يثير الحكم القضائي الذي أصدرته الدائرة الجزائية في محكمة التمييز قبل نحو شهر بعد رفضه للطعن المقام من المتهمين والمحكومين بمخالفة أحكام المادة 45 بإجراء الانتخابات الفرعية لقبيلة المطير في الدائرة الانتخابية الخامسة العديد من التساؤلات أهمها أثر هذا الحكم كونه صادراً من قضاء التمييز وهي المحكمة التي تقوم بوضع المبادئ والقواعد القانونية، كما يثير التساؤل بشأن أثره على المركز القانوني للمحكومين في حال رغبتهم بالترشح للانتخابات العامة أو ممارسة حقهم في الانتخاب.
وتنطلق تلك التساؤلات على خلفية ما أوردته محكمة التمييز في أسباب حكمها الذي سطرته رداً على أسباب الطعن المقام من المتهمين المحكومين وهم الطاعنون في معرض إشارتها لبيان الأفعال التي أقدم عليها المتهمون في القضية، والتي تضمنت إخلالهم بمقتضيات النزاهة اللازمة لإجراء الانتخابات العامة وأن السلوك الذي صدر منهم بعقد تلك الانتخابات يفقدهم صلاحية الترشح للانتخابات العامة، كما اشترط القانون وجوب نقاء صحيفة سوابق المرشح من جرائم مخلة بالشرف والأمانة وهو ما يتضح جلياً سواء في مخالفتهم لكافة القواعد القانونية المنظمة للدعوى لإجراء الانتخابات العامة.
ومثل تلك الأسباب التي أوردتها الدائرة الجزائية في معرض ردها لأسباب الطعن المقامة من دفاع المتهمين والتي انتهت برفض المحكمة لها يتضح بأنها تخص الواقعة المعروضة أمام المحكمة في المنازعة الجزائية المعروضة أمامها وأن ما خلصت إليه من قضائها برفض الطعن وتأييداً لأحكام الحبس يرتبط بالوقائع المعروضة بتلك الواقعة الجزائية فقط.
كما أن ما صدر من المحكمة الجزائية لا يمكن أن يتجاوز حدود ونطاق الدعوى الجزائية والتي ارتبطت وفقاً لأحكام قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بتقرير اتهام مفاده بمخالفة مجموعة من المتهمين لمجموعة من النصوص الجزائية الواردة بقانون الانتخابات وذلك على خلفية ارتكابهم وقائع يجرمها القانون فقط ولا يرتب أثراً حال ثبوت إدانة مرتكبها، وأن الأثر المترتب أشارت إليه الأحكام المقررة بقانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بشأن رد الاعتبار.
ومن ثم فإن انتهاء المحكمة الجزائية بدائرة التمييز بعد رفض الطعون من أن السلوك الذي أقدم عليه المتهمون في هذه الجريمة بعد إدانتهم بها لا يعد مبدأ أو قاعدة قانونية يتعين على المحاكم الالتزام بها وذلك لأن المحكمة انتهت بعد رفضها إلى الطعن إلى الوصف الذي اعتبرته «مشيناً» من قبل المتهمين وله من الآثار التي تراها قد تؤثر على سير العملية الانتخابية أخذاً بقواعد التجريم الواردة بأحكام القانون.
وصف لا تأصيل
وهو ما انتهت معه إلى أن هذا الحكم الجنائي يعد وصفاً لسلوك المتهمين من وجهة نظر المحكمة ولا يعد تأصيلاً وشرحاً وإسقاطاً بأن من يرتكب هذا السلوك يعد فاقداً للشرف والأمانة لكونه قولاً لم ينص عليه القانون وهو تفسير لمسألة لم تكن معروضة في الدعوى الجزائية أو مشتملاتها حتى تكون تحت بصر وبصيرة المحاكم الموضوعية بعد رفضها أو إثارتها من قبل جهات التحقيق التي تتولى رفع الدعوى الجزائية قبل المتهمين وفقاً لنص المادة 130 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية ومن ثم فإن ما صدر من المحكمة الجزائية لا يعد مبدأ قانونياً أو قواعد مفسرة لأحكام القانون وتحديداً قانون الانتخاب وإنما وصفاً من المحكمة الجزائية للسلوك المرتكب من المتهمين في هذه الواقعة.
