من صيد الخاطر: «إنَّ البُغاثَ بأرضنا يَسْتَنْسِر»
«إنَّ البُغاثَ بأرضنا يَسْتَنْسِرُ»، والبُغاثَ هنا اسم لطائر وجمعه بغثان، وهو نوع من الطيور الوضيعة الضعيفة، لونها كالغبار، بطيئة الطيران، طويلة العنق، فاستنسرت وأصبحت كالنسر قوة، إلا أن البُغاث لا يَصطاد لضعفه فهو يأكل الجيف، أمّا النسور فهي لا تصيد إلا للضرورة رغم قوتها، فهي أيضا تقتات على جيف الحيوانات الميتة.
فـ«إنَّ البُغاثَ بأرضنا يَسْتَنْسِرُ»، مثل عربي يضرب للضعيف عندما يصير قويا، وللذليل يعز بعد ذل وهوان، وهو يطلق على الشخص الطريد ركيك الحال والجسد، فيرد أرضا غافة فيتشبه بعلية قومها حتى يستسبع عليهم، فلا يستطيع بعدها أحد على أذيته.
وقد قالت العرب أيضاً إنّ البغاث هي صغار الطيور تتصايح وتتقافز عندما يخلو لها الجو من كبارها، فيشبّه بهم حثالة القوم وإمّعاتهم وقد استنسروا واستسبعوا في الأرض بعد أن خلا لهم الجو من كبار القوم وحكمائهم.
وهو مثل يقال أيضاً لحديث عهد بعلم قليل، وقليل شأن مهابة ومعرفة وحنكة، وما إن تحين له فرصة حتى تراه قد تمادى وتعالى بعد مهانة على علماء القوم وحكمائها، وعاث في الأرض فساداً وإفساداً، فانطبق عليه قول نبينا عليه السلام: «إنَّها ستَأتي على النَّاسِ سِنونَ خَدَّاعةٌ، يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصَّادِقُ، ويُؤتمَنُ فيها الخائِنُ، ويُخَوَّنُ فيها الأَمينُ، ويَنطِقُ فيها الرُّوَيبِضَةُ. قيل: وما الرُّوَيبِضَةُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: السَّفيهُ يتَكلَّمُ في أَمْرِ العامَّةِ»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ملحوظة: منقول من التراث بتصرف.