حذار من سخط البيئة
في أكثر من مقال عبرنا عن تحذيرنا من العابثين ببيئة الخليج العربي لتفادي سخطها وغضبها، طبعاً هذا التعبير المزاجي ما معناه، إياك أن تعادي البيئة التي تعيش فيها، وعلينا التصالح معها وعدم الإضرار بها، فإذا أوجعت البيئة آذتك بظواهرها الطبيعية المتنوعة.
كما نعلم وتعلمون أن كل شيء في الكون يمشي بنسق قد لا نعلم أساسه، لا يعلمه إلا محرك هذا الكون الرب العظيم، بحكمته وقدرته «خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا». (سورة لقمان).
كما هو معلوم أن الإنسان أكبر عدو لها، إذ تعتبر أنشطته وأعماله اليومية أعظم إتلافا وإفسادا لبحرها وجوها وبرِّها، هناك من يدفن السواحل، وآخر يجرف الغابات والمزارع وصولا لقطع الأشجار والحشائش، وشركات تفسد مناخها بالغازات السامة التي تقذفها ليل نهار، ويحدث بذلك تفاعلات كيميائية مع الغازات في طبقاتها الجوية والذي ينتج عنها في الأخير مركبات هيدروكربونية أو مركبات كلورو فلورو كربونات، والفلور كربونات والأوزون التي تحدث بتشكيلاتها خللاً في الغلاف الجوي يسبب ارتفاعا في درجة الحرارة فيما يعرف بـ«الاحتباس الحراري»، وقد تكون آثاره أن يتسبب في إحداث العواصف والأمطار.
الأمر لا يقتصر على الخلل في الغلاف الجوي، حيث سهولة انتقال هذه المركبات الكيميائية من الطبقات العليا إلى الوسطى، ومن ثم السفلى بالقرب من الأرض التي سيكون تأثيرها على وجود الكائنات الحية البرية والبحرية وبالتالي، هلاك، أو مرض بعض الكائنات الحية الدقيقة والصغيرة، وينتج عن ذلك تأثر أو ضرر في جميع السلاسل الغذائية المكونة للتنوع الحيوي وصولاً للإنسان.
باختصار الخلل في بيئة الكون يصل للإنسان في نهاية المطاف، كالأوبئة المنتشرة من جراء قذف النفايات الغذائية في الأرض الذي يعتبر إيذاء للبيئة، لكن بالتأكيد سيصل ضررها للإنسان، وكذلك أي جرف للأراضي أو حرق الغابات أو شق البحار وعمل السدود ستكون نهايته مصيبة علينا، وهذا ما قصدناه بإذا أوجعت البيئة فستسخط عليك وسيرجع تأثيرها على الإنسان والكائنات الحية المختلفة والكون برمته.
لو تفكرنا فيما يجري من زيادة البراكين والزلازل والفيضانات بأنه سخط من البيئة لِما يحصل عليها من تعديات تؤول الى اهتزازات كونية، في الجو أو البحر كانت أو اليابسة لأدركنا الحقيقة، ولعل ما يقوله خبراء البيئة لا تدركه عامة الناس أو لا يصغي إليه العابثون، لكن بعض الآيات التي تنص على عظمة الخالق في تدبير حركة الكون في قوله تعالى: «كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ»، أي الشمس والقمر والنجوم والكواكب وغيرها من الأجرام السماوية، تتحرك بدقة متناهية وتجري في أفلاك وخطوط بحكمة واقتدار بعظمة الله عز وجل، وكذلك تَحدَّث عن الأرض في قوله تعالى: «وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ»، وقد يفهم من قوله تعالى، أي بسطناها وقمنا بتثبيتها بجبال حتى لا تميد بالعباد، وفي قوله تعالى: «وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ»، أي ملئت بالماء كما جاء في التفسير القرآني، أي يفيض بعضها إلى بعض فتصير شيئا واحداً، كما جاء في تفسير الآية الكريمة، وفي تفسير كشط السماء، أي نزع ما يحتويها كنزع الجلد من الحيوان في قوله تعالى: «وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ»، وبنيت فوقها سبع شداد، أي بنى الله عز وجل سبع سقوف للسماء في غاية القوة لا تتشقق ولا تتصدع بأيدِ شداد وقوية لأن الله عز وجل يعلم، جلت قدرته، أن هناك عابثين من البشر سيدمرون الأرض والجو والبحر وكل غلاف البيئة.
ألا يعتبر العابثون بالبيئة، كجارفي المزارع والمراعي والغابات، وقاذفي النفايات في البر والبحر والجو، تعدياً عليها، وأنهم يعملون ثغوراً وفجوات وتصدعاً في الأرض ومحاصيلها الزراعية، وبالتالي يحدثون خللا في التنوع الحيوي فيها أو حولها، فضلا عما يحدث فيها من تسريبات مائية بين التلال والهضبات، وهذا الخلل قد لا نشعره كونه يحدث في أعماق الأرض لكننا نلحظه في ما يجري من تغييرات في حدوث الزلازل والبراكين والأمطار وحرارة الجو والتغير المناخي في الغلاف الجوي.
لعل الأراضي الواسعة في الدول الكبيرة كروسيا وأميركا وكندا وأستراليا تستوعب التعدي على بيئتها، لكن ما يهمنا إسقاطه هنا خوفنا من الغرق من جراء ما يجري في الخليج العربي كون دوله صغيرة وجزره متناهية الصغر لا يمكن استيعاب هذه التعديات على بيئته، كدفن السواحل والبحار وجرف الأراضي الزراعية وعمل الأنفاق وشق الطرقات وبناء ناطحات السحاب بدلا عنها، خصوصا في الجزر الصغيرة المغلقة حيث بيئيا تعتبر من الجزر المهددة بالفيضانات كما يقول الخبراء، منها البحرين والكويت وقطر وبنغلاديش والمكسيك وجزر المالديف وبانكوك والبصرة وتشيلي وغيرها من الجزر القريبة من البحر، فأوقفوا تعديكم وعبثكم على البيئة حتى لا تسخط علينا.
* كاتب بحريني.