في خطوةٍ أثارت تنديداً دولياَ وأممياً واسعاً، أعلنت موسكو أمس، أن اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية بات في حكم المنتهي، بعد ساعات من هجومٍ ليلي شنته كييف على جسر القرم الذي يربط روسيا بشبه الجزيرة التي ضمتها عام 2014.
وأوضح الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن «اتفاق البحر الأسود انتهى عملياً اليوم (أمس)»، مضيفاً: «إذا تمت تلبية الجزء المتعلق بنا فسنعود فوراً إلى الاتفاق»، الذي أتاح تصدير أكثر من 32 مليار طن من الحبوب.من جانبها، دعت برلين روسيا إلى تمديد العمل بالاتفاقية، مؤكدة أهميتها للأمن الغذائي العالمي. وأعربت لندن عن خيبة أملها، مؤكدة أنها «ستواصل المحادثات».
وفي تطور ميداني، تعرّض جسر القرم الذي يعدّ خط إمداد رئيسياً للقوات الروسية في أوكرانيا، لهجوم فجر أمس باستخدام «مسيّرات بحرية».
وأفاد مصدر في أجهزة الأمن الأوكرانية (اس بي يو) بأن الاستخبارات وسلاح البحرية يقفان وراء استهداف الجسر الذي يعبر مضيق كيرتش.
ووصف الرئيس فلاديمير بوتين الهجوم الثاني من نوعه على جسر القرم بأنه «عمل إرهابي»، داعياً إلى تعزيز الإجراءات الملموسة لتحسين وضمان أمن هذا المكان المهم والاستراتيجي.
وفي تطور موازٍ، أعلنت بيلاروسيا أنّها أسقطت مسيّرة أوكرانية اخترقت مجالها الجوّي، في حادث يأتي بعد أيام من تأكيد مينسك وجود مقاتلين من مجموعة فاغنر المسلّحة الروسية على أراضيها.
وقالت مديرية حرس الحدود البيلاروسية، في بيان، إنّ «وحدة أمن الحدود العاملة على نهر دنيبر رصدت طائرة مسيّرة انتهكت حدود الدولة من الأراضي الأوكرانية».
في هذه الأثناء، وصل المئات من مقاتلي «فاغنر» الروسية، أمس الأول، إلى جمهورية إفريقيا الوسطى «لضمان الأمن» خلال الاستفتاء الدستوري المقرر في 30 الجاري، إضافة إلى انضمام عناصرها لحماية الرئيس فوستين أرشانج تواديرا.
وفي تفاصيل الخبر:
مع استهداف الاستخبارات الأوكرانية لجسر القرم، الذي دشّنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 2018 بكلفة باهظة لربط شبه الجزيرة بالأراضي الروسية، أعلن المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، أمس، انتهاء اتفاق تصدير الحبوب عملياً، مؤكداً إمكانية عودة روسيا إليه على الفور بمجرد تنفيذ الجزء الروسي منها.
وقالت المتحدثة باسم «الخارجية» الروسية ماريا زاخاروفا، إن روسيا أبلغت رسمياً تركيا وأوكرانيا والأمانة العامة للأمم المتحدة باعتراضها على تمديد «صفقة الحبوب»، التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتركيا لتخفيف وطأة أزمة الغذاء العالمية.
ونص الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بمبادرة من أنقرة وباتفاق بين روسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة، على تصدير الحبوب الأوكرانية عبر ممر إنساني فتحه الأسطول الروسي في البحر الأسود، شريطة إتاحة وصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية، وهو ما لم يتم تنفيذه بسبب وقوف العقوبات الغربية حجر عثرة على طريق تطبيقه، إذ تعاقب شركات التأمين وخدمات الموانئ السفن التي تتعامل مع روسيا، كما ترفض أوكرانيا إطلاق خط أنابيب الأمونيا، الذي يتم من خلاله تصدير الأمونيا إلى الاتحاد الأوروبي، وقامت قوات كييف لاحقا بتفجير الخط بعد إعلان روسيا تعليق تسجيل السفن الأوكرانية في الموانئ حتى إطلاق خط أنابيب الأمونيا.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن وزيري الخارجية التركي والروسي سيناقشان اتفاق تصدير الحبوب، ومن المحتمل أن يتحدث أيضاً مع نظيره الروسي قبل أن يلتقيا شخصياً في أغسطس المقبل.
جسر القرم
ميدانياً، اتهمت روسيا الاستخبارات الأوكرانية بالوقوف وراء استهداف جسر كيرتش المؤدي إلى شبه جزيرة القرم بطائرات مسيّرة، ووصفته بأنه «عمل إرهابي».
وأوضحت السلطات الروسية أن جسر كيرتش، هو الرابط الوحيد الذي لا يمر عبر منطقة الحرب القائمة حالياً، ويضم قسما طرقيا وآخر للسكك الحديد، تعرّض في ساعة مبكرة من صباح أمس، لهجوم بطائرات مسيّرة فوق المياه.
