المواطنون السودانيون يرفضون الاستسلام
في شقة مشتركة تُطِلّ على حي هادئ، في أحد أيام شهر يوليو، أخرجت دعاء، طالبة طب في سنتها الدراسية الأخيرة في الخرطوم، أغراضاً من الجزء الخلفي لخزانتها، ثم نشرت على الأرض قناع غاز، ونظارات واقية، وعَلَم السودان، ولافتات كرتونية كُتِبت عليها شعارات باللغة العربية، وقطعة قماشية بيضاء كبيرة رُسِمت عليها بالطلاء صورة شاب كان قد قُتِل خلال التظاهرات المعارِضة للانقلاب في شهر يناير. (طلبت دعاء استعمال اسم مستعار في هذه المقالة خوفاً من أي ردة فعل محتملة من السلطات العسكرية).
بعد يومَين على احتجاج 30 يونيو، ساقت الشرطة دعاء وصديقها، وتعليقاً على ما حصل، تقول دعاء: «لقد وجدوا هذه الأغراض في صندوق سيارتنا واحتجزونا طوال 12 ساعة، وراحوا يلكمونني وكسروا نظاراتي وفتشوا هواتفنا». كانت دعاء تشارك بانتظام في التظاهرات التي تدعو إلى إرساء حُكم مدني كامل في السودان، وقد تعرّضت لإطلاق النار أيضاً ببندقية على يد السلطات خلال تجمّع شعبي في شهر مارس، فأصيبت في أربع مناطق مختلفة. منذ أن قاد الجنرال عبد الفتاح البرهان انقلاباً عسكرياً، في 25 أكتوبر 2021، قتلت قوات الأمن 119 محتجاً على الأقل، وجرحت أكثر من 7 آلاف شخص خلال التظاهرات السلمية التي اندلعت احتجاجاً على الانقلاب، وفق البيانات التي جمعتها اللجنة المركزية لأطباء السودان، جاء الانقلاب ليعوق العملية الانتقالية نحو الديموقراطية في السودان، علماً أنها بدأت في عام 2019 بعد سقوط حكومة الرئيس السابق عمر البشير.
بعد مرور سنة على تلك الأحداث، لم يواجه قادة البلد العسكريون أي محاسبة حقيقية مع أنهم استعملوا القوة الفتاكة ضد المتظاهرين والناشطين السلميين. حَضَر البرهان حديثاً جنازة الملكة إليزابيث الثانية وجلسة الجمعية العامة في الأمم المتحدة، باعتباره رئيس دولة السودان المعترف به دولياً، وفي الوقت نفسه، يتحمّل المواطنون السودانيون تدهور الظروف الاقتصادية والإنسانية وتجدّد الصراعات في ولايات دارفور، والنيل الأزرق، وكردفان. في غضون ذلك، يقول إبراهيم نجد الله، مصوّر وناشط من مدينة أم درمان المجاورة للخرطوم، إن الاستيلاء العسكري على البلد أطلق محاولات متوسّعة لخنق الحريات في السودان. كان نجد الله يصوّر الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين منذ بداية الثورة السودانية عام 2018. هو ينشر تلك الصور أمام آلاف المتابعين على فيسبوك، وبعد اعتقاله خلال تجمّع في شهر يوليو الماضي، رفع سلك الشرطة في مدينة الخرطوم بحري دعوى قضائية ضده بتهمة «تصوير المناطق العسكرية» و«مخالفة النظام العام»، لكن عادت وأُسقِطت التُهَم خلال محاكمته في الشهر الماضي، وفي الوقت نفسه، بدأ فنانون مثل نجد الله يتعرضون للاستهداف على نطاق أوسع في عهد الحُكم العسكري، وفي 20 أكتوبر اعتُقِل تسعة أشخاص، منهم فنانون وموسيقيون، أثناء اقتحام مركز ثقافي في الخرطوم، حيث كانت الأعمال الفنية المعروضة على صلة بالثورة.
مع ذلك، استمرت جهود المقاومة المدنية وشملت مجموعة من الاعتصامات، والإضرابات، وأشكالاً أخرى من التحركات السلمية، وفي حين تدعو الحكومات الغربية إلى عقد اتفاق جديد لتقاسم السلطة بين الجيش والعناصر المدنية، يتابع عدد كبير من المحتجين وجماعات المعارضة الضغط لإقرار حل قادر على الحد من دور الجيش في الحُكم وحصره في إطار المسائل الأمنية والدفاعية، حيث دعا هذا المعسكر إلى إعادة تشكيل حكومة مدنية حتى موعد الانتخابات الديموقراطية المقررة في منتصف عام 2023.
