كل ليلة خميس، يستعين معلم اللغة الانجليزية سيث هولم بجهاز الحاسب الآلي الخاص به لمساعدة الفتيات الأفغانيات، اللاتي يعشن في النصف الآخر من العالم، على تنمية مهاراتهن اللغوية.
وتتوق الفتيات الأفغانيات، اللاتي يعشن في أنحاء الشرق الأوسط ومناطق أخرى، لتنمية لغتهن الانجليزية، وبالنسبة للاتي ما زلن يعشن في أفغانستان، حيث تمنع طالبان الفتيات من الذهاب إلى المدرسة بعد الصف السادس، تُعد هذه مخاطرة كبيرة، ولكنهن على استعداد لتحملها.
وتعتقد الفتيات أن تعلم اللغة الانجليزية هو الفرصة الوحيدة لهن لمغادرة البلاد في يوم من الأيام والسعي نحو التمتع بحياة أفضل.
ونقلت صحيفة فيلادلفيا انكوايرر عن هولم، مدرس اللغة الانجليزية في مدرسة «هن اوف برينستون»، القول «لم أتوقع أن فتيات صغيرات السن هن الأكثر شجاعة من بين من كنت أنتظر مقابلتهم في حياتي»، وأضاف «أولئك الفتيات من أفضل الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي».
ويُشار إلى أنه بعدما طبقت طالبان القواعد التي تحظر الفتيات الأكبر سناً من الحصول على التعليم، تسعى الكثيرات منهن للحصول على فرصة لاستكمال دراستهن.
وسعت طالبة أفغانية، تنتسب لمدرسة هن اوف برينستون، لتحقيق حلمها وبدأت في متابعة دورة على شبكة الانترنت في عام 2022، وتقدم المدرسة الداخلية الخاصة والنهارية، التي تم إنشاؤها عام 1914، خدماتها لنحو 670 من الطلاب من الصف السادس إلى الثاني عشر من جميع أنحاء العالم.
ويبدأ هولم، الذي يعيش مع زوجته لورين في الحرم الجامعي ولديهما طفلين، درسه الأسبوعي من مكتبه الساعة التاسعة ونصف مساءً، وبسبب فرق التوقيت الذي يصل إلى تسع ساعات ونصف، هذا التوقيت يكون صباح يوم الجمعة حيث تعيش معظم الفتيات.
وتقوم الطالبات بعدة محاولات للاتصال بشبكة الانترنت، غير المنتظمة في كثير من الأحوال، كما أن المنازل لا توجد بها الكهرباء سوى لمدة أربع ساعات يومياً فقط، كما أن بعض الفتيات يتشاركن الأجهزة الإلكترونية أو يقمن باستعارتها من أقاربهن.
ويطلب هولم من الطالبات أن يطرحن أسئلتهن بشأن القواعد اللغوية أو المفردات في جانب الدرشة الخاصة بالمجموعة، بعد ذلك يقمن بمراجعة التكليف لمدة نحو ساعة.
وفي بعض الحالات، يقوم هولم بتعليمهن كلمة أساسية أو يشجعهن على تصريف كلمة أو استخدامها في جملة.
واتخذت المناقشة أثناء الدرس طابعاً عاطفياً عندما ناقشت الفتيات مذكرات الكاتبة حميرا قادري بعنوان «خطاب أم أفغانية لأبنها»، وكانت قادري قد تمردت ضد حكم طالبان خلال احتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، وخاطرت بحياتها لتعليم الأطفال القراءة والكتابة، وفي النهاية فرت من بلادها، تاركة ورائها أبنها الصغير سياواش.
وقدمت الفتيات آراء مختلفة بشأن قضية الفتاة الصغيرة هازارا التي وقعت في حب صبي من حركة طالبان، وقالت إحدى الفتيات إن بعض الشباب ليس لديهم خيار إلا الانضمام لقوات طالبان، في حين قالت أخرى إنها لا يُمكن أن تشعر بالأسى تجاه عضو بحركة طالبان.
وقالت شكريا «ليس جميعهم سيئيين»، ويُشار إلى أن هولم طلب إخفاء الاسم الأخير للطالبات لحمايتهن، وأضافت الفتاة «لا يُريد أي شخص أن يعرف عنه أنه قاتل».
وعندما احتدمت المناقشة، وبدا أن بعض الفتيات على وشك البكاء، تدخل هولم بلطف، وقام بتذكيرهن بقواعد المناقشة المتحضرة.
ونقل هولم النقاش لموضوع آخر يتعلق بالتفجيرات الانتحارية، مما دفعه لحثهن على عدم التفكير في الانتحار، الذي أصبح مسألة خطيرة بين الفتيات الأفغانيات.
وقال هولم «أتوسل لكل واحدة منكن إذا وردت هذه الأفكار على عقلها أن تتصل بي على الفور»، مضيفاً «هذا أمر لا أستطيع أن أقبله».
وخلال درس في الأسبوع التالي، فاجأ هولم الفتيات بزيارة من قادري، المؤلفة التي كانوا يتحدثون عنها، والتي قامت باستقبال الأسئلة من الفتيات، وقالت الفتيات إن قادري تمثل إلهاماً لهن، وحرصت هي على تشجيعهن.
وقالت قادري «كل واحدة منكن يمكن أن تصبح قائدة»، مضيفة «هذا الوضع يجعلكن أقوياء».
وحث هولم الفتيات على التعامل مع الدرس على أنه جلسة علاجية، حيث يمكنهن التنفيس عن غضبهن والتعامل مع الاكتئاب والعزلة، وبجانب المنع من الذهاب للمدرسة في أفغانستان، تُشارك الفتيات في الأنشطة العامة بصورة محدودة ما لم يرافقهن أحد الأقرباء الذكور.
وبالسؤال عن ما تريد أن يعرفه العالم بشأن أفغانستان، أجابت الطالبة نجيبة «أن هناك الكثير من المعاناة في حياتنا، دعوا العالم يعلم ما يحدث هنا».
ويذكر أن صاحبة فكرة هذا الفصل الدراسي هي زهره الطالبة التي فرت من أفغانستان عام 2021 للهروب من طالبان، كما أنها تريد بشدة مساعدة الفتيات الأفغانيات.
وبدأ الفصل بمشاركة 20 طالبة لمدة أربعة أسابيع.
اليوم يضم الفصل نحو 200 فتاة وسيدة تتراوح أعمارهن ما بين 13 و32 عاماً، يدرسن خمسة مستويات تتراوح ما بين أساسيات اللغة الانجليزية وتلقي دورة الأدب المتقدم.
ومن أجل الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لتدشين فصل الدراسة في يونيو الماضي، قامت الفتيات بتحية هولم والاحتفال بكعكة آيس كريم، وقامت طالبة بقراءة قصيدة باللغة الانجليزية والفارسية، في حين قامت أخرى بالغناء.
وقال هولم متأثرا «أنا محظوظ للغاية لأنني أقوم بالتدريس لمثل هذا الفصل».