بينما المسألة الأخرى التي تثور على خلفية هذا الحكم ولما كان مانعاً للمحكومين في هذه القضية من الترشح للانتخابات مستقبلاً وذلك على خلفية اعتبار المحكمة لهم من أن السلوك المرتكب منهم في هذه الواقعة الجنائية يفقدهم لشروط الترشح ومنها أن تلك الواقعة تحرمهم منها لكون الإدانة بها يعتبر بمثابة الحكم المخل منهم بقواعد الشرف والأمانة التي تحرمهم من حقي الترشح والانتخاب.
شروط الترشح
ويثير الحكم وفق ما سطره من أسباب الإشارة إلى فقد المتهمين لشروط الترشح لمسألتين وهما أولاً حجية الحكم الجزائي فيما قرره بشأن صلاحية ترشح المتهمين لاحقاً ولكونه حكماً باتاً يخلص إلى فقدهم لشروط الترشح ومن جهة أخرى يشير إلى إلزام جهة الإدارة ممثلة بإدارة الانتخابات إلى الأخذ بالمفهوم الذي أورده الحكم بحق المتهمين حال عرض أوراق ترشحهم أمام إدارة الانتخابات لاسيما أنها حكمت سابقاً لمرشح وهو مرزوق الخليفة بالتقدم بأوراق ترشيحه وإعلانها بأن جريمته المدان بها لا تعد من قبيل الجرائم المخلة بالشرف والأمانة.
وللإجابة عن المسألة الأولى فإن الحكم الجزائي الصادر بحق المتهمين في القضية المقامة من النيابة العامة على خلفية اتهامهم بجريمة مخالفة الانتخابات الفرعية لا يعد حجة إلا فيما فصل فيه من أحكام التي تنتهي بها الأحكام القضائية والتي تتضمن للأسباب والمنطوق معاً.
والحكم الجزائي الصادر من محكمة التمييز لا يكون حجة إلا فيما فصل به من أسباب ووقائع كانت محلاً لتلك الدعوى وهي وقائع ومسائل تتعلق بمخالفة المتهمين لجرائم الانتخابات الفرعية وثبوت تلك الإدانة بمعاقبتهم بالحبس لمدة عامين.
ومن ثم فان الحجية من هذا الحكم الجزائي تنصرف لذلك الحكم بشكل عام ولا تنصرف لاسبابه وما تضمنته من عبارات جاءت في سياق الحكم عند وصف المحكمة للسلوك المرتكب من المتهمين ، ومن ثم فان الحكم الجزائي لا يكون حجة على المتهمين.
واما بشان التزام ادارة الانتخابات بما ورد في اسباب حكم التمييز الجزائي حال عرض اوراق ترشح اي من المتهمين المحكومين في القضية امامها ؛ فانها تملك اتخاذ الموقف الذي يتناسب مع مسلكها لانها هي المعنية باتخاذ قرار توافر شروط الانتخاب والترشح الواردة في قانون الانتخاب بحق المتقدمين، وذلك تحت رقابة القضاء الاداري والدستوري فيما بعد.
وذلك بحسب المركز الذي يتمتع فيما بعد المتقدم للترشح فإن سمحت له بالترشح جاء لمن له مصلحة بالطعن أمام القضاء الإداري على مركزه وان اكتسب مركزاً بالعضوية جاز لمن له صفة ومصلحة بالطعن على صحة عضويته ويكون القضاء الإداري مختصماً بمركزه القانوني بالترشح والقضاء الدستوري ممثلاً باختصاصها كمحكمة طعون انتخاب وصحة العضوية والفصل بصحة عضويته.
والقضاء الإداري هو من سيحدد لاحقاً بيان ما إذا كان ذلك الحكم يعد مؤثراً على مركز المتقدم للترشح ومن عدمه وإنما إذا كان وصفاً لسلوك المتهمين في الجريمة أم تفصيلاً في صلاحية المتهمين في تلك الجريمة لشروط الترشح رغم أنها لم تكن معروضة أمام محكمة الموضوع وإنما أثيرت من محكمة التمييز عن إيرادها الأسباب بالرد على طعن المتهمين والذي انتهت إلى رفضه.
في الختام، فنحن إزاء مسألة مستحدثة أمام القضاء الإداري بشأن تأثر المراكز القانونية للمرشحين حال التعرض لوقائع الجريمة من قبل المحكمة الجزائية وأثر ذلك التعرض على مركز المترشح القانوني أمام القاضي الإداري.