بصدور برنامج العمل الحكومي للسنوات «من 2023 إلى 2027» مع ما يحتويه من تصورات وخطط تتعلق بمجموعة من المستهدفات الاقتصادية والمالية تحت شعار «اقتصاد منتج... ورفاه مستدام»، فإن السؤال المستحق لا يتعلق بتفاصيل البرنامج أو مستهدفاته ــ وهي في معظمها مرتبطة باحتياجات الاستدامة في الاقتصاد الكويتي ــ إنما في كيفية تطبيقه، ومدى إمكانية تحقيق النجاح فيه بعد العديد من الخطط والبرامج والوثائق خلال السنوات الماضية، والتي لم تكن في أحيان عديدة أكثر من حبر على ورق، وفي أحيان أخرى كانت مؤشراً لاتخاذ سياسات مناقضة لما يرد فيها، وفي كل الأحوال لم يكن إعلان برامج عمل الحكومة أكثر من التزام دستوري لا يشترط تنفيذه.
ومع أن برنامج عمل الحكومة في معظم محتواه قد تناول مجموعة مهمة من «الأفكار» التي تعتبر من متطلبات الإصلاح الاقتصادي والمالي في البلاد، كضبط المصروفات العامة وتنمية الإيرادات غير النفطية، وإعادة هيكلة الدعوم، وإطلاق منصة مركزية للمشتريات الحكومية والشراء الجماعي، وتنفيذ مشاريع البنية التحتية في قطاعات النقل والطاقة والإسكان والسياحة، إلى جانب مشاريع التطوير المتعلقة بتنمية أسواق المال، واستخدام التكنولوجيا وتعزيز الاستثمار المحلي، وإطلاق الشركات المساهمة العامة في قطاعات خدمية متعددة غير أساسية كالبريد والسياحة والنقل، وليس الصحة أو التعليم أو النفط، فضلاً عن إعادة الهيئات والجهات الحكومية، فإن البرنامج في المقابل قد ناله بعض التقصير إذ خلا من تناول أهم ما يحيط بمستقبل البلاد من تحديات، خصوصاً في عدم بيانه عدد فرص العمل التي سيوفرها البرنامج خلال سنواته الأربع المقبلة، وفي أي قطاعات، فضلاً عن إغفاله أي معالجات مقترحة لتعديل التركيبة السكانية في البلاد أو تقديم أدوات عملية لمعالجة التضخم.
«صندوق سيادة»
تطرق البرنامج إلى مسألة إطلاق كيان استثماري سيادي محلي «صندوق سيادة للتنمية» لجذب الاستثمارات، وتوطين التكنولوجيا، وإدارة المشاريع الكبرى، والشراكة مع القطاع الخاص، وهذه مفاهيم لا بأس بها، لكن في المقابل يجب قبلها معرفة أسباب فشل أو محدودية نجاح هيئات أسستها الدولة خلال السنوات الماضية كان الغرض منها تولي نفس المهام، كهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والصندوق الوطني للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهيئة تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، والجهاز الفني لمشاريع التخصيص، كي لا يكون إطلاق صندوق سيادة مجرد ضخ أموال مع إعادة تدوير فشل إداري دون معالجة.
فخ الديون
وعلى الرغم من ربط قانون رفع سقف الدين العام بمشاريع ذات قيمة اقتصادية مضافة، كما ورد في نص البرنامج خلافاً لسنوات سابقة كان يطرح فيها قانون الدين العام بلا ضوابط في الإنفاق بما يرجح إنفاقه على المصروفات الجارية كالرواتب والدعوم وغيرها، فإن التساهل في مسألة إقرار الدين العام دون ضبط للمالية العامة، وانفلات مصروفاتها، ودون تقديم نماذج نجاح واضحة لمشروعات اقتصادية ذات عوائد مالية أو تنموية تتعلق بتعظيم الإيرادات العامة أو خلق فرص للعمالة الوطنية، قد يجعل من الدين العام «فخاً» يدخلنا في «شرباكة» من الديون السيادية، وسط عدم وجود مصدّ قوي يواجه المقترحات الشعبوية أو مالية عامة مستدامة تخفف عبء تقلبات أسعار النفط على إيرادات الدولة.
