قال تقرير مركز «الشال»، إن اتفاقية «بريتون وودز» في عام 1944 منحت الدولار الأميركي امتياز عملة الاحتياط العالمي، وذلك الامتياز يُمنح للدولة الأغنى والأقوى اقتصاداً، ولضبط سلوك تلك الدولة ومنعها من الإفراط في طبع عملتها، قيدت تلك القدرة بالتزام الولايات المتحدة الأميركية بحق كل من يرغب باستبدال 35 دولاراً أميركياً، الحصول على أونصة من الذهب.
وفي أغسطس من عام 1971، فكت الولايات المتحدة ربط دولارها بالذهب بعد أن أسرفت في طبعه لتمويل حروبها – كوريا، وفيتنام، وحرب باردة، وحروب الوكالة – مما أدى إلى عجزها عن الاستمرار بالالتزام بإبداله بالذهب، وظل الدولار الأميركي رغم ذلك عملة الاحتياط العالمي مدعوماً بضخامة الاقتصاد الأميركي وهيمنته على التجارة الدولية وقوة عسكرية هائلة.
وفي عام 1948، كان نصيب الولايات المتحدة من صادرات السلع الدولية نحو 21.6%، أو نحو ضعف نصيب أقرب منافسيها، وكانت المملكة المتحدة التي فقدت عملتها امتياز عملة الاحتياط العالمي، وكان نصيب المملكة المتحدة يومها بحدود 11.3%، وبمرور الزمن، وبحلول عام 1983، انخفض نصيب الولايات المتحدة إلى 11.2%، وظلت الأولى في صادرات السلع الدولية.
وبدعم من قوتها العسكرية الهائلة أيضاً، والفارق الكبير لمصلحة حجم اقتصادها الأكبر في العالم، وغياب المنافسة إبان بدء تفكك الكتلة الشرقية ثم الاتحاد السوفياتي، لم يكن للدولار الأميركي أي منافس.
وبدأت الصين مشروع نهضتها في عام 1979، ولكنه كان محصوراً في القطاع الزراعي لسد عجزه لمواجهة المجاعات المتكررة وتداعيات حقبة الثورة الثقافية، ولم تبدأ نهوضها الاقتصادي الشامل سوى في عام 1985، في عام 1983 لم تكن الصين تساهم في تجارة العالم السلعية سوى بنحو 1.2%.
وبحلول عام 2021 ضاعفت الصين نصيبها في صادرات العالم السلعية بنحو 13 ضعفاً ليبلغ 15.5%، ولعل الأهم، هو أن الصين ساهمت في نفس العام بنحو 21.2% من صادرات العالم للسلع المصنعة، أي بعد استثناء الوقود والمواد الخام والزراعة، أي نحو 3 أضعاف صادرات الولايات المتحدة منها في نفس العام البالغة 7.3%، وكان نصيب الاتحاد الأوروبي في تجارته من السلع المصنعة مع خارج حدوده (27 دولة)، 14%.
ولأن الهيمنة على سوق السلع المصنعة العالمي يحتاج إلى تأمين مصادر الوقود والمواد الأولية، يهدف مشروع «الحزام والطريق» الصيني إلى التمدد الناعم والفاعل إلى مكامن تلك السلع، ونصيب الوقود والمواد الخام كان بحدود 17% في تجارة العالم السلعية في عام 2021، والتمدد الصيني يحدث بالتراضي وتبادل المصالح وليس بالقوة.
وكانت وساطة الصين الناجحة بين السعودية وإيران اختراقاً كبيراً لمناطق نفوذ أميركية، هدفه هو اختصار الوقت من أجل الارتقاء في تعزيز التبادل التجاري والاقتصادي إلى حدوده القصوى مع أهم مناطق حيازة للنفط والغاز.
في الخلاصة، نمو اقتصادي صيني يفوق معدله ضعف نمو الاقتصاد الأميركي، ومساهمة متفوقة للصين في تجارة العالم للسلع المصنعة يدعمها نمو الطلب لديها على الوقود والمواد الأولية ما دفعها إلى توثيق علاقاتها مع أطرافه، لابد وأن يؤدي لاحقاً إلى مزاحمة اليوان الصيني للدولار الأميركي على امتياز وظيفة عملة الاحتياط العالمي، ولن يتحقق ذلك قريباً، وحدوثه دونه أحداث جسيمة، لكنه مسار مرت به كل حضارات العالم وآخرها نزاع الجنيه الإسترليني والدولار الأميركي، والخلاف يبقى على التوقيت.
وعلى كل الدول أخذ هذه التحولات التي لم تحدث سابقاً سوى في أواخر القرن الثامن عشر إبان ثورة أوروبا الصناعية وبدء نقل الثروة والثقل الاقتصادي من الشرق إلى الغرب، أن تأخذها في الاعتبار عند بناء استراتيجيتها المستقبلية.