بدأت المطالبة بإسقاط القروض المستمرة معنا منذ أكثر من 15 سنة كدعابة انتشرت في رسالة نصية بزمن «النوكيا» البريء، فأضحكت الناس وأعجبتهم لتتدحرج وتكبر مع الوقت والتكرار والفراغ الفكري للساسة آنذاك، لدرجة أنها أصبحت قضية عامة يؤمن بها الكثيرون ويحملون لواءها ويقاتلون لأجلها، فدارت حولها النقاشات السياسية والجدالات القانونية وتقدمت لأجلها الاقتراحات والقوانين والاستجوابات، وأسقطت الوزراء والحكومات.
جاء زمن «الآيفون» وتغيرت معه الأفكار والآليات والإبداعات، ولأن «عقيدة» إسقاط القروض ترسخت في عقول وبطون ووعي ولاوعي أغلب النواب والسياسيين، وعلى أثرها وبعد أن تبين لهم من خلال المحاولات السابقة انسداد الطريق لإسقاطها، التفوا عليها باقتراحات أسوأ منها، توزع المنح والعطايا والمكافآت والكوادر بلا مناسبة أو رؤية أو دراية بأسعار النفط وميزانية الدولة المستقبلية والعجوزات الاكتوارية، وبالطبع لا عدالة ولا مساواة، فإن كانت العدالة والمساواة تمنع إسقاط القروض فلنبعثر الأموال بألف طريقة وطريقة وفق مبدأ «اصرف ما في الجيب» العربي الأصيل، مما يجعلنا نترحم أحياناً على «إسقاط القروض» ونتمنى لو أنه مر لنتخلص من عقدته المستديمة الراسخة بالنفوس.
ومثلما أن لا أحد يعرف مبتكر البتكوين فلا أحد يعرف صاحب نكتة إسقاط القروض عمقية الأثر، بعكسي تماماً، لذا فإن كان الحال كذلك ويبدو أنه سيستمر على هذا المنوال من الكرم «النائبي» والتفويت الحكومي لشراء الوقت والولاءات استعداداً لترتيبات المستقبل العائلي على حساب مستقبل الدولة الاقتصادي والمالي، فاسمحوا لي أن أقترح وعوضاً عن التوزيعات العشوائية التي إن أشبعت طرفاً فتحت شهية طرف آخر في زمن أصبح فيه الكل يريد أن يقضم بطريقته الخاصة، ومن باب العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص المشهور في بلادنا، أن تتم خصخصة جميع الخدمات والأجهزة الحكومية عدا الجيش والشرطة والمحاكم، ومن ثم التخلص تلقائياً من تفاوت الرواتب والمميزات والبطالة المقنعة والمكشوفة والفساد والاختلاسات وسوء الخدمات المزمن، وبعدها يتم توزيع مداخيل النفط والاستثمار مباشرة للشعب بواسطة شركات النفط العالمية التي أعتقد أنها ستدير حقولنا بأقل من تكلفة رواتب موظفي شركاتنا النفطية الحكومية، ليتحمل عندئذ المواطن مسؤولية حياته وقراراته و»يبتلش» منفرداً بتعليم أبنائه وطبابتهم وسكنهم بعيداً عن الإدارة الحكومية الذكية والمراجع السري وديوان المحاسبة وعافية والشفافية والحوكمة وباقي الدستة، وكفى الله المواطنين والوزراء والنواب شر السؤال.