الساحرة الشريرة والمطار
وصلتُ إلى الكويت قادماً من إجازة الصيف، لا جديد في مطارنا الأزلي، ذي الفوضى والأرضيات المتسخة والتلوث البصري المصحوب بكمٍّ هائل من الملصقات القديمة المتراكمة والمهترئة على الجدران والأعمدة، لم تَجُد أقدارنا بعدُ بمسؤول يزيلها ويستبدلها بنموذج موحّد للتعليمات والإرشادات المطلوبة بشكل عصري «لعله ادّخار للمطار الجديد»، تمضي قدماً فتستقبلك لوحة مضاءة بعنوان «حياكم الله في الكويت» يعتليها موزع الكهرباء وأسلاك متناثرة بشكل قبيح متبوعة بملصق إعلاني ضخم بعنوان «الكويت أجمل الأوطان» وهو ما استوقفني.
في البداية، هل ندرك أن المسافر قادم من مطار آخر، بمعنى خوضه لتجربة أخرى تتفوق علينا بملايين السنين الضوئية؟ ما الانطباع الأول الذي نرغب في تركه لدى زائرنا؟ أننا نكذب ولا نبالي مقتفين أثر الساحرة الشريرة القبيحة التي تسأل مرآتها عن جمالها وتريد أن تسمع كذبةً تريح مشاعرها المرهفة؟ أم أننا في حالة إنكار Denial مَرضي لواقعنا المتخلف؟
استكملت مشواري إلى منفذ الجوازات متأهباً للبصمة البيومترية الماسونية، فتم مروري وختم الجواز من غير أن يتم أخذ البصمة التي أشغلونا بها كثيراً، لعلهم تراجعوا عنها لمساوئها بدون إخبارنا فالحكومة أبخص، ولكن بمجرد فتحي لـ «تويتر» قرأت بياناً لوزارة الداخلية في وكالة الأنباء الرسمية «كونا» أنهم مستمرون في أخذ البصمة للجميع عند العودة، لا تعليق، ولا جدوى من التعليق على المشهد الحضاري المتمثل بحشود مئات العمّال المتأهبين لدفع عربات الأمتعة في مشهد ليس له مثيل في أي مطار آخر في العالم، فجميعنا عاجزون عن دفع عربات أمتعتنا، ولا فخر!
ماذا عن المطار الجديد قيد الإنشاء، والذي يكلف الميزانية خمسة مليارات دولار مع عدم معرفتنا بنطاق تلك التكلفة، ومعرفة احتياجاتها الحقيقية للتشغيل؟ وما مستقبل هذا المكان؟ وما الذي سيجعله مختلفاً آخذين بالاعتبار السيرة ناصعة البياض لمشاريع وزارة الأشغال والجهات التشغيلية؟
وما جدوى إنفاق هذا المبلغ الضخم لمطار دولة منغلقة تنفرد بين جميع دول الخليج بعدم معرفتها وإعلانها لعدد «السائحين» القادمين إليها سنوياً لا «الواصلين»، وهي الأرقام المقدّرة بمئتي ألف سائح سنوياً بالمقارنة مع عشرات الملايين من السيّاح القادمين إلى خليجنا؟! وكما هو الحال في مشاريع عدة، فإن المستفيد الوحيد منها هو شركات المقاولات والصيانة وتوريد العمالة الهامشية!
عودة إلى البوستر إياه، لو اكتفى بعبارة «وطن جميل» بدلاً من «أجمل الأوطان» لكان أخف وطأة وأكثر احتراماً للآخرين، أما أن نزكّي أنفسنا «كذباً» على العالمين فهو وباء لعين، وتساءلت بيني وبين نفسي عن سبب اقتصار كتابتها بالعربية خصوصاً أن نصف سكان الكويت تقريباً هم من غير العرب، وبمجرد تفكيري في ذلك حمدت الله وأدركت أن المسؤولين يفوقوننا معرفةً ونباهةً، فلو قرأها العالم لكانت موضوعاً عالمياً للتندر، شكراً لحرص المسؤولين على سمعة الكويت.