«الاستراتيجية الوطنية للسياحة» والتنمية المستدامة
لا تقل الصناعة السياحية أهمية بالمردود المالي والازدهار الاقتصادي عن غيرها من القطاعات أو الصناعات، لا بل إن هذا القطاع في بعض الدول يحظى بأولوية في الخطط الحكومية ولدى الشركات المتخصصة، كونه أصبح مكوناً رئيساً من مكونات الاستقرار الاستراتيجي بأبعاده التنموية، الاقتصادية والأمنية للدول التي تستضيف استثمارات أجنبية متخصصة وذات كفاءة عالية.
ورغم أهمية القطاع السياحي للاقتصادات الوطنية، لا تلقى التنمية السياحية اهتماماً زائداً في كثير من الدول، وقد يعود ذلك لعدة أسباب منها استسهال الاعتماد على غيره من القطاعات المنتجة بتكاليف أدنى وجهد أقل، أو التركيز على مردود الثروات الطبيعية، إضافة إلى أن نمو هذا القطاع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطوير غيره من القطاعات كالبنية التحتية وشبكة الطرق والترويج الإعلامي والتنقيب عن الآثار، مما يتطلب المزيد من الإنفاق والكثير من الجهد.
وفي السياق، تشهد الكويت عدة جهود ومحاولات- في القطاعين العام والخاص- تستهدف تنمية القطاع الترفيهي وما قد يسمّى «السياحة الداخلية»، دون أن يؤدي ذلك الى أثر كبير في ملء الفراغ وتلبية المتطلبات المتزايدة للتنمية السياحية، فما زال التوق لترفيه شاطئي حقيقي، وما زال الانتظار لمدن ألعاب بمستوى عالمي، وما زال النشاط الرياضي مرهوناً باجتهادات ومبادرات فردية، وما زال قطاع الفنادق والمطاعم– وهو الأكثر حضوراً- يعاني ما يعانيه من مصاعب وعراقيل... ولم يبق للمواطن والمقيم سوى متعة التسوّق كمنفذ ومتنفس وحيد مع قلّة المجمعات التجارية التي يمكن أن تؤمن الترفيه الحقيقي وترقى لمستوى الرفاهية الحقيقية.
سارعت الكويت منذ بدايات نهضتها الحديثة الى تأسيس شركة الفنادق الكويتية في عام 1962، ومن ثم في عام 1976 سبقت دول الخليج جميعها الى تأسيس شركة متخصصة «للمشروعات السياحية» بهدف إنشاء وتنمية وتطوير المشاريع الترفيهية والسياحية في البر والبحر وما بينهما من شواطئ تجاور واجهة كل الجزء المسكون من «دانة الخليج» من أقصاها شمالاً الى أدناها جنوباً.
إلا أن الوضع الراهن لم يعد كما سابق عهده قبل الغزو الغاشم، ولولا جهود شركات القطاع الخاص في ايجاد بعض الأنشطة الترفيهية لفئتي الأطفال والشباب، ولولا تبنّي الديوان الأميري بعض المشاريع الترويحية المميزة، لخلت الكويت من أي بقعة جذب للسياحة الداخلية أو الخارجية، يضاف الى ذلك تراجع الاهتمام بالأنشطة الثقافية والفنية التي كانت مرآة عاكسة لوجه الكويت الحضاري، ناهيك عن صعوبة الاستفادة طوال العام من المساحات المزروعة والمحميات المكشوفة نظراً لقساوة المناخ الحار والجاف.
ورغم ما قد يبدو من ضبابية أو سلبية في المشهد، فإن التنافسية السياحية لدولة الكويت قابلة للتطوير، فكل المقومات- وأهمها المقدرات البشرية والمالية- متوافرة لمنافسة أفضل الدول القريبة والبعيدة في هذا القطاع الحيوي، وما ينقص هو وضع هذا القطاع على سلم الأولويات في الخطط الحكومية وفي جهود جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي يتطلب تحقيق الإنجاز فيها اعتبارات كثيرة ترتبط ببيئة الأعمال والسياسات المشجعة لاستقطاب ما سيأتي من خارج الحدود، دون التخلّي عن أي اعتبار أمني من المفترض أن يواكب الجهود التنموية ويتماشى مع متطلباتها.
لقد آن الأوان لإخراج «الاستراتيجية الوطنية للسياحة» من أدراج النسيان أو ربما الإهمال، مع أهمية تحديثها وتطويرها نظراً لأن تاريخ إعدادها يعود للعام 2005 بجهود مشتركة بين كل من قطاع السياحة في وزارة الإعلام ووزارة التخطيط (آنذاك) بالتعاون مع منظمة السياحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للإنماء وبمشاركة (35) جهة معنية بالسياحة من القطاعين العام والخاص، ومتخصصين مهتمين وعاملين بالمجال وفي مقدمتهم السيدة نبيلة العنجري المسؤولة السابقة عن قطاع السياحة في وزارة الإعلام، والمستشار السياحي محمد أنيس ناجيا أمين عام اتحاد أصحاب الفنادق في الكويت.
