بحسب المعلومات المتداولة فإن تركيا في سبيلها للحد من نشاطات جماعة الإخوان المسلمين والتضييق عليهم وإبعاد آخرين وإغلاق عدد من المحطات التلفزيونية والمنابر التي وسعت هوة الخلاف، وهذا النهج يتماشى والسياسة التي اتبعها الرئيس أردوغان بعد المصالحة مع مصر والإمارات والانفتاح على المملكة العربية السعودية، فالمسار السياسي يتلاقى مع التقارب الذي حصل بينه وبين الحكومة السورية وعمليات الترحيل التي تمت مؤخراً للسوريين الموجودين في تركيا والعودة إلى ديارهم، حيث بلغ الرقم الإجمالي للعائدين 556 ألفاً من أصل 3.3 ملايين لاجئ يقيمون تحت بند «الحماية المؤقتة».
ملف اللاجئين السوريين تعرض للعديد من الهزات والمواجهات وتوظيفه سياسياً، ودخل معترك الصراع التركي- السوري منذ عام 2011 وما يعرف بثورات الربيع العربي وإلى الآن، وجانب من هذا الملف تضخم جداً فصارت أعدادهم بالملايين، وانعكست آثاره على الشارع والرأي العام التركي، لكنه في البداية كان محل ترحيب لا سيما تجاه أكبر جاليتين عربيتين من اللاجئين السوريين والعراقيين الذين عملت السلطات على تنظيم أعمالهم وأنشطتهم ووجودهم، بعدما استقبلوا بحفاوة كبيرة من الشعب لدرجة أن غالبيتهم لم يدفعوا فلساً واحداً من إيجارات المنازل التي سكنوا فيها ثلاث سنوات، بل وصل الأمر عند بعض الأتراك وفي المناسبات الاجتماعية أن يضعوا الأموال والمساعدات تحت الأبواب حتى لا يسببوا أي حرج للسوريين، لكن الأمور تغيرت تماماً بعد ذلك، وصارت النظرة إليهم تحمل الكثير من الاستياء والتذمر والشكوى وتحميلهم مسؤولية وقوع أزمات اقتصادية أو اجتماعية تقع في تركيا.
التنظيم كان لا بد منه بعدما بلغت الأعداد بالملايين، وأصبح لزاماً على كل لاجئ سوري وعراقي أن يحمل بطاقة، تسمى «الكملك» التي تسمح له بممارسة أي نشاط ضمن الولاية التي يسكن فيها فقط، ومن يتجاوز ذلك يتعرض للتحقيق وإعادته إلى الولاية المسجل اسمه فيها، وإذا تكررت المخالفة يتم إبعاده، وفي هذا الإطار عملت السلطات على حظر الإقامة أو السكن أو الإيجار للعرب (arabca) والأجانب في 800 حي موزعة على 52 ولاية بسبب تجاوزهم نسبة 25% من عدد المواطنين. وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا والغلاء وزيادة معدلات التضخم شددت السلطات في الشروط التي يسمح فيها بالحصول على إذن عمل أو رخصة استثمارية، وبات العرب المقيمون والمتقاعدون من أكثر الفئات تضرراً خصوصاً أصحاب الرواتب المحدودة، وأقل راتب اليوم للموظف التركي لا يقل عن 15 ألف ليرة، بعدما كانت قبل 3 سنوات بحدود 3500 ليرة.
قد يكون الوجه الآخر للعملة صورة السياح الخليجيين والعرب، فهؤلاء ينعمون بكل المزايا والمرحب بهم أينما حلوا، فلا منغصات ولا مشاكل تذكر، بل هم كتلة بشرية تشكل مصدراً ماليا مربحا يجدون كل التسهيلات التي يحتاجونها، فالسياحة في تركيا تشكل ثالث أهم مصادر الدخل القومي للدولة التي تخطط لاستقبال 53 مليون سائح هذا العام و90 مليون سائح عام 2028، ورفع العائدات المالية إلى 100 مليار، دولار سنوياً، بعدما بلغت 50 مليار دولار عام 2022.
تركيا وضعت نفسها على خريطة السياحة العالمية، فامتلكت عناصر جذب جعلتها من المنافسين الكبار، باستقطابها معظم الجاليات القادمة إليها من أوروبا وروسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، فقفزت خطوات متقدمة منذ تسلم الرئيس أردوغان زمام الحكم، سواء في بناء المدن الجديدة ورفع مستوى الخدمات والبنى التحتية وشبكة النقل والمواصلات وبناء المطار العالمي الجديد في إسطنبول أو في غيرها من القطاعات والمجالات.
و«الرأي العام» في أي مجتمع، سواء كان تركياً أو غربياً، لا يصنع في لحظته، بل هو عملية تراكمية وتاريخية تترسخ في الأذهان وفي فترات زمنية تختلط فيها الأساطير مع الحقائق، وتتبدل تبعاً للمرحلة السياسية المصاحبة، والعلاقات بين الأتراك والعرب مرت بظروف مختلفة أوجدت «مفاهيم» عامة، وجزء منها لا يزال متوارثاً وينتقل من جيل إلى آخر وجزء نشأ مع تدفق اللاجئين إليها.
كل الأنظار متجهة نحو السياحة في تركيا، هذا البلد الجميل والرائع بمناخاته وطبيعته، أصبح مرغوباً فيه عند غالبية الشعوب خصوصاً العربية منها.
صديق من أهل الخليج أخبرني أنه عاشق للعاصمة التجارية إسطنبول، فقد وجد كل ما يريده فيها ولن يغادرها أبداً، فهي الملجأ والمصيف والمكان المفضل.