كان تصريح الجمعية الطبية للرد على اللغط الحاصل في منع ابتعاث الطلبة لجامعات عربية، من أفضل التصاريح المُنصِفة التي قرأتها، وهو تصريح محترم مبني على أساس علمي ومنطقي، وقد أبرزت حقائق لم ينتبه إليها أغلب الناس، وكما يقال أهل مكة أدرى بشعابها.

بداية، يجب إلقاء اللوم بالدرجة الأولى على التعليم العالي والملحقيات الثقافية التي تساهلت من البداية في السماح بزيادة عدد المقاعد الدراسية المفروضة لكل جامعة، فتقليص أعداد الطلبة يغلق باب الجدل والشبهات ويزيد جودة التعليم، ومما أذكره عندما كنت طالبا في الولايات المتحدة الأميركية، كان الملحق الثقافي الكويتي يغلق باب التسجيل بأي جامعة يزيد فيها عدد الطلبة الكويتيين على الحد المسموح، ويلغي الاعتراف بأي طالب سجل بالجامعة بعد هذا القرار، لكن للأسف أصبحت اليوم القرارات عندنا انفعالية، إما فتح الباب على مصراعيه وإما الإغلاق كلياً ودون ضوابط!

Ad

وبالرغم من هذا فإن جامعات المملكة الأردنية الهاشمية بالذات كانت متشددة في الامتحانات ومتابعة حضور الطلبة أسبوعيا، وكان الطالب الذي لا يلتزم بالحضور بانتظام يشطب من برنامج الماجستير، فكان البعض ينسحب من نفسه قبل أي إحراج، وكان البعض يضطر للحضور والانضباط كباقي زملائه.

ومن التناقضات الطريفة في الموضوع، أنه عندما أردنا تطوير جودة التعليم في الكويت، طلبنا الاستعانة بمدرسين من الأردن وفلسطين، فكيف نصدر بعدها قرارا بوقف ابتعاث دراسة الطب إلى الأردن! ونحن نعلم أن أغلب مخرجاتهم التعليمية تتراوح ما بين الجيد والممتاز، بالإضافة لذلك، نحن قد حرمنا كثيراً من متوسطي الدخل أن يبعثوا أبناءهم وبناتهم للدراسة في دولة عربية قريبة ومحافظة، وتتمتع باستقرار أمني واقتصادي وانضباط إداري، وتتميز جامعاتها بتصنيف مرتفع يفوق تصنيف جامعات محلية كثيرة! وأما جامعاتها الرئيسة فتصنف من أفضل عشر جامعات في الوطن العربي؟!

في الختام أود أن أنبه إلى ضرورة تطبيق نظام امتحان المستوى العلمي للمتقدمين على أي وظيفة، حتى نَخرج من هذا اللغط، وحتى لا ننخدع بأسماء الدول والجامعات، فإنتاجك العلمي والعملي هو قيمتك الحقيقية في ميدان العمل، وأما المسميات والمراكز الخدّاعة فأكثر من الهم على القلب.

عزيزي القارئ، لابد أن ندرك نقطة مهمة أخرى، وهي أن كل جامعات العالم تتعامل مع بشر لا مصانع «بلاستيك» يَخرج منها المنتج بمواصفات ثابتة! فرغبة الطالب في التعلم وتطوير المجتمع شيء، ورغبة الآخر في اجتياز المقررات المطلوبة لنيل الشهادة والجلوس على المكتب شيء آخر.

ولعل هذا المثال يختصر لي هذه النقطة: كنت أعرف طالبين مبتعثين للدراسة في أميركا، تخرجا من الجامعة نفسها، وفي السنة نفسها، الأول تخرج بِلُغة وثقافة وفكر وشهادة، والآخر لم يأخذ إلا «الورقة»!