فبرميل النفط الكويتي، الذي تجاوز 81 دولاراً للمرة الأولى منذ عام ونصف العام مدعوماً بعوامل استثنائية كالخفض الطوعي للإنتاج من خلال مجموعة «أوبك بلس» وتداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية من جهة رفع مخاطر الاقتصاد العالمي، لم يبلغ (أي البرميل الكويتي) سعر التعادل المقدر بالميزانية العامة للدولة للعام 2023 -2024 البالغ 92.9 دولاراً مما يعني أن الأيام السهلة قد ولّت، وأن الاستمرار في سبع سنوات من العجز المالي في ميزانية الدولة، من أصل ثمانٍ، من المرجح أن يستمر سنوات مقبلة في حال تعاظمت المصروفات السنوية على وتيرتها المتصاعدة بالتوازي مع عدم قدرة أسعار النفط على تلبية الالتزامات.
مواعيد زمنية
وفي الحقيقة، يحسب لبرنامج عمل الحكومة تحديده لمواعيد زمنية لإنجاز المشاريع أو القوانين خلال فترات «السنة الأولى، والثانية حتى الرابعة» بحيث يسهل للرأي العام والمختصين، إضافة إلى مجلس الأمة، قياس نسبة الإنجاز أو الفشل في تنفيذ البرنامج، وبالتالي إمكانية محاسبة الحكومة، وهو ما يستوجب لضمان جديته وتحقيق أهدافه صدور «إفصاحات» رسمية عن نسب الإنجاز في البرنامج، ومدى تحقق الأهداف وبيان أي انحرافات أو عوائق تظهر أثناء التنفيذ كي يكون ثمة التزام بالمواعيد الزمنية بما يخدم عملية الرقابة على التنفيذ.
«نفضة» ضرورية
وليكون التقييم موضوعياً، فإن درجة التفاؤل بنجاح البرنامج الحكومي تظل مقيدة بواقع تنفيذي غير مشجع يحتاج دون شك إلى «نفضة» على صعيد مجلس الوزراء المحكوم دائماً باختيار عناصر الوزارة وفق معايير المحاصصة لا الكفاءة، ناهيك عن استقالة وزيري «المالية والتربية» خلال أقل من شهر من توليهما منصبيهما في الحكومة الحالية، مما يدل على غياب الرؤية والمنهج في حكومة يفترض أن تدير برنامج عملها بنظام الفريق الواحد المتضامن،
وهو ما يتطلب وفق آليات تنفيذية ومعايير إدارية صارمة لضمان نجاح البرنامج كتحديد النسب المطلوبة لرفع وتنمية الإيرادات غير النفطية وتحديد فرص العمل المطلوبة خلال سنوات الخطة، وتوضيح علاقة البرنامج مع رؤية «كويت جديدة 2023» أو ميزانية الدولة، فضلاً عن تطوير آلية العمل في مجلس الوزراء بقرارات تنفيذية واضحة بعيداً عن صيغ التسويف (تكليف - تنسيق - متابعة - البحث عن الحلول والبدائل).
احترام الحكومة لقراراتها
أضف إلى ذلك، ينبغي التأكيد على ضرورة احترام الحكومة لقراراتها دون نقضها خصوصاً المتعلقة بالمالية العامة، إلى جانب اختيار قياديي المؤسسات العامة وفقاً لمعايير الكفاءة والإنجاز، مع أهمية إعادة دمج وهيكلة الهيئات التي فشلت في تحقيق أهدافها، واستغلال التوافق الحكومي - النيابي لإقرار أكبر عدد من المتطلبات التشريعية بالتوازي مع التركيز على جودة التشريع ليتحقق الهدف من الإقرار أو التعديلات، وجدية التعامل مع ديوان المحاسبة والوحدات الرقابية الأخرى لتلافي المخالفات والملاحظات، ناهيك عن التركيز على خطط تحقق رفاهية المجتمع بعيداً عن المقترحات الشعبوية ذات الأعباء المالية المكلفة.
لا يشك منصف في أن برنامج عمل الحكومة يحتوي على مجموعة من الأفكار والأهداف الجيدة، وأيضاً الضرورية، لكنه يتطلب أيضاً تحاشي البيئة التنفيذية التي تتحول فيها الأفكار الجديدة والمقترحات الجيدة إلى أعباء أو نماذج للفشل حال غياب الإرادة القوية والإدارة الحسنة، في وقت لم تعد فيه أوضاع أسواق الطاقة العالمية أو المالية العامة تمنحنا ترف التهاون مع نماذج الفشل كما السابق.