قراءة في اقتراح عدد من النواب لتعديل قانون القضاء
• المقترح يعدّل تسمية القانون إلى «السلطة القضائية» ويمنح القضاة استقلالاً مالياً وإدارياً وأمانة عامة
يثير الاقتراح المقدم من عدد من نواب مجلس الأمة بتعديل قانون تنظيم القضاء رقم 23/1990 وتسميته بقانون السلطة القضائية بدلا من تنظيم شؤون القضاء جملة من القضايا المهمة على صعيد البيت القضائي وعمل السلطة القضائية في الكويت وفق ما يتضمنه من احكام وقواعد مستحدثة وتطوير لبعض النصوص الواردة في القانون الحالي.
وتعرض الاقتراح بالقانون في مجمله الى بيان اربع قواعد رئيسية نوردها في هذه القراءة القانونية، ويتضمن القسم الاول منها ما يتعلق بكيان مجلس القضاء وسلطاته والعمل على حوكمة اعماله مع منحه بعض المساحات الخاصة بقضية الاستقلال الاداري والمالي، بينما القسم الثاني فيتعلق بقواعد التعيين في مناصب القضاء والنيابة العامة وتأقيتها مع استحداث بعض المناصب، في حين استحدث القسم الثالث مجموعة من قواعد المحاسبة لرجال القضاء وأعضاء النيابة العامة بتقنين قواعد المخاصمة لرجال القضاء والنيابة العامة الى جانب المسؤولية التأديبية والجنائية لهم والواردة في القانون الحالي، أما القسم الأخير فتضمن تنظيم الجانب المالي للقضاة والنيابة وتقرير المزايا المالية وإنشاء صندوق للضمان الاجتماعي والمالي لهم والمعاش بما يضمن لهم الحياة الكريمة.
وبشأن ما قرره الاقتراح بقانون بشأن كيان المجلس الأعلى للقضاء فقد نص في المادة 17 منه، على أن يشكل مجلس القضاء الأعلى من كل رئيس محكمة التمييز ونائبه ورئيس محكمة الاستئناف ونائبه ورئيس المحكمة الكلية والنائب العام ورئيس التفتيش القضائي، وعضوية اثنين من اقدم المستشارين ووكيل وزارة العدل وهو ما يعني انه قرر اعادة تشكيل مجلس القضاء بإدخال رئيس التفتيش القضائي عضوا في المجلس في دلالة على أهمية هذه الادارة والدور الذي يتعين ان تقوم به والعمل الذي يجب ان تمارسه في ظل التجربة المتواضعة لها منذ اصدار قانون تنظيم القضاء عام 1990 حتى الان.
كما نص الاقتراح على استحداث امانة عامة للمجلس الاعلى للقضاء وذلك في المادة 77 منه مع التقرير على تعيين منصب الأمين العام لمجلس القضاء وتعيين أمين عام مساعد له للشؤون الادارية وآخر للشؤون المالية بما يعكس الرغبة لدى الاقتراح بقانون في عودة فكرة الامانة العامة لمجلس القضاء والتي كانت مطروحة قبل نحو 12 عاما في عدة اقتراحات سابقة. وذلك مقروناً بموافقة وزير العدل لبعض القرارات في تصور يعكس مدى الرغبة في الوصول إلى حالة من التوافق بين مجلس القضاء وبين وزير العدل وفي دوافع أخرى للاقتراح وتحديداً في المادة 79 فقد منح الاقتراح بالقانون للمجلس الأعلى للقضاء صلاحيات إدارية واسعة تجاه مطالب أعضاء السلطة القضائية، إذ منح الاقتراح للمجلس الأعلى للقضاء كافة اختصاصات ديوان الخدمة المدنية المنصوص عليها في القوانين واللوائح في المادة 19 من المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية بالنسبة للقضاة وأعضاء النيابة كما منح الاقتراح للقضاء تمثيله مباشرة أمام كافة الهيئات والجهات العامة والخاصة عن طريق الأمانة العامة للمجلس الأعلى للقضاء من خلال الأمينين العامين للشؤون الإدارية والمالية على أن يكون الأمينان المساعدان للشؤون الإدارية والمالية من ذوي الخبرة من العاملين في الجهات الحكومية.
وهو ما يعني أن الاقتراح حاول تلافي العيوب التي كانت موجهة للاقتراحات السابقة للاستقلال الإداري والمالي بشأن توليها من يباشرها من رجال القضاء خشية من الطعن على مسلكهم الإداري والمالي وأسند تولي هذه المناصب لذوي الخبرة من خارج القضاء بينما أبقى منصب الأمين العام لمجلس القضاء أو من يساعده في المهام الإدارية والمالية لأعضاء السلطة القضائية ممن هم بدرجة مستشار.
