في عناد لا ينتهي وإصرار غريب على عدم احترام الدستور من الحكومة وبعض النواب، جاء مشروع المفوضية العليا للانتخابات ليضع ذات العبارة المطاطة التي ترسخ لنفس الخلاف المهترئ الذي لا نكاد نخرج منه حتى نجد أنفسنا فيه مرة أخرى، لينص القانون الجديد في مادته الـ 16 على أنه «يشترط لمباشرة المرأة حقها في الانتخاب والترشيح الالتزام بالقواعد والأحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية».
يأتي ذلك بعدما قطعت المحكمة الدستورية منذ عام 2009 في هذه المسألة «قول كل خطيب» برفضها دعوى الطعن على عضوية النائبتين السابقتين أسيل العوضي ورولا دشتي، حيث أكدت المحكمة وقتئذٍ أن الدستور كفل «الحرية الشخصية، وأطلق حرية العقيدة، لأنها ما دامت في نطاق الاعتقاد أي (السرائر) فأمرها إلى الله، ولم يُجز التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات بسبب الدين أو الجنس»، فضلاً عن تأكيدها أن النص المتذرع به لإبطال عضوية النائبتين إنما هو من النصوص التوجيهية، التي ترد مورد الإرشاد والتوجيه، دون إلزام أو وجوب.
إذاً، فلماذا هذا الاستعراض السياسي بمادة لن تقدم أو تؤخر في نص فصلت فيه «الدستورية» منذ سنوات طويلة؟! ولماذا فتح الباب مجدداً لجدل إعادة تفسير المفسر وإنطاق الناطق؟ ولماذا تلك المثابرة العجيبة على مصادرة حق الآخرين في اختيار ما يأكلون وما يلبسون والتدخل في أخص خصوصياتهم بالإبقاء على هذا النص الذي يغري، للأسف كثيرين، لجدليات تفتت عضد المجتمع، وتصرفه عن أولوياته؟ فإذا كانت الحكومة لا تدري ما أثاره هذا النص المطاط سابقاً من خلافات ودعاوى وارتكبت ذلك الخطأ دون قصد فتلك مصيبة، أما إذا كانت تدري ووضعته عن تعمد فالمصيبة أعظم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن الغريب المريب أن هذا يأتي وسط صمت ومباركة من بعض النواب، والأنكى أن منهم من يتفانى في الضغط على الحكومة كي لا تتراجع عن خطئها بحذف تلك المادة التقييدية، رغم ادعاءاتهم المستمرة بحماية الدستور، لتثبت مواقفهم أن ما يقولونه ولا ينفكون يرددونه عن الحفاظ على الدستور إنما هو مجرد شعارات جوفاء، وعندما يأتي وقت التطبيق تجبرهم أجنداتهم المخفية على اتخاذ قرارات تعاكس ما دأبوا على ترديده.
نحن جميعا أمام امتحان عنوانه احترام الدستور فهل تنجح فيه السلطتان وتبرهنان على سيرهما الحقيقي نحو الحريات واحترام الخصوصيات والتعلم من دروس الماضي؟ وهل يعي المواطنون الناخبون، مَن مع الدستور ومن ضده؟ وهل تتخذ المرأة الناخبة موقفاً من أولئك الذين كتبوا بأيديهم أو باركوا ولم يعترضوا على فرمانات وأد حريتها وقراراتها الشخصية، وكأنها قررت أن تنتخبهم لمحو هويتها وتشكيل شخصيتها وفقاً لما يشتهونه هم لا ما تريده هي لنفسها؟