أرسى المؤتمر الذي نظّمته السفارة السعودية في لبنان للاحتفال بذكرى اتفاق الطائف، قاعدة سياسية جديدة لابدّ من الانطلاق منها، تحضيراً للمرحلة المقبلة. وفي البداية، فإن الحشد الكبير الذي حضر المؤتمر يمنحه اعترافاً وشرعية متجددة، إلا أن الأساس يبقى في العمل على اختيار مسار تكاملي لمرحلة ما بعد المؤتمر، وصولاً إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة، وهذا لابدّ له أن يمرّ بمسارات متعددة، أولها تشكيل لجنة متابعة تنطلق بمبادرة سياسية جديدة تحت سقف الطائف، والبحث بمندرجاته وتطبيقها مع القوى السياسية المختلفة.

أما ثانيها، فهو اهتمام هذه اللجنة بوضع الأسس العملانية للبحث في التسوية الرئاسية الجديدة، وهذا ما يتلاقى مع المساعي المستمرة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي كلّف نائبه إلياس بوصعب بجسّ نبض الكتل النيابية للدخول في حلقة من التشاور فيما بينهم، بحثاً عن فرص الاتفاق على مقومات التسوية الجديدة.

وبحسب ما تكشف مصادر متابعة، فإن بوصعب يُجري الاتصالات اللازمة لذلك، فيما لم يُسقط بري من يده ورقة خيار الدعوة إلى لقاء تشاوري جامع أو لقاء حواري يسعى من خلاله إلى البحث عن حلّ للأزمة القائمة، وقطع الطريق على الفراغ. وفيما كان البطريرك الماروني بشارة الراعي أول من أعلن رفضه لهذا الحوار، معتبراً أن الظرف الآن يحتّم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تكشف مصادر متابعة أن بري أوفد معاونه السياسي علي حسن خليل إلى الراعي للقائه، وشرح وجهة نظر رئيس مجلس النواب.
Ad


وتضيف المصادر المتابعة أن الراعي أبدى تفاهماً وتجاوباً مع وجهة نظر بري، التي تقوم على أنه لا يمكن لأي من الأطراف أن ينجح في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن الأمر يحتاج إلى توافق بناء على موازين القوى التي أفرزتها الانتخابات النيابية وعكستها توزعات الكتل في المجلس النيابي، لذلك لابدّ من الحوار، ويعتبر بري أن هذا الحوار هو الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى سد الفراغ في النهاية، وحتى لو لم يكن إنجاز الاستحقاق الرئاسي مرتبطا بحسابات لبنانية فقط، وأن له أبعاداً إقليمية ودولية، إلا أن رؤية بري تقوم على ضرورة تحضير الأرضية مسبقاً لإنجاز بقية تفاصيل التسوية عندما يحين أوانها. وبحسب ما تقول مصادر بري وحزب الله أيضاً، فإن الثنائي الشيعي لا يضع «فيتو» على أي مرشح رئاسي، وأنهما مع خيار انتخاب رئيس توافقي، وفي هذا الصدد تؤكد المصادر أن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية يتحرّك على هذا الأساس، ولذلك كان حضوره بارزاً ولافتاً في مؤتمر الطائف الذي نظّمته السفارة السعودية، ووفق المعلومات فإن فرنجية سيتحرك على أكثر من خط في إعادة التنسيق والتواصل مع غالبية القوى، لأنه يطرح نفسه مرشحاً توافقياً، لاسيما أن حزب الله كان قد أبلغ فرنجية بأنه جاهز لدعمه، لكن بعد أن يقوم فرنجية بالتحركات المطلوبة وتوفير أكبر قدر من التوافق حوله.

وهنا لا يبدو فرنجية أنه في وارد التنازل هذه المرّة، ولذا لابدّ من التركيز على ما قاله نجله النائب طوني فرنجية الذي استبعد أن يطلب حزب الله من فرنجية التنازل هذه المرة، كما حصل في الاستحقاق السابق وتنازل لمصلحة ميشال عون، كما أعلن فرنجية الابن رفض تعديل الدستور، في إشارة ضمنية إلى رفض السير بقائد الجيش جوزيف عون. هذا الموقف في حد ذاته يوحي أن فرنجية يحضّر لتحرُّك سياسي بالتزامن مع الحوار الذي يسعى بري إلى تجديد الدعوة إليه، لكن مسعى فرنجية يصطدم بعقبتين أساسيتين، الأولى إحراج حزب الله مع التيار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل، وثانياً غياب التأييد المسيحي الشامل لرئيس تيار المردة.