مصافي التكرير العالمية تواجه تحديات الركود الاقتصادي والتصنيعي
• نفطيون لـ «الجريدة•»: الاعتراضات البيئية والمناخية ظاهرة جيوسياسية هدفها منافسة دول المشتقات النفطية
قال الخبير والاستشاري النفطي، د. عبدالسميع بهبهاني، إن مشروع موازنة إنتاج النفط الخام مع تكريره، بحيث تكون كمية الإنتاج متوازنة مع كمية التكرير اقتصادياً، مشروع قديم، وجميع دراسات الجدوى الاقتصادية ترجّح ذلك، خصوصاً في مناطقنا بالخليج، حيث إن المخزون الكبير والمسافات القصيرة بين المصافي وأرصفة الموانئ، من محفزات المشروع خاصة في السنوات الأخيرة.
وأضاف بهبهاني أن الحروب وعدم الاستقرار وتخوّفات الركود الاقتصادي، فضلاً عن تراجع التصنيع، أظهرت أن الهامش الربحي لشركات المصافي كبير وتجاوز الـ 60 بالمئة عن قيمة برميل الخام في المواسم الاعتيادية الذي منع تحقيق هذه الجدوى السهلة هو البعد الجيوسياسي المنافس في الدول الصناعية فقط لا غير.بهبهاني: مشكلة جدوى مشتقات النفط الكويتي راجعة إلى عبئها على مردود المنتج الخام
وتابع أنه نظراً لتغيّر الظروف الجيوسياسية التي ذكرناها، فإن هناك ما يشجع على البداية في موازنة المشروع والاستمرار به بصورة جدية أكبر، حيث الاعتماد المحلي على المشتق ضامن، كما أن عدم الاستقرار الجيوسياسي العالمي يجعل البلاد العربية تحتاج إلى اعتماد المحلي.
وذكر أنه كذلك في إنتاج المشتق تنويع استخداماته في الصناعة والطاقة والنقل، مما يثبت موازنة منتج النفط الخام والمشتق، لافتاً إلى أنه أيضاً من محفزات الاعتماد على المشتق ثبات سعر البرميل، حيث وسط هذه التقلبات لسعر البرميل الخام يجعل سعر برميل المشتق في ثبات أكثر مع تقلبات سعر البرميل الخام، مشيراً إلى أن الاستنتاج النهائي أن دول النفط لا تحتاج إلى زيادة الإنتاج بشرط موازنة ذلك في المشتق، حيث إن أرباحه مجدية، وهذا هو الهدف الأساسي.
وأوضح أن المشروع يواجه تحديات، منها التسويق العالمي مقابل المصافي العالمية خصوصاً أوروبا، حيث إن المصافي العالمية الآن تقريباً توقف منها أكثر من 45 في المئة، نتيجة الركود الاقتصادي وتراجع التصنيع، فأصبحت مترددة في إنتاج المشتقات.
وألمح بهبهاني إلى أن هناك تحدي اعتراضات هيئات البيئة، وأغلب هذه الاعتراضات البيئية والتحول المناخي، في النهاية اعتراضات جيوسياسية، لا أكثر ولا أقل، لافتاً إلى أن العالم أدرك ذلك الوهم، وهو لمنافسة الدول المنتجة للمشتقات.
وتابع قائلاً «هناك دول منتجة للمشتقات ستواجه هذه المنافسة بطريقة أو خرى، منها أوروبا بالدرجة الأولى ومصافي دول آسيا، وحتى مصافي الولايات المتحدة، حيث تجهز مصافيها كي تكون هي البديل للمنتج الروسي إلى أوروبا»، مبيناً أنه من التحديات أيضاً جدوى موازنة الخام بالمشتق المكرر، وهو الاستهلاك المحلي العشوائي، خصوصاً عندنا بالكويت، لأنها لا تميز في دعومها للمشتقات وبين الاستهلاكات التجارية والخاصة، وبين الأساسية، والرفاهية.
مشتقات الكويت
وأشار إلى أن مشكلة جدوى مشتقات النفط الكويتي هي في عبئها على مردود المنتج الخام، موضحاً أن مشروع موازنة إنتاج النفط الخام مع تكريره لاشك أنه سيواجه مقاومة من قبل المصافي، خصوصاً مصافي أوروبا والولايات المتحدة، حيث إن قدرات التكرير والموازنة ليست مشكلة.
