لم يكن الأسبوع الماضي عادياً في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، إذ اندلعت معركة المنصات عقب إعلان شركة «ميتا» من خلال رئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ تدشين تطبيق جديد اسمه «ثريدز»، عبارة عن منصة تواصل اجتماعية نصية منافسة للمنصة الأوسع انتشاراً في هذا المجال وهي «تويتر».

وما إن أُعلِن بدء تطبيق «ثريدز» حتى نشبت معركة كلامية بين مالك «تويتر» إيلون ماسك وزوكربيرغ، إذ اتهم ماسك شركة ميتا بالتعاون غير المشروع مع موظفين سابقين تخلت عنهم «تويتر» لإنشاء تطبيق «مقلد»، وأن لدى «تويتر» مخاوف جدية من أن ميتا قد تورطت في اختلاس منهجي ومتعمد وغير قانوني للأسرار التجارية والملكية الفكرية لـ «تويتر»، ليرد زوكربيرغ بأن «ثريدز» يحظى بقبول ملايين المستخدمين بصورة تلقائية، وأن المنصة ستبدأ لاحقاً في تقديم العروض الترويجية لجذب مليار مستخدم حول العالم.

Ad

منافسة وحسابات وهمية

هذه الأجواء أشعلت منافسة غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت على هامشها معارك لحسابات وهمية بين ماسك وزوكربيرغ دعمت «ثريدز» في تسجيل أول مليون مشترك خلال ساعة واحدة فقط من إطلاقه، وهو الرقم الذي احتاجته «تويتر» في عامين وإنستغرام في 70 يوماً، بل إن «ثريدز» وصل خلال أسبوع من إطلاقه إلى 100 مليون مستخدم حول العالم بأسرع من منصة الذكاء الاجتماعي ChatGPT الذي احتاج إلى نحو شهرين كي يصل إلى هذا الرقم.

ولسنا في معرض تقييم او توقع مدى نجاح «ثريدز» من عدمه او مدى تأثر «تويتر» بمنافسة التطبيق الجديد إنما في مجموعة من الدروس المستفادة من «معركة المنصات»، وأهمها أن النزاع بين «ميتا» و«تويتر» يأتي في إطار حرب أوسع تتعلق بالاستثمار في التأثير الذي سبق أن جعلت ماسك يدفع 44 مليار دولار العام الماضي رغم تعرض سياسات المنصة التحريرية لانتقادات المستخدمين مما خفض من إعلانات الشركات على «تويتر»، حيث إن هذا التطبيق يعتبر اليوم المنصة الأوسع انتشاراً في العالم من جهة الرسائل النصية المختصرة.

أدوار مهمة

وبالطبع فإن هذا التوسع هو ما مكنه من لعب أدوار مهمة في تحديد اتجاهات الرأي العام خلال 3 من أهم أحداث العالم بالسنوات القليلة الماضية كجائحة كورونا والانتخابات الأميركية 2020 وترقب انتخابات 2024 ومونديال قطر 2022 والحرب الروسية- الأوكرانية، فضلاً عن تحقيق منافع استثمارية واستراتيجية لإيلون ماسك، لاسيما في كونه مالكاً ومؤسساً لشركتين، مما يعرف بشركات المستقبل، وهما «تسلا» للسيارات الكهربائية و«سبيس إكس» لتصنيع الطيران والرحلات الفضائية، إلى جانب مضارباته الحادة في عالم العملات المشفرة، فهو استثمار يهدف إلى كسب «التأثير» وربما توجيه المنصة ذات الأرباح المحدودة لتسويق أفكاره وشركاته لنحو 250 مليون مستخدم على المنصة التي تأخذ طبيعة إخبارية أو أكثر جدية لدى رواد الأعمال أكثر من إنستغرام أو سناب شات او تيك توك وغيرها.

قواعد للملكية والمنافسة

كذلك سيقدم النزاع القضائي المنتظر بين «تويتر» و«ميتا» حول منصة «ثريدز» قواعد جديدة توضح الفرق بين حماية الملكية الفكرية وتكريس المنافسة وخطاً أوضح بين الاحتكار والابتكار، فضلاً عن الدرس المستفاد أصلاً من جهة طرح تطبيق ثريدز للتحميل في وقت فرض فيه ماسك قيوداً على التصفح المجاني لتطبيق تويتر، مما اعتبره العديد من المستخدمين ابتزازاً من منصة شبه محتكرة للرسائل القصيرة مما يتطلب وجود منافس يقلل من القيود أو القرارات المفاجئة والمزاجية، وهو ما يبين لنا أهمية المنافسة على المستخدمين أو لنقل المستهلكين في ظل تعدد الخيارات، وهو ما حدث بالفعل فلم تكد منصة ثريدز تنطلق حتى ألغى ماسك القيود الجديدة في «تويتر»!

عالم متغير

ولا شك ان ثمة دروساً عديدة تقدمها لنا معركة المنصات كدول خليجية في ظل عالم يتسارع في تغييراته بطريقة غير مسبوقة، فالناس يشترون بضائعهم من أسواق غير موجودة بالمفهوم التقليدي من خلال مواقع مثل أمازون او علي بابا وغيرهما وباتت منصة «zoom» بديلاً عن قاعات الاجتماعات التقليدية، ونافست نتفليكس صالات السينما، وتأثرت أعمال شركات البريد بنمو التراسل الإلكتروني «e-mail»، وبات الـ «iCloud» يغني عن طوابق متعددة من الأرشيف بل حتى ألعاب الأطفال لم تعد ملموسة كما السابق فمعظمها افتراضي وتكنولوجي.

استفادة خليجية

واليوم لم تعد منصات التواصل مجرد وسيلة للتسلية إنما باتت مدخلاً للتأثير وتسويق المنتجات والأفكار، وهو ما يوجب على حكومات دول الخليج ألا تتعامل مع هذه المنصات كخصم أو عدو أو حتى أداة لنزاعات بينية لا قيمة لها كما حدث خلال أزمتي الخليج 2014 و2017 والتي نالت نتائجها السلبية من المجتمع الخليجي سياسياً واقتصادياً وحتى في علاقاته الأخوية.

اليوم علينا أن نتعامل خليجياً مع هذه المنصات ليس فقط في كونها وسائل لتعزيز الشفافية وتوفير البيانات ودحض الشائعات بل أيضاً في اتخاذها كقنوات للتواصل ما بين الاجيال وتوفير قاعدة نقاش موسع حول الاستدامة والمستقبل وجدوى المشاريع والخطط الخليجية ودور المنطقة بشكل عام في العلاقة مع عالم متغير بشكل أسرع من أن تستوعبه أي وسيلة تقليدية أخرى.