لبنان أمام أسبوع حاسم ومفصلي، ترقُّباً لما سيتقرر بخصوص مغادرة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة لمنصبه في 31 الجاري. ولا تزال الدوائر الحكومية والسياسية تبحث في كيفية التعاطي مع هذا الاستحقاق، خصوصاً في ظل تضارب واضح بالآراء على أكثر من صعيد، وحتى داخل الفريق الواحد.
الانقسام يسري على القوى السياسية ومكونات الحكومة، فحزب الله يتمسك بتسلّم النائب الأول للحاكم، وسيم منصوري، صلاحيات الحاكم، وهو أمر يتهيبه الرئيس نبيه بري ومنصوري نفسه، خوفاً من انفجار الأزمة المالية بوجهيهما، أو تحميلهما مسؤولية اعتماد سياسات نقدية مشابهة لما اعتمده سلامة نفسه.
داخل الحكومة، فريق يريد مغادرة سلامة وتعيين حارس قضائي، فيما طرف آخر يريد بقاء الرجل بانتظار انتخاب رئيس للجمهورية، بذريعة تسيير المرفق العام، وطرف ثالث يمثّله نائب رئيس الحكومة، سعادة الشامي، يبدو مرتاحاً للمباحثات التي حصلت بينه وبين نواب الحاكم، وبالتالي يتحمّس لتسلّمهم.
كان يفترض بنواب الحاكم أن يقدموا استقالاتهم غداً في مؤتمر صحافي، لكنّ اتصالات كثيرة حصلت معهم، إضافة إلى ضغوط مورست عليهم للاستمرار في مناصبهم، وقد تواصل معهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، طالباً تأجيل مؤتمرهم الصحافي، ليلتقي بهم ويبحث معهم ما يمكن فعله. ولكن كل المشاورات التي حصلت الأسبوع الفائت في مجلس النواب مع نواب الحاكم لم تصل إلى أي صيغة اتفاق، في ظل إصرارهم على إصدار تشريعات وقوانين تحمي عملهم في إطار الصرف من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان لمصلحة تهدئة سعر صرف الليرة أمام الدولار وعدم تدهورها بقوة، خصوصاً في ظل البحث عن آلية لإلغاء منصة صيرفة واستبدالها بمنصة أخرى متطورة ومضبوطة العمل، وبالتالي تكون خاضعة لمراقبة ومشرعة، فلا يتحمّل نواب الحاكم أي مسؤولية.
هناك 3 خيارات لا تزال مطروحة ويتم التداول بها، وهي إمكانية أن يتسلّم نائب الحاكم الأول صلاحيات الحاكم ويعاونه النواب الآخرون في إطار العمل ضمن المجلس المركزي. أو أن يقدّم نواب الحاكم استقالاتهم، ويتم تكليفهم بتصريف الأعمال، على أن يكون عملهم محدوداً، وهذا غير محسوب النتائج والتداعيات على سوق القطع والوضع النقدي. أما ثالث الاحتمالات فهو العودة الى صيغة تمديد بقاء سلامة في موقعه، وهو ما تعارضه قوى متعددة في الداخل والخارج، وما قد يستدعي تحركات احتجاجية شعبية وسياسية.
في كل الأحوال، وصل لبنان إلى مرحلة خطيرة على الصعيد المالي، أياً يكن الخيار الذي سيتخذ، ستكون عبارة عن مرحلة انتقالية حتى وإن بقي سلامة في منصبه كمُمدد له أو مسيّر للأعمال، لأن نطاق عمله سيضيق وصلاحياته ستضعف، كذلك في حال تسلّم نواب الحاكم مسؤولية تسيير الأعمال بعد استقالاتهم، ما يعني عدم قدرتهم على التحكم في السوق، وهنا تكشف مصادر متابعة أنه في خلال المناقشات الماضية عبّر نواب الحاكم عن خشيتهم من كيفية التعاطي مع السوق، خصوصاً في ظل عدم توافر «الداتا الكاملة» عن الصرّافين لديهم، وعدم قدرتهم على التواصل وضخّ الدولارات لمنع حصول تدهور كبير وسريع في سعر الصرف.
سيكون لبنان، إذا، أمام اختبار جديد وحساس على الصعيد المالي، من الآن وحتى ما بعد انتهاء ولاية حاكم المصرف، وسط توقعات بأن تميل الى السلبية وإلى المخاوف على الواقع المالي الذي سيكون له تداعيات سياسية وحتى أمنية.