وقد جاءت الدراسة التي تتكون منها الاستراتيجية في (11) مجلداً وضع من خلالها الإطار العام للعمل المؤسسي المعني بتطوير السياحة في الكويت، وتضمنت دعوة الى إقرار قانون للسياحة وإنشاء هيئة عامة للسياحة يتكون مجلس إدارتها من القطاعين العام والخاص، وكذلك إنشاء المعاهد المتخصصة لتدريس وتدريب وتشجيع الشباب الكويتيين للانخراط في هذا القطاع، وتحت عنوان «السياحة قطاع واعد» حثت الدراسة على وضع خريطة طريق لتطوير وتنمية المناطق السياحية وتسويقها محلياً وعالمياً، وذلك بغية تحقيق هدف استراتيجي وهو أن تصبح السياحة عنصراً أساسياً من عناصر تحريك الاقتصاد الوطني، ومورداً رئيساً من الموارد الوطنية.
وفي السياق، لم تغفل الاستراتيجية عن تحليل فرص وإمكانات السياحة في الكويت، وكيفية تنميتها، آخذة بعين الاعتبار البعد البيئي والتقاليد والعادات الاجتماعية، متناولة الأسواق السياحية المحلية والدولية، في ضوء ما تمتلكه الكويت من موارد سياحية كبيرة تحتاج إلى تنمية وتسويق، وبخاصة أن من بين نقاط القوة التي تتمتع بها دولة الكويت التراث الثقافي ومجموعة من الآثار الإسلامية، والعضوية في مجلس التعاون الخليجي، حيث لا يشترط لمواطني دول المجلس الحصول على تأشيرة لدخول الكويت، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من البيئة الصحراوية خاصة في الشتاء والربيع، والشواطئ على سواحل الخليج، وكل ذلك من شأنه أن يوفر فرصاً وظيفية للكوادر الوطنية المدربة والقادرة على العمل بأسلوب مرن في صناعة السياحة.
خلاصة القول أن مساعي دولة الكويت إلى التنمية المستدامة لا بد أن ترتكز في جانب مهمّ منها على تفعيل «الاستراتيجية الوطنية للسياحة»، حيث إن التركيز على تنمية هذا القطاع الحيوي يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني ككل ويعيد الرونق للوجه الثقافي الكويتي مع الاستفادة من التقاليد الأصيلة والمحافظة على التراث، بما يساهم في تحويل الكويت إلى مركز استقطاب خليجي وعالمي، ويحقق للبلد نقلة نوعية في عصر أصبح فيه الكون قرية صغيرة، وكل ما يدور في أي زاوية منه- إيجاباً أو سلباً- يصبح بمتناول سكّان الكرة الأرضية بمجرد النظر الى الشاشات التي تتوسط أيدي معظم البشر.
* كاتب ومستشار قانوني.
ورغم أهمية القطاع السياحي للاقتصادات الوطنية، لا تلقى التنمية السياحية اهتماماً زائداً في كثير من الدول، وقد يعود ذلك لعدة أسباب منها استسهال الاعتماد على غيره من القطاعات المنتجة بتكاليف أدنى وجهد أقل، أو التركيز على مردود الثروات الطبيعية، إضافة إلى أن نمو هذا القطاع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتطوير غيره من القطاعات كالبنية التحتية وشبكة الطرق والترويج الإعلامي والتنقيب عن الآثار، مما يتطلب المزيد من الإنفاق والكثير من الجهد.
وفي السياق، تشهد الكويت عدة جهود ومحاولات- في القطاعين العام والخاص- تستهدف تنمية القطاع الترفيهي وما قد يسمّى «السياحة الداخلية»، دون أن يؤدي ذلك الى أثر كبير في ملء الفراغ وتلبية المتطلبات المتزايدة للتنمية السياحية، فما زال التوق لترفيه شاطئي حقيقي، وما زال الانتظار لمدن ألعاب بمستوى عالمي، وما زال النشاط الرياضي مرهوناً باجتهادات ومبادرات فردية، وما زال قطاع الفنادق والمطاعم– وهو الأكثر حضوراً- يعاني ما يعانيه من مصاعب وعراقيل... ولم يبق للمواطن والمقيم سوى متعة التسوّق كمنفذ ومتنفس وحيد مع قلّة المجمعات التجارية التي يمكن أن تؤمن الترفيه الحقيقي وترقى لمستوى الرفاهية الحقيقية.
سارعت الكويت منذ بدايات نهضتها الحديثة الى تأسيس شركة الفنادق الكويتية في عام 1962، ومن ثم في عام 1976 سبقت دول الخليج جميعها الى تأسيس شركة متخصصة «للمشروعات السياحية» بهدف إنشاء وتنمية وتطوير المشاريع الترفيهية والسياحية في البر والبحر وما بينهما من شواطئ تجاور واجهة كل الجزء المسكون من «دانة الخليج» من أقصاها شمالاً الى أدناها جنوباً.
