي تدغدغ حماس الناخبين واندفاعهم لتحقيق المكاسب الانتخابية بعيداً عن المصلحة العامة وبناء الوطن، وهو ما يُفقد العمل البرلماني بوصلته ومساره الرشيد، وينبئ عن انحراف مبكر، وقرب العودة إلى المربع الأول في نطاق التجاذبات والصراعات والسباق المحموم ببن الأعضاء، وهم يعلمون يقيناً أنهم لن ينجزوا ذلك بقدر دغدغة الجماهير من دون جدوى حقيقية للوطن أو المواطن.
ودخلت للمنافسة تقارير اللجان البرلمانية حتى يكون لكل منها قصب سبق تتفاخر به بالمقارنة مع لجان الآخرين والحديث عن تفوقهم على منافسيهم، وهو إجهاد وإجهاض وانحراف للعمل البرلماني.
ومن أخطر المنزلقات لمجلس الأمة، أو بعض أعضائه، تقديم مقترحات لا تتعلق بالمواطنين وحقوقهم، ولا بالدولة ومسارها ومشكلاتها، وإنما بمقترحات لا تمتُّ إلى الدستور بصِلة، وتتجاوز على أحكامه وتنتهك نصوصه بعيداً عن الذود عن حقوق الشعب وحرياته، كما أقسموا، وأوضح صورة لهذا الانحراف، اقتراح بعض الأعضاء منح غير المواطنين، (أي المقيمين بصورة غير قانونية)، حقوقاً ثابتة بالقانون، وخلافاً للمادة 91 من الدستور.
وهذا المسار ينمّ عن انحراف مبكّر في العمل البرلماني، وحيدةٍ عن المسار الرشيد، كما أنه خلط للأوراق بتقصير أو بعدم اكتراث، سيؤدي إلى التعجيل في إدخال البلاد بأزمات لم تخرج من دوّامتها لفترات ماضية، وما زلنا نعاني تداعياتها.