ولفت بهبهاني إلى «أننا إذا اتخذنا نموذج مشتقات البرميل الكويتي كمثال، وهو الأضعف في مقابل البنى التحتية التي أنشئت في بعض دول الخليج المجاورة، نجد أن الكويت تنتج 3 ملايين برميل يومياً من النفط الخام والاستهلاك المحلي المدعوم يعادل حوالي 40 في المئة، أي 1.2 مليون برميل يومياً مشتقات، وهذا رقم كبير، والباقي يصدر خام إلى الخارج في الخارج. الخام الذي يصدر يعادل 1.8 مليون برميل خام (50 في المئة) تقريباً بهيئة مشتقات، أي ما يعادل 900 ألف برميل، وبفرض معدل البرميل الخام 70$، بيعه عادة تكون 102 دولار على مستويات المعدل العام للمشتقات التي تباع في الكويت».
وأضاف «أما الجزء الثاني 50 في المئة المصدرة فيها تصدر تقريباً 900 ألف برميل على هيئة خام بسعر مذبذب بين الـ77 والـ80$، فلا شك في أننا سنرى أن الجدوى هي في تصدير المشتق، خصوصاً باعتبار الكمية العالية للمخزون الموجودة في مكامن المنطقة، وشبكات النقل القريبة من الأرصفة، ومصافي التكرير».
وأكد أنه في سبيل تلافي المنافسات غير المهنية نحتاج إلى الاتحاد الخليجي في سوق بيع المشتق، لأن الاتحاد مازال يواجه عثرات فيما بينها، ضارباً المثل بتجربة تحالف «أوبك بلس» الذي أثبت جدارته في المنافسة العالمية، خصوصاً على مستوى الاتحاد الأوروبي واتحاد دول السبع.
من جهته، قال رئيس مجلس الإدارة، الرئيس التنفيذي في مجموعة الشموخ لخدمات النفط في أبوظبي، د. علي العامري: تعتبر دول الخليج العربي، السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر، وعمان من أكبر منتجي النفط في العالم، وتعتمد على النفط والصناعات المتعلقة به لتحقيق إيراداتها وتلبية احتياجاتها الاقتصادية، ويعتبر قطاع التكرير أحد الصناعات الرئيسية التي تستخدم النفط الخام لإنتاج المنتجات البترولية المكررة، مثل البنزين، والديزل، والوقود الطائر، والبتروكيماويات.
وأضاف العامري: يعتمد حجم إنتاج النفط في الدول الخليجية على عدة عوامل، بما في ذلك الطلب العالمي على النفط والتوازن بين العرض والطلب في السوق العالمية، وهناك العديد من مصافي تكرير النفط في الخليج العربي، حيث تقوم مصافي التكرير بمهمة تحويل النفط من المادة الخام إلى مشتقات مختلفة وقوداً للسيارات والكيروسين والغاز المسال، ووقود الديزل والطائرات وغيرها، فهناك مصفاة الرويس في الإمارات تصل طاقتها الإنتاجية المصممة لنحو 837 ألف برميل يوميًا، وتمتلك «أدنوك» أيضًا أقدم مصفاة في الإمارات، وهي مصفاة (أبوظبي)، وبدأت العمل منذ 1976، إذ تقوم بتكرير 85 ألف برميل في اليوم الواحد.العامري: توجّه دول الخليج نحو الاستدامة والطاقة المتجددة قد يؤثر على استراتيجيتها في صناعة التكرير
وتابع قائلاً: كما أن لدى «أرامكو» أكثر من مصفاة لتكرير النفط، بعضها تمتلكها بشكل كامل، وأخرى بحصة من رأس المال، وسط سعيها لزيادة طاقة التكرير لديها، لتتراوح ما بين 8 و10 ملايين برميل يومياً بحلول 2030، وفي الكويت تستطيع مصفاة الزور تكرير النفط بنحو 615 ألف برميل يومياً من الخام الكويتي، وتوفر إمدادات لمحطات الكهرباء بنحو 225 ألف برميل يومياً من زيت الوقود البيئي، وإنتاج 340 ألف برميل يومياً من المنتجات النفطية العالية الجودة.
مصفاة الدقم
وذكر أن سلطنة عمان لديها مصفاة الدقم لتكرير النفط، بطاقة إنتاجية تصل إلى 230 ألف برميل يومياً، وهي مشروع مشترك بين شركة النفط العمانية وشركة البترول الكويتية العالمية وتمتلك دولة قطر «مصفاة لفان» الواقعة في مدينة رأس لفان الصناعية حيث تصل قدرة مصفاة لفان -والمكونة من جزأين- للمعالجة الإجمالية إلى 292 ألف برميل يومياً.
وأشار إلى أنه عندما تواجه دول الخليج العربي طلباً متزايداً على المنتجات البترولية وتكرير النفط فقد تحتاج إلى زيادة إنتاج النفط لتلبية هذه الاحتياجات، لافتاً إلى أن دول الخليج العربي لديها قدرات كبيرة في مجال تكرير النفط، ولديها القدرة على زيادة إنتاجها إذا استدعت الحاجة، مشيراً إلى ضرورة مراعاة عوامل أخرى مثل التزام دول الخليج بقرارات منظمة البلدان المصدرة للبترول.
