الركود يصيب «بتكوين» مع عودة القلق بشأن السياسة النقدية
حققت عملة بتكوين المشفرة مكاسب قوية في النصف الأول من 2023، جعلتها تتربع وحيدة على عرش أفضل الأصول المالية أداءً في تلك الفترة.
ولكن طفرة أداء العملة المشفرة الأكبر من حيث القيمة السوقية شهدت حالة من الجمود في الأسبوعين الماضيين، مع عودة القلق بشأن التشدد التنظيمي وآفاق السياسة النقدية.
وانحسرت موجة المكاسب القوية في سوق العملات المشفرة خلال الأسبوع الأخير، وسط موجة من الاضطرابات في الصناعة والقلق السائد في الأسواق المالية العالمية.
وتراجعت بتكوين التي تمثل نحو نصف قطاع العملات المشفرة إلى نحو 30 ألف دولار خلال تعاملات الأربعاء، بعد أن لامست 31.5 ألف دولار في وقت سابق من شهر يوليو، وهو أعلى مستوى منذ يونيو 2022، وبتكوين حققت ارتفاعاً في أول 6 أشهر من 2023 بأكثر من 80 في المئة، لتصعد من مستوى 16.6 ألف دولار في بداية العام إلى 30.4 ألف دولار بنهاية يونيو.
وبلغت القيمة السوقية للعملات المشفرة بأكملها نحو 1.19 تريليون دولار في الثاني عشر من يوليو، مقابل 1.22 تريليون دولار في بداية هذا الشهر، ومقارنة بذروة هذا العام بلغت 1.282 تريليون في أبريل.
ويرى محللان في «كيه 33» في مذكرة بحثية أنه بعد الصعود القوي لبتكوين بنحو 14 في المئة في الأسبوع الماضي، أن تحول السوق إلى الهبوط النسبي يعتبر أمراً طبيعياً وصحياً.
كما يعاني سوق العملات المشفرة حالة من القلق، بعد أن أعلنت منصة «بينانس هولدنغز» مغادرة مديرها الاستراتيجي والمستشار العام ومسؤول الامتثال، مما أثار تساؤلات جديدة حول آفاق المنصة التي تواجه تحقيقات في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.
وشهد القطاع مؤخراً صراعاً قضائياً بين شركتين، حيث رفعت شركة «جيميناي تراست» لتبادل الأصول الرقمية دعوى قضائية ضد «ديجيتال كرانسي غروب بدعوى الاحتيال والخداع الناتج عن مشروع إقراض فاشل بين الشركتين.
حماس المؤسسات
واستفاد سوق العملات المشفرة في الفترة بين منتصف شهر يونيو الماضي وحتى الأسبوع الأول من يوليو بموجة من التفاؤل بشأن اتجاه المؤسسات للتعامل في الأصول الرقمية.
وتقدمت العديد من الشركات المالية الكبرى مثل «بلاك روك»، و«فيدليتي» و«إنفيسكو» بطلبات للجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية لتدشين صناديق استثمار متداولة للتعاملات الفورية في بتكوين.
ومن شأن الصندوق الفوري لبتكوين أن يسمح بالربط المباشر بالعملة المشفرة، حيث يكون مدعوماً بشكل فعلي بحيازة الشركة من البتكوين، ما يسمح للمستثمرين بمزيد من الخيارات، وفي حال حصول «بلاك روك» مثلاً على تصريح إصدار صندوق الاستثمار المتداول للتعاملات الفورية، فإن الشركة ستمتلك الأصل الأساسي وتبيع أسهماً في الصندوق إلى المستثمرين.
رفضت لجنة الأوراق المالية الأميركية بالفعل 30 محاولة سابقة لترخيص هذه المنتجات بدعوى القلق بشأن التقلبات والسيولة والتلاعب المحتمل، وتشتهر «بتكوين» بتقلباتها الحادة، حيث كانت العملة المشفرة قد شهدت مكاسب بنسبة 305 في المئة في عام 2020، قبل أن تصعد 60 في المئة أخرى في العام التالي، لكنها انخفضت 64 في المئة في 2022.
رغم رفض السلطات الأميركية ترخيص صناديق الاستثمار المتداولة للتعاملات الفورية لبتكوين، فإنها سمحت منذ عام 2021 بإصدار صناديق للعقود الآجلة. وتقدم «بلاك روك» بشكل خاص بطلب للهيئة الأميركية في منتصف شهر يونيو تسبب في تفاؤل المستثمرين باعتباره قد يمثل إشارة على احتمالية تغيير وجهة نظر لجنة البورصات الأمريكية بشأن الأمر، وارتفع سعر بتكوين لأعلى مستوى في عام في الأيام التالية لتقدم «بلاك روك» بطلب لتدشين صندوق استثمار متداول للتعاملات الفورية في العملة المشفرة، قبل أن يقلص مكاسبه لاحقاً.