جهاز للشرطة
كما قرر الاقتراح وفي سبيل المساواة مع عمل مجلس الأمة حيث قرر في المادة 80 منه بإلحاق جهاز الشرطة القضائية تكون مهمته حفظ الأمن في المحاكم والنيابة ويتم تحديد صلاحياته من مجلس القضاء وتسند إلى المجلس ترقياته وتنقلات هذا الجهاز الذي يتبع له كما نص الاقتراح على تعيين الإداريين والماليين للعمل في المحاكم والنيابة العامة ومنح لوزير العدل الإشراف الكامل عليهم رغم أنهم المعاونون للقضاء وهم العاملون والمسؤولون عن تقديم الخدمات المساندة للقضاء والنيابة العامة.
والملاحظ للقسم الأول من إعادة كيان مجلس القضاء بعد إعادة مسمى القانون من قانون تنظيم القضاء إلى قانون السلطة القضائية هو رغبة الاقتراح بأن يمارس القضاء عمله شأنه شأن السلطة التشريعية وذلك إعمالاً لأحكام الدستور والتي تعتبر القضاء بالسلطة لها ما للسلطات الأخرى بخلاف القانون الحالي الذي يعتبرونه مرفقاً عاماً بتولي الإشراف على شؤون رجال مجلس القضاء بينما من يتولى إدارته مالياً وإدارياً هي وزارة العدل، ولذلك فالاقتراح أحدث تقدماً في إدارة الملف القضائي وإسناده لمجلس القضاء وحقق التوافق المراد مع وزارة العدل عبر وجود سلطات لدى الوزير وتمثيل وكيل الوزارة في عضوية مجلس القضاء واشترط في تعيين الأمينين العامين المساعدين للشؤون الإدارية والمالية في الأمانة العامة لمجلس القضاء بأن يكونا من خارج الجهاز القضائي ومن ذوي الخبرة العاملين في الجهاز الحكومي.
بينما المسالة الثانية التي تضمنها الاقتراح بقانون وهي تتعلق بقواعد التعيين في رئاسة المحاكم وتأقيتها واستحداث لجان دائمة ومؤقتة في المحاكم وقواعد في التعيين في النيابة العامة لمنصب النائب العام واستحداث منصب مساعد النائب العام.
ونص الاقتراح على أن التعيين في رئاسة المحاكم يكون بعد توافر جملة من الشروط وهي شرط المدة الزمنية لمن يتم تعيينه في هذا المنصب وهي أن يكون قد استوفى على الأقل مدة 10 سنوات بدرجة وكيل محكمة في المحكمة التي يتم التعيين فيها فضلاً عن إمكانية تعيين نائب لرئيس المحكمة.
ونص الاقتراح على تعيين رؤساء للمحاكم مع استحداث درجات جديدة فيها إذ نصت المادة 4 على أن تؤلف محكمة التمييز من رئيس ونائب له ووكلاء أول ووكلاء في التمييز فضلاً عن نص المادة 5 من الاقتراح على أن تولف محكمة الاستئناف من رئيس ونائب له ووكلاء أول ووكلاء استئناف، وهو ما يعني استحداث الاقتراح لدرجة وكيل أول في محكمتي التمييز والاستئناف، فضلاً عن أن المادة 7 من الاقتراح نصت على أن تؤلف المحاكم الكلية من رئيس وثلاثة نواب يترأسون المحاكم الكلية في المحاكم وعدد من الوكلاء مما يعني أن الاقتراح قد توسع في التعامل مع كيان المحكمة الكلية التي يتولى رئاستها حالياً رئيس ونائب، بأن جعلها محاكم كلية بتولي رئاستها الرئيس وثلاثة نواب له يتولون المحاكم التابعة للمحكمة الكلية وهو استحداث مبرر نظراً لكثرة المهام والأعباء الموكلة لرئيس المحكمة في ظل تقييد القانون الحالي لإمكانية تعيين نواب للرئيس يعاونونه في إدارة مهامه.
وأما بالنسبة إلى التعيين في النيابة العامة، فقد اشترط الاقتراح على من يتولى منصب النائب العام كمستشار أن يكون قد عمل في القضاء لمدة 10 سنوات كحد أدنى، وهو ما يعني أن الاقتراح قد قطع باب التعيين لمنصب النائب العام من خارج القضاء، واشترط عمله لمدة لا تقل عن 10 سنوات، كما استحدث الاقتراح منصبا جديدا في النيابة، وهو منصب مساعد النائب العام، واشترط تحقيق ذات الشروط الوارد تحقيقها فيمن يتولى منصب مساعد النائب العام، وأصبح من جانب آخر هو الرجل الثاني الذي يلي النائب العام في النيابة، ثم يأتي المحامون العامون الأُوّل، ثم المحامون العامون ثم رؤساء النيابة.