سوق الطاقة
ولفت العامري إلى أن دول الخليج سلكت طريقاً في الآونة الأخيرة يعتمد على تنويع مصادر دخلها وخفض الاعتماد على النفط من خلال تطوير القطاعات الأخرى مثل السياحة والتجارة والصناعات الأخرى، كما تسعى للتخطيط للمستقبل وتحقيق التنمية المستدامة وسط التغيرات العالمية وتحولات سوق الطاقة.
وأوضح أن الحاجة لزيادة إنتاج النفط في دول الخليج العربي لتغطية احتياجاتها في صناعة التكرير قد تكون متأثرة بالعديد من العوامل الاقتصادية والسياسية والتنموية، كذلك قد يؤثر أيضاً توجه هذه الدول نحو الاستدامة والطاقة المتجددة على استراتيجيتها في صناعة التكرير واعتمادها على النفط.
واستطرد: أما في حالة التوجه إلى زيادة التكرير وهذا هو الملموس في الوقت الحاضر، فهناك عدة عوامل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لخفض التكلفة والقدرة التنافسية مثل
القدرة الإنتاجية وهي قدرة منشآت التكرير في الدول الخليجية على معالجة النفط الخام وتحويله إلى مجموعة متنوعة من المنتجات المكررة مثل البنزين والديزل والوقود الطائر والزيوت والشحوم، والأسمدة، والبلاستيك، وغيرها، مبيناً أن القدرة الإنتاجية تعتمدعلى حجم وتكنولوجيا المصافي الموجودة ومستوى الاستثمار في تحديث وتطوير هذه المنشآت، كذلك عامل الجودة وقدرات التكرير على إنتاج منتجات ذات جودة عالية ومواكبة أحدث التقنيات في صناعة التكرير، وأيضاً التكنولوجيا المتقدمة تسمح بزيادة الكفاءة وتحسين الأداء البيئي وتوفير مجموعة متنوعة من المنتجات المطلوبة.
وأكد أنه علينا أن ننظر للموجود حولنا ونبتعد عن التكرار، ونتأكد من قدرة التكرير في تلبية احتياجات الدول المستهلكة حيث يتطلب التنوع في مجموعة المنتجات المكررة التي يتم إنتاجها.
وقال: أما الاستدامة والتوجه البيئي فيُعتبر الالتزام بالاستدامة البيئية والتوجه البيئي أمراً حيوياً في قطاع التكرير، كذلك قدرة المصافي على تحقيق عمليات التكرير النظيفة، وتقليل الانبعاثات الضارة وإدارة المخلفات الناتجة هي عوامل مهمة في تقييم قدراتنا التكريرية، لافتا الى أن قرار زيادة إنتاج النفط وتشغيل المصافي يتخذ بناءً على تقييمات الاقتصاد الوطني والطلب المحلي والعالمي، واحتياجات السوق.
طاقة الكويت
من ناحيته، أكد الخبير والمحلل النفطي كامل الحرمي، أن إجمالي طاقة التكرير الكويتية كمثال على مستوى دول الخليج تفوق مليوني برميل في اليوم الواحد، موزعة على 6 مصاف، 3 منها داخل الكويت و3 خارجها.
وأضاف الحرمي أن الطاقة التكريرية المحلية تبلغ 1.400 مليون ما بين الأحمدي وميناء عبدالله عند إجمالي 800 ألف، ومصفاة الزور 600 ألف برميل في اليوم. ونحو 600 ألف برميل من مصافي الكويت الثلاث خارج البلاد، في كل من الدقم في عمان وفيتنام ومصفاة ميلازو في إيطاليا، وذلك من إجمالي حصة الكويت الحالية في «أوبك» والبالغة 2.500 مليون يومياً، مشيراً إلى أن 80 في المئة من الخام الكويتي للمصافي، والكمية المتبقية هي 500 ألف برميل لتصدير النفط الخام الكويتي إلى الخارج. وأوضح أن «ذلك يدلل على أننا لم ننفذ ولم نلتزم بسياسة 50 في المئة التي بدأتها مؤسسة البترول الكويتية منذ تأسيسها، حيث بدأنا بالتخلص من عقود وزبائننا من النفط الخام تقريباً في جميع أنحاء العالم، خاصة في آسيا، ولهذا نرى تراجعاً في حصصنا في التوريد الخارجي من (الخام)، رغم أن سياستنا كانت معتمدة بالتساوي بين الخام والتكرير، وإيجاد منافذ وأسواق آمنة للكويت».الحرمي: هناك تراجع في التوريد الخارجي من الخام الكويتي رغم الاستراتيجية الهادفة إلى التوازن بين الخام والتكرير
وذكر «نحن الآن لم نعد قادرين على إنتاج أكثر من 500 ألف من إجمالي حصتنا من منظمة أوبك. وحتى عند معدل إنتاج 2.800 مليون برميل فإن حصتنا من النفط الخام ستكون 800 ألف فقط، أي عند 30 في المئة، ما يعني أنه يجب علينا العمل لزيادة الإنتاج من الخام. ومع ذلك، نتساءل، لماذا مثلاً لم نطالب برفع وزيادة حصتنا الإنتاجية من النفط الخام للعام المقبل مثل بعض دول المنظمة النفطية؟».