إلا أن الوضع الراهن لم يعد كما سابق عهده قبل الغزو الغاشم، ولولا جهود شركات القطاع الخاص في ايجاد بعض الأنشطة الترفيهية لفئتي الأطفال والشباب، ولولا تبنّي الديوان الأميري بعض المشاريع الترويحية المميزة، لخلت الكويت من أي بقعة جذب للسياحة الداخلية أو الخارجية، يضاف الى ذلك تراجع الاهتمام بالأنشطة الثقافية والفنية التي كانت مرآة عاكسة لوجه الكويت الحضاري، ناهيك عن صعوبة الاستفادة طوال العام من المساحات المزروعة والمحميات المكشوفة نظراً لقساوة المناخ الحار والجاف.
ورغم ما قد يبدو من ضبابية أو سلبية في المشهد، فإن التنافسية السياحية لدولة الكويت قابلة للتطوير، فكل المقومات- وأهمها المقدرات البشرية والمالية- متوافرة لمنافسة أفضل الدول القريبة والبعيدة في هذا القطاع الحيوي، وما ينقص هو وضع هذا القطاع على سلم الأولويات في الخطط الحكومية وفي جهود جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي يتطلب تحقيق الإنجاز فيها اعتبارات كثيرة ترتبط ببيئة الأعمال والسياسات المشجعة لاستقطاب ما سيأتي من خارج الحدود، دون التخلّي عن أي اعتبار أمني من المفترض أن يواكب الجهود التنموية ويتماشى مع متطلباتها.
لقد آن الأوان لإخراج «الاستراتيجية الوطنية للسياحة» من أدراج النسيان أو ربما الإهمال، مع أهمية تحديثها وتطويرها نظراً لأن تاريخ إعدادها يعود للعام 2005 بجهود مشتركة بين كل من قطاع السياحة في وزارة الإعلام ووزارة التخطيط (آنذاك) بالتعاون مع منظمة السياحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للإنماء وبمشاركة (35) جهة معنية بالسياحة من القطاعين العام والخاص، ومتخصصين مهتمين وعاملين بالمجال وفي مقدمتهم السيدة نبيلة العنجري المسؤولة السابقة عن قطاع السياحة في وزارة الإعلام، والمستشار السياحي محمد أنيس ناجيا أمين عام اتحاد أصحاب الفنادق في الكويت.
وقد جاءت الدراسة التي تتكون منها الاستراتيجية في (11) مجلداً وضع من خلالها الإطار العام للعمل المؤسسي المعني بتطوير السياحة في الكويت، وتضمنت دعوة الى إقرار قانون للسياحة وإنشاء هيئة عامة للسياحة يتكون مجلس إدارتها من القطاعين العام والخاص، وكذلك إنشاء المعاهد المتخصصة لتدريس وتدريب وتشجيع الشباب الكويتيين للانخراط في هذا القطاع، وتحت عنوان «السياحة قطاع واعد» حثت الدراسة على وضع خريطة طريق لتطوير وتنمية المناطق السياحية وتسويقها محلياً وعالمياً، وذلك بغية تحقيق هدف استراتيجي وهو أن تصبح السياحة عنصراً أساسياً من عناصر تحريك الاقتصاد الوطني، ومورداً رئيساً من الموارد الوطنية.
وفي السياق، لم تغفل الاستراتيجية عن تحليل فرص وإمكانات السياحة في الكويت، وكيفية تنميتها، آخذة بعين الاعتبار البعد البيئي والتقاليد والعادات الاجتماعية، متناولة الأسواق السياحية المحلية والدولية، في ضوء ما تمتلكه الكويت من موارد سياحية كبيرة تحتاج إلى تنمية وتسويق، وبخاصة أن من بين نقاط القوة التي تتمتع بها دولة الكويت التراث الثقافي ومجموعة من الآثار الإسلامية، والعضوية في مجلس التعاون الخليجي، حيث لا يشترط لمواطني دول المجلس الحصول على تأشيرة لدخول الكويت، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من البيئة الصحراوية خاصة في الشتاء والربيع، والشواطئ على سواحل الخليج، وكل ذلك من شأنه أن يوفر فرصاً وظيفية للكوادر الوطنية المدربة والقادرة على العمل بأسلوب مرن في صناعة السياحة.
خلاصة القول أن مساعي دولة الكويت إلى التنمية المستدامة لا بد أن ترتكز في جانب مهمّ منها على تفعيل «الاستراتيجية الوطنية للسياحة»، حيث إن التركيز على تنمية هذا القطاع الحيوي يعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني ككل ويعيد الرونق للوجه الثقافي الكويتي مع الاستفادة من التقاليد الأصيلة والمحافظة على التراث، بما يساهم في تحويل الكويت إلى مركز استقطاب خليجي وعالمي، ويحقق للبلد نقلة نوعية في عصر أصبح فيه الكون قرية صغيرة، وكل ما يدور في أي زاوية منه- إيجاباً أو سلباً- يصبح بمتناول سكّان الكرة الأرضية بمجرد النظر الى الشاشات التي تتوسط أيدي معظم البشر.
* كاتب ومستشار قانوني.