كعادة توفيق الحكيم عندما يستند إلى التاريخ فيما يكتب، فهو يتخذ منه وسيلةً غايتها التعبير عن الحاضر الذي يعيش فيه.
ومسرحية السلطان الحائر استحضر فيها زمن القاضي العز بن عبدالسلام، الذي كان مصرّاً على بيع القادة والأمراء والجنود المماليك في سوق النخاسة ووضع أثمانهم في بيت المال، وبعد إطلاق سراحهم، من الممكن أن تُناط بهم المناصب ويصبحوا أحراراً.
***وأمام حدثٍ كبيرٍ مثل هذا، كان لا بدّ لتوفيق الحكيم من وصفٍ للحاكم الذي سيتحقق على يديه مثل ذلك الطلب الشرعي الذي يطالب به القاضي العز بن عبدالسلام، فيكتب مواصفات الحاكم التي توحي للقارئ أنه يصف حاكماً تاريخياً، لكنّه واقعياً يتحدث عن الحاكم الذي يتمناه أن يحكم الزمن الذي يعيش هو فيه، فيصفه قائلاً:يجب أن يكون السلطان محبوباً، يتحلى بصفاتٍ طيبة، كالعدل، والحكمة، والشجاعة، والذكاء، وحضور البديهة، واحترام القانون، ورحابة الصدر، وروح الطرافة في المواقف الصعبة. ويمكن إدراك مصداقية هذه الصفات من سير المسرحية وسلوك السلطان وردود أفعاله، فقد ظهر عادلاً وكريماً حين استجاب لطلب النخاس المحكوم عليه بالإعدام كي يتيح له محاكمة علنية قبل تنفيذ الحكم، قائلاً له:
- ستُحاكم المحاكمة العادلة، وفقاً لرغبتك، وسوف يتولى محاكمتك قاضي القضاة، وبحضوري.
***أما شجاعة السلطان فتتمثل من خلال العديد من المعارك التي خاضها مع المغول وهزمهم، بل وانتزع ياقوتةً فريدة من نوعها من على رأس قائدهم.
***
تصدّى العديد من النقاد لمسرحية السلطان الحائر، مثل نازك الملائكة، وعبدالقادر القط، وأحمد أمين، وغيرهم، فأظهروا ما فيها من ثغرات فنية وتاريخية، لكنّ الناقد الكبير محمد مندور وقف إلى جانب المسرحية وكتب قائلاً:
المسرحية ليست تاريخية، والحكيم لم يذكر أسماء للشخصيات، وكان لا بدّ له من تصوير قاضي القضاة كرمز يمثّل القانون بالصورة التي أظهره فيها، ليعبّر عمّا نراه في الواقع من تغليب القوة والبطش على ضمائر دعاة القانون، فيصبح ذلك القانون عندنا مجرّد شكل أجوف ليست له سلطة تحترم ما يسمّى القانون.