واستدرك، لكن السؤال الأهم، ما هي قدرتنا الإنتاجية من النفط الخام مستقبلاً، وهل سنصل عند الرقم الموعود وهو 3 ملايين برميل في اليوم، وهل نستطيع ان نصل إلى رقم 2.800 حقاً قبل نهاية العام الجاري؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم نطالب بزيادة إنتاجنا من النفط الخام أسوة ببقية أعضاء أوبك؟ ولماذا لم نوضح عدم إمكانيتنا خفض الإنتاج أيضاً مثل بقية أعضاء المنظمة مثلاً العراق عند 4.100 ملايين، أو إيران عند 2.66 مليون برميل في اليوم؟
وتابع: فعلى الأقل كان علينا أن نطالب المنظمة أن نكون عند معدلنا السابق 2.800 مليون بالموازاة مع الإمارات المتحدة وهي الآن عند 2.900 مليون، فلماذا كتب علينا التضحية دائماً؟ خصوصاً أن المملكة العربية السعودية ضحت بما هو أكثر من المطلوب للحفاظ على وحدة وتماسك (أوبك+) وهي تعلم أن روسيا لن تلتزم وكذلك بعض أعضاء «أوبك»، وتبقى الكويت هي التي تلتزم، لكن يجب مراعاة التزامنا مستقبلاً.
حقول قديمة
وأضاف الحرمي: نعم حقولنا قديمة، ولكن هناك تقنيات متقدمة، وعلى القطاع النفطي إعلامنا لأن معدل انخفاض إنتاج النفط منذ 2016 ليس بالأمر السهل ويتصادف مع انخفاض في سعر النفط الخام، معقباً: سنكون محظوظين فعلاً لو استطاع قطاع التكرير أن يُحقق هوامش الأرباح عن العام الماضي، بما فوق 20 دولاراً للبرميل، وإن لم يتحقق فسنكون خسرنا مرتين من التكرير ومن انخفاض إنتاج النفط.
إنشاء مصافي التكرير استثمار ناجح
أفاد الخبير النفطي أحمد كرم: «لو تتبعنا اماكن استخدام النفط الخام لوجدنا أنها شبه معدومة، وهذا لأن أغلب النفط الخام يتم إرساله للمصافي البترولية لتكريره واستخراج المشتقات البترولية منه».وأضاف كرم أن لدول الخليج مصافي بترولية عديدة تحتاج تغذيتها بالنفط الخام لكي تعمل باستمرار وتنتج المشتقات البترولية كالبنزين ووقود الطائرات والديزل وغيرها من مشتقات لتلبية الطلب بالأسواق المحلية والخارجية، مشيراً إلى أن انخفاض انتاج النفط بعد قرارات «اوبك» سعياً منها لرفع أسعار النفط الخام بدأ يؤثر على العقود المبرمة مع المشترين حيث اصبح تلبية العقود أمراً أكثر أهمية للإيفاء به، وأصبحت المصافي المحلية المتأثر الأكبر.كرم: زيادة المصافي ومعامل البتروكيماويات الاتجاه الأمثل لزيادة مصادر الربح بدول الخليج
استثمار ناجح
ولفت إلى أن الاستثمار الناجح في مصدر النفط هو إنشاء المصافي البترولية لعمليات التكرير واستخراج المشتقات أو إنشاء مصانع البتروكيماويات التي لولاها لما رأينا العديد من المنتجات، معتبراً أن زيادة المصافي ومعامل البتروكيماويات هو الاتجاه الأمثل لزيادة تعظيم مصادر الربح حيث أصبح بيع النفط الخام غير مجدٍ.
وأوضح أنه نظراً إلى عدم توافر المصافي لدى دول الخليج فمازال بيع النفط الخام هو المصدر الأكبر للدخل والإيرادات المالية، مشيراً إلى أن خفض الإنتاج النفطي بات الوسيلة الوحيدة للسيطرة على أسعار النفط ورفعها وصولاً للأسعار المرجوة الكفيلة بمعادلة موازنات الدول الخليجية، وعليه فمن الضروري للدول الخليجية أن تفكر جدياً في الاستثمار بالمصافي محلياً وخارجياً وبالأماكن المطلوبة.