تثبيت المناصب القضائية
كما نصّ الاقتراح على تأقيت جميع المناصب القضائية في القضاء والنيابة، ومنها رؤساء المحاكم والنائب العام ومساعده والمحامون العامون بواقع 4 سنوات، وتجدد لمرة واحدة فقط، وهو ما يعني حسم الاقتراح لفكرة تأقيت القضاء في كل المناصب القضائية، لمدة لا تتجاوز 8 سنوات فقط.
كما استحدث الاقتراح في المادة 11 لجنة قضائية باسم لجنة الشؤون القضائية في المحاكم، وهي لجنة دائمة وتشكل من غير أعضاء مجلس القضاء تختار الجمعيات العمومية أعضاءها وتكون مدة عملها سنتين، كما قضت المادة 12 بإنشاء لجنة مؤقتة لشؤون المحاكم تتولى بعض الصلاحيات العاملة لإصدار القرارات التي تحتاج عرضها من الجمعية العمومية، وتشكّل اللجنة المؤقتة برئاسة رئيس المحكمة وعدد من النواب والوكلاء في كل محكمة.
إلا أن الاقتراح بقانون المقدّم يمنح لجنة الشؤون القضائية التي تشكّل وفق المادة 11 منه العديد من الصلاحيات، أهمها موافقة تلك اللجنة على تعيين رئيس التفتيش القضائي، وكذلك النظر في صلاحية القضاة وأعضاء النيابة ممن ثبت قصورهم الفني، وحصلوا على تقارير أقل متوسط لمدة سنتين متتاليتين، وهي لجنة من خارج مجلس القضاء وتشكل من 4 وكلاء، الأول من محكمة التمييز، و3 وكلاء أول من محكمة الاستئناف، ويترأس هذه اللجنة أقدم أعضائها، وتكون قراراتها من أغلبية الحاضرين.
والواضح من أحكام إنشاء تلك اللجنة الدائمة لشؤون القضاء هو خلق جهاز قضائي من كبار رجال القضاء، بخلاف مجلس القضاء، ويتمتع ببعض المهام، رغم أنها تمارس بعض الاختصاصات الموكلة لمجلس القضاء، الأمر الذي يتعين معه تحديد مهام هذه اللجنة، والا كانت ندا وعبئا على الجهاز القضائي الذي سيعمل في خطين متعارضين، لاسيما أن مواد الاقتراح تمنح تلك اللجنة صلاحيات كالصلاحيات الممنوحة لمجلس القضاء.
التأديب والمحاسبة
بينما القسم الثالث من الاقتراح يتمثل بعامل التأديب والمحاسبة لأعضاء القضاء، إذ ان الاقتراح أعاد الى الواجهة مجددا قضية مخاصمة رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة، حيث نص الاقتراح، في المادة 57 منه، على إمكان مخاصمة رجال القضاء والنيابة العامة إذا وقع منهم في عملهم تواطؤ مع أحد الخصوم أو غش أو تدليس أو خطأ مهني جسيم، ونص الاقتراح في المادة 58 على إجراءات رفع المخاصمة عن طريق تقرير يرفع الى إدارة كتاب محكمة التمييز، مع إيداع كفالة قدرها 3 آلاف دينار، ويرفق بالتقرير المستندات الدالة على وجود المخاصمة، وتُعرض الدعوى على إحدى دوائر التمييز، ويتم نظر الدعوى بعد 10 أيام، بعد تبليغ المطلوب مخاصمته قاضيا كان أو عضو نيابة.
غير أن الاقتراح استحدث أمرا في غاية الأهمية، وهو أن النتيجة التي ستخلص اليها دائرة التمييز المنوط بها نظر دعوى المخاصمة ليس لها اصدار حكم موضوعي بدعوى المخاصمة، وانما تصدر حكما شكليا بقبول الدعوى شكلا فتحيلها الى دائرة تنظر الموضوع او تقرر عدم قبول الدعوى شكلا، فعندها تحكم بعدم قبولها بغرامة لا تقل عن ثلاثة الاف دينار، ولا تزيد على 10 الاف، اي ان الاقتراح ووفقا لاحكام المواد من 59 الى 61 رسم طريقتين لدعوى المخاصمة، الاولى شكلية بحيث تنظرها دائرة من دوائر التمييز، وفي حال القبول تحال الى دائرة اخرى في «التمييز»، وتكون إحدى الدوائر المدنية تحديدا لنظر الموضوع.