لكن رغم استمرار هذا النوع من التحركات، يعترف بعض الناشطين بأن احتمال تنازل السلطات العسكرية عن النفوذ السياسي يبقى مستبعداً، ففي الأسبوع الماضي، قال أكرم كمال، طالب عمره 19 عاماً تعرّض لإطلاق النار في عنقه خلال تجمّع في 17 مارس الماضي: «نحن لا نملك أي وسائل لتحقيق مطالبنا باستثناء مقاومتنا السلمية». مع ذلك، لم يستسلم الناشطون وقد تابعوا هذا الأسبوع تنظيم الاحتجاجات في أنحاء البلد تزامناً مع الذكرى السنوية للانقلاب.
* «إيلا يوكس»
بعد يومَين على احتجاج 30 يونيو، ساقت الشرطة دعاء وصديقها، وتعليقاً على ما حصل، تقول دعاء: «لقد وجدوا هذه الأغراض في صندوق سيارتنا واحتجزونا طوال 12 ساعة، وراحوا يلكمونني وكسروا نظاراتي وفتشوا هواتفنا». كانت دعاء تشارك بانتظام في التظاهرات التي تدعو إلى إرساء حُكم مدني كامل في السودان، وقد تعرّضت لإطلاق النار أيضاً ببندقية على يد السلطات خلال تجمّع شعبي في شهر مارس، فأصيبت في أربع مناطق مختلفة. منذ أن قاد الجنرال عبد الفتاح البرهان انقلاباً عسكرياً، في 25 أكتوبر 2021، قتلت قوات الأمن 119 محتجاً على الأقل، وجرحت أكثر من 7 آلاف شخص خلال التظاهرات السلمية التي اندلعت احتجاجاً على الانقلاب، وفق البيانات التي جمعتها اللجنة المركزية لأطباء السودان، جاء الانقلاب ليعوق العملية الانتقالية نحو الديموقراطية في السودان، علماً أنها بدأت في عام 2019 بعد سقوط حكومة الرئيس السابق عمر البشير.
بعد مرور سنة على تلك الأحداث، لم يواجه قادة البلد العسكريون أي محاسبة حقيقية مع أنهم استعملوا القوة الفتاكة ضد المتظاهرين والناشطين السلميين. حَضَر البرهان حديثاً جنازة الملكة إليزابيث الثانية وجلسة الجمعية العامة في الأمم المتحدة، باعتباره رئيس دولة السودان المعترف به دولياً، وفي الوقت نفسه، يتحمّل المواطنون السودانيون تدهور الظروف الاقتصادية والإنسانية وتجدّد الصراعات في ولايات دارفور، والنيل الأزرق، وكردفان. في غضون ذلك، يقول إبراهيم نجد الله، مصوّر وناشط من مدينة أم درمان المجاورة للخرطوم، إن الاستيلاء العسكري على البلد أطلق محاولات متوسّعة لخنق الحريات في السودان. كان نجد الله يصوّر الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين منذ بداية الثورة السودانية عام 2018. هو ينشر تلك الصور أمام آلاف المتابعين على فيسبوك، وبعد اعتقاله خلال تجمّع في شهر يوليو الماضي، رفع سلك الشرطة في مدينة الخرطوم بحري دعوى قضائية ضده بتهمة «تصوير المناطق العسكرية» و«مخالفة النظام العام»، لكن عادت وأُسقِطت التُهَم خلال محاكمته في الشهر الماضي، وفي الوقت نفسه، بدأ فنانون مثل نجد الله يتعرضون للاستهداف على نطاق أوسع في عهد الحُكم العسكري، وفي 20 أكتوبر اعتُقِل تسعة أشخاص، منهم فنانون وموسيقيون، أثناء اقتحام مركز ثقافي في الخرطوم، حيث كانت الأعمال الفنية المعروضة على صلة بالثورة.
مع ذلك، استمرت جهود المقاومة المدنية وشملت مجموعة من الاعتصامات، والإضرابات، وأشكالاً أخرى من التحركات السلمية، وفي حين تدعو الحكومات الغربية إلى عقد اتفاق جديد لتقاسم السلطة بين الجيش والعناصر المدنية، يتابع عدد كبير من المحتجين وجماعات المعارضة الضغط لإقرار حل قادر على الحد من دور الجيش في الحُكم وحصره في إطار المسائل الأمنية والدفاعية، حيث دعا هذا المعسكر إلى إعادة تشكيل حكومة مدنية حتى موعد الانتخابات الديموقراطية المقررة في منتصف عام 2023.
لكن رغم استمرار هذا النوع من التحركات، يعترف بعض الناشطين بأن احتمال تنازل السلطات العسكرية عن النفوذ السياسي يبقى مستبعداً، ففي الأسبوع الماضي، قال أكرم كمال، طالب عمره 19 عاماً تعرّض لإطلاق النار في عنقه خلال تجمّع في 17 مارس الماضي: «نحن لا نملك أي وسائل لتحقيق مطالبنا باستثناء مقاومتنا السلمية». مع ذلك، لم يستسلم الناشطون وقد تابعوا هذا الأسبوع تنظيم الاحتجاجات في أنحاء البلد تزامناً مع الذكرى السنوية للانقلاب.
* «إيلا يوكس»