بعد نحو 8 أشهر من الاضطرابات التي هزّت الجمهورية الإسلامية عقب وفاة مهسا أميني خلال احتجازها من قبل السلطات، بسبب مخالفتها قواعد ارتداء الحجاب الإلزامي، عادت وحدات «شرطة الآداب» إلى التجول بشوارع بعض المدن الإيرانية مجدداً منذ أمس الأول، لكن بـ «تكتيك مختلف» هذه المرة، حيث تقوم عناصر ترتدي زيا مدنيا ولا تستخدم سيارات الشرطة الرسمية بالتصادم المباشر مع السيدات بالشوارع لحملهن على الالتزام بقواعد الزي الصارمة، مع تفادي محاولة توقيف المخالفات أو اصطحابهن إلى مراكز الإرشاد.

وقامت مجموعات تتألف كل واحدة منها من نحو 50 إلى 100 عنصر بمهاجمة أماكن وجود الشبان والشابات، وتخييرهم إما بارتداء الحجاب الإجباري أو مواجهة «الضرب المبرح».

Ad

ونشرت منصات معارضة مقاطع فيديو تؤكد قيام بعض تلك العناصر بتهديد الفتيات باغتصابهن وإفلات المجرمين لكي يقوموا بالتعدي عليهن إذا لم يلتزمن بالحجاب، الأمر الذي أدى إلى إثارة غضب شعبي عارم ضد ما وُصف بـ «تحركات الأصوليين المتطرفين».

وفي وقت ذكر شهود أن المهاجمين أصروا على تبعيتهم للأجهزة الأمنية، دون تحديد أي فرع على وجه الدقة، زعم نشطاء شاركوا بموجة الاحتجاجات الأخيرة أنهم كشفوا هوية بعض العناصر المهاجمة عبر فيديوهات وصور التقطت خلسة، وأكدوا أنهم ينتمون لـ «شرطة الآداب»، من الذين تمت تنحيتهم بقرار من المرشد علي خامنئي منذ 7 أشهر. وأكدت طالبة جامعية في طهران وطالبة أخرى في أصفهان لـ «الجريدة» أنهما قامتا بمراجعة المحاكم القضائية لرفع شكوى ضد المعتدين، الذين قاموا بتهديدهما بالاغتصاب مع إرفاق مقاطع مصورة التقطتها زميلات لهما للواقعتين، لكنّ الدوائر القضائية رفضت قبول الدعوى بحجة عدم التزامهما بالقانون. واتفقت الفتاتان على أن عدم قبول الشكوى يُظهر أن «هناك تنسيقا مباشرا بين تلك العناصر والسلطة القضائية».

في موازاة ذلك، أكد مصدر مقرّب من رئيس السلطة القضائية أنه أمر أخيراً بالإفراج عن بعض السجناء المحكومين على خلفية قيامهم بأعمال شغب وبلطجة مقابل انضمامهم إلى مجموعات «فرض الحجاب والقوانين الشرعية الإجبارية»، وتلقي رواتب تؤمّن تكلفة معيشتهم كي لا يعودوا إلى إثارة الشغب. وأشار المصدر إلى أنه على الرغم من أن عددا من مساعدي رئيس السلطة القضائية رفضوا الموافقة على هذا القرار في اجتماع عقد قبل عيد الأضحى الماضي لعدم قانونيته، واحتمال أن يتسبب في مشاكل جديدة بالبلد، فإن رئيس السلطة غلامحسن محسني أجاي أصر على أن الخطوة ليست مطروحة للتصويت، بل للإقرار والتنفيذ، بعد التوافق عليها من قبل رؤساء السلطات الثلاث بهدف «ضبط الشارع»، قبل حلول الذكرى السنوية لمقتل مهسا أميني، منتصف سبتمبر، ولتفويت الفرصة على المعارضة التي تتربص لإشعال الاحتجاجات المكتومة جراء تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية مرة أخرى.

ورغم أن الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي وعد بأن تكون أولوية حكومته محاربة الفساد وتسيير دوريات تفتيش على المديرين الفاسدين، لكن خلال العامين الماضيين رصدت زيادة بالأنشطة غير القانونية داخل المؤسسة العامة الإيرانية، وخاصة من قبل «مافيات اقتصادية» نافذة يعتقد أنها تتبع قيادات بالجيش و»الحرس الثوري» والمؤسسة الدينية. ويعتقد البعض أن سبب نمو قدرة تلك الجماعات يعود إلى عدم خبرة وقدرة رئيسي في السيطرة على السلطة التنفيذية، إضافة إلى ميله لـ «تجنّب التصادم مع الاتجاهات السياسية المختلفة، أملا في الفوز بمنصب المرشد في حال وفاة خامنئي».

وفي وقت سابق، علمت «الجريدة» من مصدر إيراني مطلع أن السلطة القضائية بدأت بتطبيق أحكام جديدة ضد السيدات اللواتي لا يلتزمن بالحجاب الإجباري، ترتكز على «إذلالهن» عبر إصدار أحكام تعسفية بعد إيعاز شفهي من قبل رئيس السلطة القضائية. وأوضح المصدر أن رئيس السلطة القضائية أمر بإصدار الأحكام استنادا إلى قوانين أخرى وعدم التقيد بنصوص قانون الحجاب.

وقد فوجئ العديد من الإيرانيين بإصدار محكمة قرارات تعاقب طبيبة مشهورة بـ «تغسيل الموتى» في المدافن لمدة شهر، بعد إدانتها بعدم الالتزام بالحجاب خلال قيادة سيارتها. كما عوقبت ممثلة معروفة بتنظيف الشوارع، ومنعها من استخدام أي هاتف نقال لمدة 6 أشهر للسبب نفسه. وبدأت محاكم أخرى بحجز أوراق وسجلات أي سيدة وتحويلها للعرض على الطب النفسي بجلسة كل أسبوعين لمدة 6 أشهر من أجل الحصول على إذن لاستخدام الأوراق الثبوتية. وفي نهاية المدة يجب أن تحصل السيدة على «شهادة علاج» من الطبيب النفسي، وإلا فإنها ستخضع لمدة «عقابية جديدة».