«توب توب يا بحر»، من أغاني البحر رددتها الكويتيات على ساحل البحر بانتظار عودة البحارة من رحلة غوص امتدت أربعة أشهر، فتعبر النسوة عن معاناة فراق أحبتهن، فيغطسن قطة في ماء البحر مرات عدة، لتنجيس البحر المتسبب بغياب أحبتهم، أو إحماء سيخ من الحديد «هيب» بالنار، ثم يكوين به البحر لتعذيبه كما عذب الأمهات والبحارة، ويقمن بضرب البحر بسعف النخيل الملطخ بـ«العشرج» لإصابة البحر بالإسهال، وبعض النسوة يقمن بصب «الكيروسين» على البحر ويشعلنه ليعذبنه بالحرق، وأخريات يضربن البحر بالحجارة، وهن يرددن أهازيج كويتية مثل:
تـوب تـوب يـا بـحـر
ما تخاف من الله يا بحر
أربعة والخامس دخل
ما تخاف من الله يا بحر
والمقصود بـ«الخامس دخل» أن الشهر الخامس هلّ علينا في وقت كان الغاصة غائبين، كما نقول «دخل علينا الصيف أو الشتا»، هذا التراث رسخته النسوة ورددنه فرحاً بانتهاء موسم الغوص والسفر، ثم وثقه تلفزيون الكويت، فسمعناها على لسان الفنانة الراحلة عودة المهنا، ثم أقامت وزارة التربية احتفالاتها الوطنية في منتصف الثمانينيات، ففوجئنا بالطالبات يرددن هذه الأنشودة، ولكن بكلمات أخرى، مثل (تـــوب تـــوب يـــا بـحـــر... أربعة والخامس شهر). حقيقة لا أدري سبب هذا التبديل في تراث قديم قدم الكويت وأهلها، فهل استبدال كلمة «شهر» مكان «دخل» لتناسب القافية والوزن؟ لا أدري. وللأسف وصل التلاعب بالتراث إلى أمثالنا الشعبية أيضاً، عندما ألغي المثل (الصومالي باع كوته واشترا له كوت ثاني) واستبدل بكلمة «البطالي»، يغنيها النهامة في البحر عند تنزيل أو رفع الأشرعة (غنتها فرقة علي بن حسين الشعبية في التلفزيون أيام الأسود والأبيض، كما غنتها الراحلتان عودة المهنا وعائشة المرطة في التلفزيون، وكانت تردد كلمة الصومالي تارة وكلمة اليماني تارة أخرى، وكذلك هناك مثل شعبي يقول (إنت أمير وأنا أمير منهو فينا يسوق الحمير؟)، وكان يردد في وقت لم يكن يطلق على الشيخ العود لقب «أمير»، بل «حاكم الكويت»، أما بعد أن تغير اللقب أو المسمى إلى «أمير دولة الكويت» فقد ألغي هذا المثل من التراث احتراما وتقديرا لمكانة الشيخ العود، على الرغم من أن الكلمة لا علاقة لها بالحكم أو السياسة، كما أن هناك أمراء في القبائل وبين أمراء الأحزاب الدينية.
كلمة أخرى بحثت في معناها، وهي كلمة «نقر» فوجدتها عربية صرفة لها أكثر من أربعين معنى، منها «نقر في الحجر» أي كتب عليه، و«نقر على آلة موسيقية» أي عزف عليها، و«نقر في النّاقور»، كما جاء في القرآن الكريم، أي نفخ فيه، و«نقر عن السر» أي بحث عنه، و«نقر على الباب» أي قرعه أو طرقه، و«نقر في صلاته» أي أَسرعَ فيها وتخفَّف، و«نقر بالدَّابة» أي صاح بها لتسير، و«نقر الطائر الحَب» أي التقطَه، و«نقر شيئًا من الطعام» أي أَخذ منه بإِصبعه، و«نقر الرجل» أي صار فقيراً، و«نقر عليه» أي غضب، وغيرها من المعاني.
يقول الراحل الأستاذ حمد السعيدان في موسوعته الكويتية المختصرة إن كلمة (نگر) تعنی فی اللهجة الکویتية «نقر الشيء بالمسمار أو بالإصبع أو الشوكة ونحو ذلك»، وكلمة (نِگْرَه) تعني «منخفض من الأرض»، ويقول البدو لوصف البعد بين فلان وفلان سواء في السكن أو في النسب: «إن بينهم شعيب ونگره». و(النگره) أو النقره منطقة سكنية كبيرة بالكويت، لأنها كانت منخفضاً تتجمع فيه مياه الأمطار. وهناك نگرة الطواري في جنوب منطقة النقرة نسبة إلى أسرة الطواري التي سكنت هناك، ولها مسجد سمي باسمها، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بإلحاح، أين منطقة النقرة الكويتية اليوم؟
قبل سنوات قرأت خبراً حول قيام سيدة خليجية بإصدار كتاب بعنوان «انقر»، تناول موضوع تكنولوجيا الحاسب الآلي بطريقة سرد ممتعة، فنال الخبر إعجابي، لذا شاركت مجموعتي في الواتساب بما استمتعت به.