وفي حال عدم قبول المخاصمة شكلا او رفضها موضوعا لاحقا، للمحكمة ان تغرم رافعها من 3 الاف الى 10 الاف دينار كغرامة وهو امر يتعارض مع حق التقاضي الذي كفله الدستور في المادة 166، اذ ان الاقتراح وضع جزاء حال اللجوء بحق التقاضي في الدعوى المخاصمة قدره من 3 آلاف دينار إلى 10 آلاف دينار، وهو أمر يتنافى مع حق التقاضي، لاسيما ان الاقتراح وضع كفالة 3 الاف تأكيدا على جدية دعوى المحاصمة، كما ان هناك تعارضاً بين إعطاء الاقتراح للمحكمة التي ستفصل في الموضوع حق تغريم رافع الدعوى رغم ان الدعوى لم تعرض امام هذه الدائرة لنظر الموضوع الا بعد توافر جملة من الشرائط التي سبق ان استوفتها الدائرة التي نظرت بشكل دعوى المخاصمة، ولأن المشرع عندما احال المخاصمة الى دائرة الموضوع اشترط تمتع الدعوى بجملة من الشروط والضوابط التي تقود الى جديتها بدليل انه رسم بأن تعقد جلسة مخاصمة القاضي او عضو النيابة امام المحكمة التي ستنظر الموضوع بجلسة علنية، وهو تناقض يتعيين على الاقتراح مراجعته.
كما ان الاقتراح جعل في مسألة المخاصمة ذاتها تحصينا يمر بمرحلتين قضائيتين، الاولى شكلية والثانية موضوعية، وهو ما يعني ان مبدأ المخاصمة سيصعب تحقيقه، وهو ما يتعين على الاقتراح مراجعته: هل تقر المخاصمة كمبدأ واضح للتقاضي ام لا تقر على نحو واضح، بينما في القسم الاخير من الاقتراح يتعين منح السادة القضاة وأعضاء النيابة العديد من المزايا كالمعاش التقاعدي والمكافآت المالية وتقرير صندوق للضمان الاجتماعي لهم، وبعض البدلات كالسكن وهي مسائل تصل بالقاضي الى العيش الكريم الذي يوفر له الضمانات الحياتية الهامة لاسيما ان العديد من الموظفين والعاملين في الدولة يتمتعون بالعديد من تلك المزايا.
مثالب الاقتراح |
يعاب على الاقتراح ما ورد بنص المادة 35 منه من منحه لمجلس القضاء الحق في نقل القضاة وأعضاء النيابة الى ما اسماه ديوان القضاء ممن يثبت عدم كفاءتهم وحصولهم على تقدير اقل من متوسط لسنتين بدلا من انهاء خدماتهم لعدم صلاحيتهم، وذلك لأن من يثبت عدم صلاحيته لا يمكن للقضاء ان يحتفظ به، وإنما يتعين إعمال الحل الذي اوردته المادة 33 من ذات الاقتراح بإيقافهم عن العمل وإحالتهم للتدريب مجددا إلى معهد القضاء بعد التنسيق مع جهاز التفتيش القضائي بشان كفاءتهم، وحال عدم ثبوت تلك الكفاءة يتعين إنهاء خدماتهم حفاظا على العدالة، فبقاؤهم في القضاء يرتبط بكفاءتهم الفنية وحال تراجعها يتعين انهاء اعمالهم بما يضمن العيش الكريم لهم خارج الجهاز القضائي. كما لم يوفق الاقتراح بذات المادة، اذ خص التفتيش بدرجة من هم قضاة ووكلاء محكمة ومستشارين فقط، دون ان يسمح بالتفتيش على جميع الدرجات القضائية طالما كانوا يصدرون احكاما من على منصة القضاء مهما بلغت درجاتهم العليا، وهو امر يتعين مراجعته والنظر إليه. وعلى نحو عام فإن الاقتراح المقدم من النواب: بدر الملا، وعبدالكريم الكندري، وحمد العليان، وعبدالهادي العجمي، ومهلهل المضف يحتاج الى مراجعة شاملة وعرض على المجلس الاعلى للقضاء لبحثه ومناقشة مواده رغم ما اتضح من بعضها أنها قد تكون معروضة سلفا على اطراف ذات صلة بالقضاء، نظرا لما يحتويه من توازنات ومطالب ومزايا بذات الوقت. |