وأعلنت السلطات الروسية أن الهجوم أدى الى مقتل مدنيين هما رجل وامرأة كانا «في سيارة سياحية على الجسر»، موضحة أيضاً أن ابنتهما أصيبت بجروح.
وفي حين أظهرت مقاطع فيديو انفصال جزء من الطريق على الجسر الرابط بين روسيا وشبه جزيرة القرم وميله على جانب، قالت زاخاروفا، إن «الهجوم على جسر القرم نفذه نظام كييف الإرهابي صاحب سمات مجموعات الجريمة المنظمة الدولية».
وأضافت أن «المسؤولين الأوكرانيين يتخذون القرارات بمشاركة مباشرة من أجهزة مخابرات وسياسيين في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وهاتان الدولتان مسؤولتان عن كيان دولة إرهابية».
وأعلن حاكم القرم، سيرغي أكسيونوف، توقف حركة المرور في المنطقة رقم 145 من الجسر بسبب الحادث «الطارئ»، وطلب من السكان والسياح استخدام طريق بري بديل يمر عبر مناطق تحتلها روسيا في جنوب أوكرانيا.
واستأنفت روسيا بعد ذلك حركة السكة الحديد على الجسر، بعد تأجيل استمر 5 ساعات، حسبما قالت السلطات. غير أن حركة مرور السيارات على الجسر البالغ طوله 19 كيلومترا، ظلت متوقفة.
ووفق «الكرملين»، فإن بوتين عقد اجتماعاً عبر الفيديو لبحث وضع جسر القرم، وأشار إلى علمه بمدى عمق التنسيق بين كييف والعواصم الأوروبية و»الناتو»، لكنه استبعد اللجوء إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن ولندن، مؤكدا الحاجة إلى قنوات للحوار.
ولم يكن هناك تأكيد رسمي من جانب كييف بشأن أي تورط في التفجير، إلا أن جهاز الاستخبارات الأوكراني علّق على الانفجار الواضح بقوله: «لقد خلد الجسر إلى النوم مرة أخرى».
وأفاد مصدر في أجهزة الأمن الأوكرانية بأن عملية خاصة لجهاز الاستخبارات وسلاح البحرية استهدفت جسر القرم بواسطة «مسيّرات بحرية»، مؤكداً أن بلوغ الجسر، الذي يعد ممراً حيوياً لنقل الامدادات الى الجنود الروس، كان صعباً، لكن في نهاية المطاف أمكن القيام بذلك.
وحذّر المستشار في الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك من أن «كل منشأة غير قانونية يتم استخدامها لإيصال أدوات روسية للقتل الشامل ستكون بالضرورة سريعة الزوال، أيا تكن أسباب التدمير».
وعلى الرغم من الوضع المتوتر وفرض ضوابط أمنية طويلة الأمد، يتدفق السياح الروس على شبه جزيرة القرم، التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر القطار أو السيارة.
خيرسون
إلى ذلك، قال متحدث باسم خدمات الطوارئ بمنطقة خيرسون، إن القوات الروسية تصدت لمحاولة تسلل أوكرانية في محيط جزيرة فيليكي، كما تصدت لمحاولتين لعبور نهر دنيبر في منطقة خيرسون خلال الـ 24 ساعة الماضية وتم تدمير زورق واحد وقتل 3 مسلحين.
وأضاف المتحدث أن القوات الروسية دمرت أيضا منظومة صواريخ متعددة الإطلاق أوكرانية من طراز «فيربا» على الضفة اليمنى من نهر دنيبر بالقرب من مركز بوناتوفكا، كما دمرت مدفعي هاون من عيار 120 ملم وطواقمهما وذخائرهما بالقرب من بريدنيبروفسكوي ودنيبروفسكوي.
في المقابل، قالت نائبة وزير الدفاع الأوكرانية، هانا ماليار: «خلال الأسبوع الماضي ونتيجة لتحسن التموضع والانتشار التكتيكي على خط الجبهة باتجاه باخموت، حررنا 7 كيلومترات مربعة».
وأضافت أن 11 كيلومتراً أخرى استعيدت في غضون أسبوع في الجنوب ما يرفع إلى 18 كيلومترا مربعا كامل المساحة التي يقول الأوكرانيون إنهم استعادوها الأسبوع الماضي في البلاد.
وأفادت ماليار أن أوكرانيا استعادت 180 كلم في الجنوب منذ بدء الهجوم المضاد مطلع يونيو و30 أخرى في الشرق، خصوصا حول باخموت، أي ما مجموعه 210 كلم.
وبعد مرور أكثر من 3 عقود على تفكك الاتحاد السوفياتي وإعلان كييف استقلالها، تمسك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بقوة مقاومة الغزو الروسي، مشدداً على أن «أوكرانيا لن تتنازل أبدا عن سيادتها. هذا واضح بالفعل للجميع في العالم».
ورأى زيلينسكي أن أوكرانيا نموذج يحتذى، ورائدة من أجل الحرية والديموقراطية في أوروبا، مؤكداً أنها «ستضمن الحرية والأمن الحقيقيين من الإرهاب الروسي، وأمن أوروبا يبدأ بسيادتها وقوتها».