ولكن هناك تشككاً أيضاً في مدى استفادة سوق العملات المشفرة في حال إقرار هذه المنتجات، اذ قال محلل في «جيه بي مورغان» إن موافقة السلطات الأميركية على طلب تدشين صندوق استثمار متداول للتعاملات الفورية قد لا يمثل نقطة تحول للقطاع رغم حالة التفاؤل الواسعة، وتم إقرار هذه المنتجات بالفعل في أوروبا وكندا منذ سنوات، لكنها لم تشهد تدفقات كبيرة.
من التشكك إلى التفاؤل
حتى الأسبوع الماضي، كان لاري فينك الرئيس التنفيذي لـ «بلاك روك» أحد أبرز المتشككين في سوق العملات المشفرة، قبل أن يعدل وجهة نظره إلى النقيض، وفي عام 2017، قال فينك إن بتكوين تمثل «مؤشراً لغسل الأموال»، وأوضح: «بتكوين تظهر فقط حجم الطلب على غسل الأموال حول العالم، هذا كل ما يصفها».
ولكن فينك عاد في الأسبوع الماضي ليصف بتكوين بأنها: «تحدث ثورة في التمويل، وبدلاً من الاستثمار في الذهب للتحوط من التضخم أو المشاكل المزمنة لأي دولة أو هبوط قيمة العملة، فإن بتكوين تمثل أحد الأصول الدولية والتي لا تستند إلى أي عملة واحدة، وبالتالي يمكن أن تمثل أحد الأصول البديلة».
وتستمر محاولات السلطات التنظيمية الأميركية بالتضييق على منصات العملات المشفرة في إثارة قلق المستثمرين في القطاع.
وتقدمت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في شهر يونيو الماضي بدعاوى قضائية ضد منصتي «كوين باس» و«بينانس» باتهامات تشمل التلاعب وعدم تسجيل أعمالها.
وتخضع «بينانس» لتحقيقات أولية في فرنسا، مع عرضها لخدمات بشكل غير قانوني على العملاء في البلاد، كما أعلنت في يونيو وقف أعمالها في هولندا، مع الطلب من العملاء سحب أموالهم بأقرب وقت ممكن.
وعلى جانب موازٍ، تمثل إشارات مجلس الاحتياطي الفدرالي بمواصلة الحرب ضد التضخم خطراً على المسار الصاعد للعملة المشفرة في الفترة المقبلة.
وألمح الاحتياطي الفدرالي ورئيسه جيروم باول إلى احتمالية إقرار زيادتين إضافيتين لمعدلات الفائدة هذا العام، بعد أن ثبّت تكاليف الاقتراض لأول مرة في 15 شهراً.
وتسعّر الأسواق المالية احتمالية شبه مؤكدة لرفع الفائدة الأميركية بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع يوليو الجاري، إضافة إلى فرصة تقارب 40 في المئة لزيادة أخرى بحلول نهاية العام.رغم القلق بشأن مخاطر التشدد التنظيمي والسياسة النقدية العالمية على آفاق سوق العملات المشفرة، فإن هناك بعض الإشارات الإيجابية حول السوق من جانب آخر، بالإضافة إلى التفاؤل حيال ارتفاع الطلب من جانب المؤسسات الاستثمارية على العملات المشفرة، فإن تراجع المعروض قد يقدم دعمًا إضافية للأصول المشفرة.
وقال بنك «ستاندرد تشارترد» في مذكرة بحثية حديثة إن سعر بتكوين قد يصل إلى 50 ألف دولار بحلول نهاية العام الحالي، قبل أن يقفز إلى مستوى قياسي جديد عند 120 ألف دولار في 2024. ويرى محللو البنك أن توقعات ارتفاع البتكوين ترجع إلى احتمالية حدوث انخفاض في المعروض من العملة المشفرة نتيجة تكريس العاملين في تعدين العملة لمزيد من الموارد للحفاظ على الشبكة.
ويعتقد محللو البنك أن «زيادة ربحية التعدين على بتكوين تعني أنه يمكن للقائمين بهذا الأمر بيع عدد أقل من العملة المشفرة مع الحفاظ على التدفقات النقدية الوافدة، مع تقليل صافي المعروض من العملة، وهو ما سيرفع السعر».
وكان «ستاندرد تشارترد» قد توقع في ديسمبر الماضي هبوط بتكوين إلى ما يصل إلى 5000 دولار في 2023، مع تراجع الثقة في السوق وحدوث عمليات إفلاس إضافية في قطاع العملات المشفرة. وعلى جانب آخر، ينتظر سوق العملات المشفرة حدوث عملية «تنصيف بتكوين» أو بتكوين هالفنيغ في العام المقبل، مع توقعات متفائلة بشأن الأمر.
وتشير عملية تنصيف بتكوين، والتي تتم كل 4 سنوات إلى خفض مكافآت التعدين على بتكوين إلى النصف أو ما يعادل 3.125 وحدة، ومن شأن تنصيف بتكوين أن يقلص المعروض من العملة المشفرة مع تقليص ما يحصل عليه القائمون على تعدين العملة.